البرلمان أمام امتحان الثقة والإصلاح: هل تنجح الكتل الحزبية في عبور المنعطف؟
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
نائب الرئيس الأمريكي: سيتم إطلاق سراح المحتجزين في غزة بأي لحظةزاد الاردن الاخباري -
يدخل مجلس النواب الأردني دورته العادية الثانية في السادس والعشرين من الشهر الحالي، في لحظة سياسية دقيقة تتقاطع فيها رؤية الإصلاح الملكية مع تطلعات الشارع الأردني لأداء نيابي مختلف، أكثر حضورًا وفعالية ومصداقية.
وتأتي هذه الدورة وسط توقعات بتصاعد الأداء البرلماني، وإجماع سياسي على أن الإصلاح لم يعد ترفًا سياسيًا أو خيارًا مؤجلاً، بل واجب وطني تتحمل مسؤوليته الدولة بأركانها كافة: الحكومة، والنواب، والأحزاب السياسية.
تمثل هذه الدورة محطة حاسمة في مسار التحول البرلماني، فإما أن تثبت الكتل الحزبية أنها أداة الدولة في الإصلاح والمساءلة، وإما أن تترك المشهد فارغًا ليملؤه الأداء الفردي التقليدي الذي اعتاد عليه الجميع.
وبعد غياب نيابي طويل ودورة أولى مثقلة بالإخفاقات والتجريب، يجد المجلس نفسه اليوم أمام امتحان مزدوج:
استعادة ثقة الشارع، وإثبات أن التحول نحو العمل الحزبي خيار إستراتيجي وليس مرحلة عابرة.
ومن هنا، فإن ما سينجز في هذه الدورة سيحدد ملامح الحياة السياسية في السنوات المقبلة. فإما أن يؤسس المجلس لبرلمان حزبي برامجي حديث، أو يعود إلى المربع الأول، حيث تسود الفردية والخطابات والشعارات، فلا إصلاح يتحقق ولا ثقة تُستعاد. وفي كلا الحالتين، سيكون المجلس أمام مفترق طرق: إما أن يفتح الباب لدورة نوعية جديدة، أو يُدخل الحياة السياسية في أزمة ثقة جديدة.
كشفت الدورة الأولى للمجلس عن فجوة واضحة بين النص الدستوري والممارسة الواقعية، إذ لم تتمكن الكتل الحزبية بعد من بناء هوية سياسية متماسكة أو رؤية برلمانية موحدة، وظلت رهينة الحسابات الفردية والانقسامات.
لكن الدورة الحالية تمثل فرصة للتصحيح، لإثبات أن الإصلاح السياسي لم يكن شعارًا عابرًا، بل تحولًا مؤسسيًا ومنهجيًا نحو برلمان قائم على البرامج لا الأشخاص.
فالمرحلة القادمة لا تحتمل المجاملة أو التجريب، بل تحتاج إلى وضوح في الاتجاهات، وبرامج عمل قابلة للقياس والتنفيذ، تُترجم وعود الإصلاح الحزبي إلى واقع ملموس.
مع دخول الأردن مرحلة حساسة من التحول الاقتصادي والإداري والسياسي، تتزايد الضغوط على البرلمان ليكون شريكًا مبادرًا لا مراقبًا صامتًا.
المطلوب من الكتل الحزبية أن تقدم نموذجًا جديدًا للعمل البرلماني المنظم، وأن تحدث نقلة نوعية في التشريع والرقابة معًا.
ويفترض أن تضع الكتل خططًا تشريعية واضحة تشمل أولويات وطنية مثل قوانين: الضمان الاجتماعي، العمل، الإدارة المحلية، الإصلاح الإداري، والموازنة العامة.
أما على صعيد الرقابة، فعليها الانتقال من الشكل إلى الجوهر، عبر أسئلة نوعية، ولجان فاعلة، ومتابعة دقيقة لسياسات الحكومة.
فمن ينجح في هذه المهمة، سيكسب احترام الشارع، ويعيد صياغة العلاقة بين البرلمان والمجتمع، مؤكدًا أن الحزبية قادرة على إنتاج نخب سياسية وتشريعية جديدة تمتلك الكفاءة والرؤية والقدرة على الإنجاز.
الثابت أن البرلمان لا يملك ترف البقاء في عزلة عن الناس. فالمواطن الأردني بات أكثر وعيًا وأشد مطالبة بالإنجاز لا بالشعارات.
وعلى الكتل الحزبية أن تفتح نوافذها للمجتمع، وأن تتحول من منطق التمثيل إلى منطق الشراكة الوطنية، عبر إنشاء مكاتب تواصل فاعلة في المحافظات، وإصدار تقارير أداء دورية، والاستماع لنبض الناس لا لصدى الخطابات.
الثقة تُبنى حين يشعر المواطن أن صوته لم يُهدر بعد الانتخابات، وأن النائب يعمل ضمن برنامج واضح ومعلن، لا وفق مزاج شخصي أو مصالح آنية.
العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تحتاج إلى إعادة صياغة بروح جديدة، قوامها الشراكة والمسؤولية المتبادلة لا التبعية أو التناحر.
فالحكومة تحتاج إلى برلمان قوي ومنظم يدعم برامجها الإصلاحية ويحاسبها بموضوعية، والمجلس يحتاج إلى حكومة شفافة تحترم دوره وتقدر استقلاليته.
وهنا تبرز أهمية الكتل الحزبية بوصفها الوسيط الحقيقي بين المسؤولية والمساءلة، لضمان توازن العلاقة بعيدًا عن تصفية الحسابات السياسية أو المجاملة الشكلية.
ولا يمكن فصل العمل البرلماني عن البيئة الإقليمية المتوترة التي تحيط بالأردن. فالمنطقة تمر بتحولات عميقة، والقدس ما تزال جرحًا مفتوحًا، والتحديات الاقتصادية تضغط على كل بيت أردني.
ومن ثم، يُنتظر من مجلس النواب أن يكون صوت الدولة العاقل والمدافع عن ثوابتها، وأن يواكب الدبلوماسية الرسمية في الدفاع عن القضايا الوطنية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والقدس، مع دعم الجهود الاقتصادية والتنموية التي تحفظ أمن البلاد واستقرارها.
الخلاصة: إمّا دورة مفصلية... أو فرصة ضائعة
يدخل مجلس النواب دورته الثانية محمّلًا بآمالٍ كبيرة وتحديات جسيمة. فإما أن يكون هذا الفصل التشريعي نقطة تحول نحو برلمان حزبي مؤسسي حقيقي، أو يتحول إلى مجرد امتداد لنهج سابق لم يعد يُقنع أحدًا.
الكرة الآن في ملعب الكتل، والشارع يترقب. فإما أن تكتب هذه الدورة بداية جديدة في سجل الإصلاح السياسي الأردني، أو تُسجَّل كفرصة أخرى أُهدرت في لحظة تاريخية كانت تستحق أداءً مختلفًا.