اخبار الاردن

صحيفة السوسنة الأردنية

سياسة

مستقبل سوريا في ظل مفهوم نتنياهوـ ترامب عن السلام

مستقبل سوريا في ظل مفهوم نتنياهوـ ترامب عن السلام

klyoum.com

«قلت أنا وترامب: إن السلام يأتي من القوة، القوة أولا ثم السلام»، هكذا بلا مواربة، يؤسس نتنياهو وحليفه الأمريكي لمفاهيم جديدة عن السلام ترتكز على فرضه بالقوة، ليثبت أن ميثاق الأمم المتحدة – ونصوصه عن حل النزاعات بالطرق السلمية – مجرد أوهام تم تصديرها للتغرير بالضعفاء.

مبدأ نتنياهو/ترامب صادم لتطلعاتنا إلى السلام، هذا السلام ـ وفقا لهذا المبدأ- يفرضه الممسكون بزمام القوة التي نفتقدها، بما يعني تجريده من مضمونه وتحويله إلى شروط قسرية مستبدة تحقق مصالح الأقوياء على حساب الضعفاء.

إسقاط هذا المفهوم على الواقع السوري يفجر أمامنا تساؤلات مهمة:

كيف يتحقق السلام لسوريا الوليدة في ظل هذا المنطق؟ هل يكف الصلف الصهيوني عن وضع العصا في عجلة البناء السورية؟ هل تصمد طموحات سوريا إلى السلام مع دولة الاحتلال وتصفير النزاعات أمام الاستفزازات الإسرائيلية، والعنت الإسرائيلي إزاء الجولان المحتلة؟ هل يسمح لها ترامب ونتنياهو بامتلاك القوة العسكرية التي تحمي سيادتها؟

منذ أن سقط نظام الأسد وتولي إدارة الشرع زمام الأمور، لم يكف جيش الاحتلال عن استهداف الأراضي والمنشآت والمواقع العسكرية في سوريا، والتوغل في أراضيها، تقابله الحكومة السورية بهدوء شديد، وتكتفي برفع القضية إلى المجتمع الدولي، ومطالبته بالضغط على الاحتلال لوقف هجماته على الأراضي السورية. لم يطلق الشرع رصاصة واحدة على الاحتلال، بل يدعو الوسطاء في كل محفل للتوسط في إبرام اتفاقيات سلام مع الكيان الإسرائيلي. وعلى الرغم من البراغماتية التي ظهرت بها الإدارة السورية الجديدة في التعامل مع العدوان الإسرائيلي، وعلى الرغم من سلوكها الرامي إلى السلام مع الاحتلال، يطل وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر على العالم، ليترجم مفهوم نتنياهو/ترامب عن السلام، ويصرح بأن بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان شرط أساسي للتطبيع مع سوريا.

الجولان أرض سورية احتلتها إسرائيل بالقوة، لكن الأخيرة تشترط على سوريا الإقرار بسيادتها على الجولان مقابل السلام، فليس مفهوم نتنياهو/ترامب عن السلام مجرد تصريح عشوائي، وإنما هو حقيقة راسخة في سياسات هذه النازية الجديدة. إدارة الشرع تعمل وفق أولويات البناء الداخلي، وبناء دولة مؤسسات والنهوض بالاقتصاد السوري، متخذة إلى تحقيق ذلك العمل، تصفير النزاعات والاندماج في المجتمع الدولي، وطمأنة الجميع بأن سوريا الجديدة نائية عن الصراعات والحروب والعداءات.

الإدارة السورية مجبرة على التعامل وفق هذا النسق، وترى أن الخروج عنه سيؤدي إلى وأد الدولة الوليدة في مهدها، خاصة أن صورة الجماعات الإسلامية المسلحة، التي حولت الثورة إلى الدولة لا تغيب عن المشهد، وهو الأمر الذي يُحسن نتنياهو وترامب استثماره جيدا، تحت مسمى مواجهة الإرهاب، فكيف ستخرج سوريا من عنق الزجاجة في ظل هذا الترصّد؟

هناك عدة عوامل تجعل وجود سوريا جديدة قوية اقتصاديا، أمرا مقبولا لدى الولايات المتحدة، منها: شبكة التحالفات الأمريكية في المنطقة، خاصة مع تركيا والسعودية، وهما الدولتان الأكثر والأظهر احتضانا لسوريا.

ومنها: ضمان وجود سوريا تحت المظلة والرقابة الأمريكية بعيدا عن نفوذ الدول الكبرى الأخرى كروسيا والصين، وضمان استدامة فك الارتباط بين سوريا وإيران، الذي أنتجته الثورة السورية والإطاحة بنظام الأسد.

ومنها: إن وجود سوريا مستقرة اقتصاديا ومؤسساتيا ومروضة في الوقت نفسه، يمثل تأمينا للحدود الإسرائيلية.

لكن من المؤكد أن نتنياهو وترامب، لن يسمحا مع ذلك لسوريا بامتلاك جيش قوي وقوة عسكرية تحمي سيادتها، لذلك من المتوقع أن تضع إسرائيل عصاها في عجلة البناء السوري من حين لآخر، لتظل الحكومة السورية الجديدة تدور في فلك البناء الاقتصادي والتنمية فحسب، حتى لا تتمكن من التحول إلى مربع النهوض بالقوة العسكرية. الأوراق التي ربما تتمكن سوريا من استخدامها لمواجهة هذا التطويق، هو استمرارها في البناء الداخلي والنهوض بالاقتصاد لتصبح دولة ذات ثقل سياسي مستمد من قوة الاقتصاد، وإزالة الآثار الوخيمة لحكم نظام الأسد، وبناء شبكة تحالفات قوية متنوعة متعددة، وعقد اتفاقيات أمنية واتفاقيات دفاع مشترك مع الدول الإقليمية القوية.

ويأتي الاهتمام ببناء جهاز استخباراتي قوي وبناء قدرات الأمن السيبراني وتأسيس بنية أمن قومي، على رأس الإجراءات التي يمكن أن تتخذها سوريا لمواجهة هذا التطويق. والأهم من ذلك تحقيق الوحدة الداخلية واللحمة المجتمعية وتماسك المؤسسات وتأسيس عقيدة دفاعية جديدة تعبر عن وحدة الهم السوري. هذه الإجراءات سوف توقف سوريا على أعتاب الاستثمار للمتغيرات والتقلبات السياسية المحتملة في المنطقة، في بناء قوتها العسكرية التي تحمي سيادتها وتجعلها قادرة على صد العدوان والدفاع عن أراضيها.

كاتبة أردنية

*المصدر: صحيفة السوسنة الأردنية | assawsana.com
اخبار الاردن على مدار الساعة