اخبار الاردن

سواليف

سياسة

"يهود بلا يهودية": قصة الدروز المتعاونين مع الاحتلال في فلسطين

"يهود بلا يهودية": قصة الدروز المتعاونين مع الاحتلال في فلسطين

klyoum.com

#سواليف

في عام 2022، كشف الباحث الإسرائيلي المتخصص في العلاقات المدنية-العسكرية، يغائيل ليفي، عن معطيات صادمة تتعلق بهوية #قتلى #جنود #جيش_الاحتلال في المناطق التي تشهد صراعًا مباشرًا، كالضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان، وذلك خلال الفترة الممتدة من عام 2000 حتى 2022. ووفقًا لهذه الإحصاءات، فإن 76% من #الجنود_القتلى هم من أصول #يهودية_شرقية أو من #الدروز، وهي نسبة مرتفعة بشكل لافت وتعكس بنية التمييز الطبقي والإثني داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. تعيد هذه المعطيات إلى الأذهان سؤالًا مركزيًا طالما أُثير في الأوساط البحثية: كيف تحوّل الدرزي، الذي كان في يوم من الأيام فلاحًا فلسطينيًا مرتبطًا بأرضه، إلى جندي إسرائيلي يخوض معارك ضد أبناء شعبه؟ هذا التحوّل العميق يجد انعكاسًا دقيقًا في عنوان كتاب الباحث الدرزي قيس فرو، الذي تناول فيه سيرة الطائفة الدرزية في فلسطين تحت عنوان "من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية"، في وصف يُلخّص قرنًا من سياسات الأسرلة.

المعطيات التي نشرها ليفي لا تقتصر على البعد الإحصائي، بل تكشف عن بُنية الأمن الإسرائيلي من الداخل، وتبرز دور الدروز كمكوّن أساسي في خط المواجهة ضد الفلسطينيين، سواء في ساحات المعارك أو داخل السجون. فقد برزت مشاركة السجانين الدروز بوضوح بعد السابع من أكتوبر، حيث قاد عدد كبير منهم عمليات تنكيل وتعذيب منهجية بحق الأسرى الفلسطينيين. في سجني النقب ومجدو، أفادت تقارير بأن شهداء سقطوا نتيجة التعذيب على يد سجانين دروز تحديدًا. وفي الميدان، وخاصة في قطاع غزة، تكشف قناة "مكان" الإسرائيلية الناطقة بالعربية عبر تقاريرها عن سقوط عدد كبير من القتلى الدروز في القتال، بل إن بعضهم تفاخر علنًا بمشاركته في عمليات قصف وتدمير أحياء سكنية فلسطينية، مما يعكس التورط العميق لهذه الفئة في مشروع حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.

قصة الدروز.. استراتيجية "الخصوصية"

اتبع الاحتلال الإسرائيلي تجاه الطائفة الدرزية في فلسطين استراتيجية "تشكيل الخصوصية" التي نجحت في تفكيك هويتها العربية الفلسطينية، وخلق هوية درزية جديدة تنسجم مع المصالح الإسرائيلية. الطبيعة الريفية المنغلقة للدروز كأحد أسباب نجاح استراتيجية "الخصوصية"، والتي ساهمت في تشكيل هوية اجتماعية غير معنية إلى حد بعيد بالهوية القومية، وكذلك حذر الدروز من الانخراط في الحركات الوطنية أو القومية. هذا الحذر يفسره الباحث الإسرائيلي شمعون أفيفي من خلال مبدأ "الحيط الواقف"؛ وبحسبه فإن الدروز رفضوا حسموا موقفهم لصالح "إسرائيل" إلا بعد عدة أحداث ميدانية استنتجوا من خلالها أن العرب سيهزمون في الحرب.

يمكن تفسير الاهتمام الإسرائيلي باستراتيجية "خصوصية الدروز" بالفهم الإسرائيلي لمعتقداتهم، رغم السعي الشامل لخلق خصوصيات لكل المكونات العربية، لكن التركيز على الدروز كان واضحا بعد تشكيل لجنة وزارية عام 1949 أوصت بتقسيم العرب الذين تبقوا داخل حدود "إسرائيل" مع التركيز على الطائفة الدرزية.

ومن الأدوات التي استخدمتها "إسرائيل" لتكريس "خصوصية الدروز" هي "التفضيل" و"التخصيص". حكومة الاحتلال سمحت للدروز بعد حرب 1948 بجني محاصيلهم الزراعية على خلاف تعاملها مع الفلسطينيين الآخرين. كما وأنشئت وحدة عسكرية لاستقطاب الدروز للخدمة في جيش الاحتلال. التجنيد في الجيش كان هدفه خلق علاقة ولاء مبكرة مع الدولة وقد تجسد ذلك بفرض الخدمة الإلزامية على الدروز عام 1956. فيما تشير الأدبيات العسكرية الإسرائيلية إلى أن الجيش بالنسبة لـ"بن غوريون" في تلك الفترة كان يعني حيزا لإعادة تشكيل الهويات وصهرها ونفي الهويات التقليدية الإثنية والدينية، وبحسب تعبير الباحث الإسرائيلي آسف ملاحي كان الهدف من الخدمة الإلزامية تحويل الجيش إلى مدسة التي تحاول تقليل تأثير الهويات الأيديولوجية والعرقية.

كما عملت "إسرائيل" على تفكيك الروابط الدينية التقليدية بين الدروز والمسلمين، عبر تأسيس مجلس ديني درزي مستقل، وتحويل مقام النبي شعيب إلى مركز احتفالي وطني يكرس الولاء للدولة. وبموازاة ذلك، أطلقت مناسبات دينية جديدة مثل عيد النبي سبلان، في محاولة لعزل الطائفة ثقافيًا ودينيًا عن محيطها العربي. وتوجت هذه الجهود بإصدار بطاقات هوية تميز الدروز عن العرب، مما أثار احتجاجات واسعة، لكنها قمعت باستخدام سياسات التمييز والامتيازات لمن تعاون مع الاحتلال. هذه الخطوة مثلت ذروة مشروع العزل الاجتماعي للدروز، وأسست لفجوة مستمرة بينهم وبين سائر الفلسطينيين في الداخل.

ولم تكتف "إسرائيل" بذلك، بل عملت على خلق نخبة درزية موالية عبر الامتيازات الاقتصادية والسياسية، وإقصاء المعارضين، مما أعاق نشوء حركة سياسية درزية مستقلة قادرة على تمثيل مجتمعها بفعالية. وساعدت الرواية التاريخية الصهيونية، على تعزيز هذا التوجه عبر تفسير التعاون الدرزي مع "إسرائيل" بوصفه امتدادًا لمبدأ "التقية" الديني، مما منح بعدًا دينيًا زائفًا للعلاقة السياسية المفروضة. استغلال مفهوم "التقية" لم يكتف بتبرير تعاون الدروز، بل شكّل أداة دائمة للارتياب الرسمي الإسرائيلي بولاء الطائفة، سواء أبدت ولاءً أو مقاومة. هذه السياسة خلقت بيئة سياسية خانقة حدّت من قدرة الدروز على التعبير عن مواقفهم الوطنية الحقيقية.

وأنشأت حكومة الاحتلال مناهج تعليمية درزية مستقلة، صاغها أكاديميون صهاينة مثل غابرييل بن دور، تروج للاندماج بالدولة وتقزم الانتماء العربي. وبلغت هذه الجهود ذروتها عام 1977 مع اعتماد منهاج درزي رسمي منفصل عن المنهاج العربي، لكنه ظل متدنياً في مستواه، يركز على قيم الطاعة والانضباط أكثر من تنمية الفكر النقدي. ساهم هذا المنهاج في خلق شخصية درزية موالية للمشروع الإسرائيلي ولشيوخ الطائفة الذين يتعاونون مع الاحتلال.

جماعة اليهود وليسوا يهودا

أحد أبرز المفكرين الصهاينة الذين يطرحون مسألة تحويل الفلسطيني إلى "يهودي بلا يهودية" أو "مستوطن بلا حقوق مواطنين" هو آشر كوهين في مقالته "قضية العرب في إسرائيل"، والتي كتبها في سياق تحليله للمسألة الديموغرافية التي يعتبرها تهديدًا استراتيجيًا وجوديًا على الطابع اليهودي للدولة. يرى أن "المشكلة الديموغرافية" المتمثلة في النمو الطبيعي السريع للمجتمع العربي – بما في ذلك الدروز – داخل "إسرائيل" تقوض وزن الأغلبية اليهودية، مما يعزز شعور التهديد لدى اليهود. بالمجمل، يعبر كوهين عن موقف يعتبر العرب داخل "إسرائيل" تهديدًا ديموغرافيًا وأيديولوجيًا، ويرى في استيعاب غير اليهود ضمن الأغلبية اليهودية وسيلة استراتيجية للحفاظ على الطابع اليهودي للدولة.

يقترح كوهين ما يطلق عليه نموذج "التهويد السوسيولوجي" للتعامل مع الفلسطينيين في الداخل، ويقصد به اندماج غير اليهود في "المجتمع اليهودي" اندماجًا وظيفيًا وثقافيًا دون المرور بعملية التهويد الديني التقليدي. ويصف كوهين هذا التهويد السوسيولوجي بأنه عملية اجتماعية وثقافية يتحول من خلالها أفراد ليسوا يهودًا وفق الشريعة، مثل بعض المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي سابقًا، إلى جزء فعلي من الأغلبية اليهودية في "إسرائيل". ويحدث ذلك عبر مجموعة من الممارسات اليومية والانخراط في مؤسسات الدولة والمجتمع، مثل الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، تعلم اللغة العبرية، والمشاركة في "المناسبات الوطنية لليهود"، وهذا ما ينطبق حرفيا على الدروز.

يرى كوهين – هو شخصية سياسية دينية وأكاديمية – أن هذه العملية، رغم كونها بلا أساس ديني أو شرعي في المفهوم الحاخامي، تصبح ضرورية على المستوى العام في ظل ما يعتبره تهديدًا ديموغرافيًا من العرب داخل "إسرائيل". ويطرح كوهين التهويد السوسيولوجي كاستراتيجية لتعزيز الطابع اليهودي للدولة في مواجهة ما يسميه "الخطر العربي" الناتج عن "النمو السكاني السريع للعرب في إسرائيل" واتجاهاتهم نحو "الفلسطنة" و"الأسلمة"، حسب وصفه. من هذا المنظور، يصبح استيعاب غير اليهود في الأغلبية اليهودية من خلال التهويد السوسيولوجي بمثابة أداة سياسية وديموغرافية، وليس فقط ظاهرة اجتماعية تلقائية. وفي خلاصة موقفه، يبين كوهين أن هذا التهويد السوسيولوجي يخلق هوية يهودية مدنية جديدة، يُقبل فيها الأفراد ضمن "المجتمع اليهودي" بفعل سلوكهم وولائهم المدني، حتى وإن بقوا خارج الإطار الديني الرسمي. ويعتبر كوهين أن هذا الحل يخدم حاجة الأغلبية اليهودية لتعزيز قوتها العددية والثقافية في مواجهة التحديات الوجودية، لكن هؤلاء لا يمنحوا حقوق اليهود، تماما كما في حالة الدروز الذين يعانون من قوانين البناء والميزانيات والحماية والاهتمام الحكومي، لكنهم في الوقت ذلك جزء من اليهود لكن بلا يهودية.

ضوء يتسلل رغم قتامة المشهد

في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر بوادر صحوة درزية تعيد النظر في العلاقة التي نشأت بين الطائفة الدرزية والاحتلال. هذه العلاقة التي بنيت على أسس "الميثاق الدموي" المزعوم بين الدروز وجيش الاحتلال، بدأت تتآكل أمام تصاعد سياسات التمييز، وتهميش البلدات الدرزية، وفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على الشباب الدروز دون أن يقابلها أي مكاسب مدنية ملموسة. لقد أدرك كثير من الشبان الدروز أن دمهم لا يضمن لهم لا المساواة ولا الاحترام. هذه القناعة فتحت الباب أمام خطاب جديد يتحدى سردية "الاندماج"، ويبحث عن جذور الهوية العربية الفلسطينية للطائفة، التي جرى قمعها ممنهجًا لعقود.

ومن أبرز تجليات هذه الصحوة جاء حراك "ارفض شعبك بحميك"، الذي أطلقه شبّان دروز في الداخل الفلسطيني، رفضًا للتجنيد الإجباري المفروض عليهم في جيش الاحتلال الإسرائيلي. الحراك نشأ من رحم الاحتجاج على توريط الشباب الدروز في صراعات الاحتلال ضد أبناء شعبهم الفلسطيني في الضفة وغزة والقدس، وضد شعوب عربية في لبنان وسوريا. ورفع الحراك منذ تأسيسه شعار "أنا لست جزءًا من جيشكم"، كأداة مقاومة مدنية تنزع الشرعية عن منظومة التجنيد المفروضة، وتعيد وصل الطائفة الدرزية بجذورها الوطنية والقومية. وقد برز نشطاء الحراك في المدارس والجامعات والمجالس المحلية، متحدّين خطاب "الولاء للدولة" الذي فُرض عليهم قسرًا، ومواجهين حملات التحريض والتخوين التي قادتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وأذرعها داخل المجتمع الدرزي نفسه.

إن صحوة الضمير التي تعبّر عنها قطاعات واسعة من الشبان الدروز، خصوصًا بعد قانون "القومية اليهودية" الذي أكد الطابع العنصري للدولة، تعبّر عن تفكك الأسطورة التي تقول إن الولاء والدم يمكن أن يشفعا عند المشروع الإسرائيلي. فالدروز، رغم خدمتهم العسكرية الواسعة، بقوا يعانون من سياسات مصادرة الأراضي، وهدم البيوت، والإقصاء السياسي، تمامًا كغيرهم من العرب الفلسطينيين في الداخل. من هنا، تتعاظم الدعوات اليوم لاستعادة الهوية الوطنية، وبناء تحالفات داخلية مع باقي المكونات الفلسطينية لمواجهة المشروع الإسرائيلي. حراك "ارفض شعبك بحميك" – رغم محدوديته حتى الآن – ليس حالة معزولة، بل هو مقدّمة لتحول أعمق داخل الطائفة، يعيد الاعتبار لروح المقاومة، ويضع حدًا لعقود من التوظيف الإسرائيلي للطائفة كأداة ضد شعبها.

*المصدر: سواليف | sawaleif.com
اخبار الاردن على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com