اخبار الاردن

صحيفة السوسنة الأردنية

سياسة

هل تتحطم أحلام غزة على صخرة أهداف نتنياهو

هل تتحطم أحلام غزة على صخرة أهداف نتنياهو

klyoum.com

يعيش سكان قطاع غزة ساعات عصيبة يترقبون خلالها ما ستسفر عنه المفاوضات حول الهدنة، تختلط لديهم مشاعر التفاؤل والأمل، والتوتر والخوف، في آن واحد، فيما تطلق المنابر الإعلامية على هذه الحالة «التفاؤل الحذر». مردّ التفاؤل، المرونة التي أبدتها المقاومة تجاه المقترح، الذي وافقت عليه، رغم أنه يخلو من الضمانات الكافية لعدم خرقها من قبل الاحتلال، ما يعكس حجم الضغوط التي تواجهها المقاومة، سواء في كلفة استمرار الحرب، التي يدفعها أهل غزة، أو في ضعف مخزون السلاح بسبب طول أمد المعارك وانعدام وجود دعم خارجي، أو في فقد الحركة للعديد من قادتها البارزين.

أما الحذر والقلق والخوف، فمردّه بطبيعة الحال إلى تعسف نتنياهو وحكومته المتطرفة التي لا تفقد شهيتها في شن الحرب، وما إذا كانت هناك لديهم رغبة جادة في القبول بمقترح الهدنة.

على الصعيد الشخصي، لا تتجاوز نسبة تفاؤلي بإمضاء الهدنة خمسة في المئة، وحتى إن استجاب نتنياهو بالفعل للمقترح فالمرجح أن لا يدوم التزامه ببنودها، والرجل بارع في خلْق مبررات انتهاك الاتفاقيات كما نعلم، وهو ما شاهدناه بعد فترة وجيزة من بدء عمليات تبادل الأسرى.

دواعي عدم التفاؤل تعود إلى أن الهدنة تصطدم بأهداف نتنياهو الرئيسية في الحرب، وهي:

أولا: القضاء على المقاومة الفلسطينية بشكل نهائي، وهو ما يصرح به في كل محفل ومقام، هو يعلم أن فلسطين بلا مقاومة يعني أن يتم ابتلاعها بالكامل، وأن التفاوض معها يمنحها الاستمرارية في وجودها، وحتى بعد أن خفضت المقاومة سقف تطلعاتها، وقدمت تنازلات تتناسب مع الوضع الراهن وأظهرت مرونة غير مسبوقة، فلن يعجز نتنياهو عن وضع العصا في العجلة وعرقلة المفاوضات، وأرى أن التعديلات التي أجرتها حركة حماس على البنود – والمتعلقة بعدة مسائل منها ما يتعلق بالمساعدات ومنها ما يتعلق بإعادة تموضع قوات الاحتلال- سوف تكون مبرر نتنياهو لعدم القبول بالهدنة، خاصة في ظل ضغط اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يخلو قاموسه من معاني الحلول السلمية في القضية الفلسطينية.

ثانيا: اصطدام الهدنة بخطة عربة جدعون، التي تقضي بإفراغ شمال القطاع من السكان، وتوسيع المنطقة العازلة بعد توسيع رقعة الإبادة للمدن والمنشآت ومظاهر الحياة، خاصة في مناطق شمال وشرق محافظة الشمال، وشرق مدينة غزة، وشرق خان يونس في الجنوب، لوأد كل فرص العودة الفلسطينية إليها.

لقد كان من نتائج هذه العملية، إحداث تغيير ديموغرافي جذري في قطاع غزة، إذ أنها بسبب الإبادة والنزوح، جعلت الكثافة السكانية محصورة في غرب غزة والمحافظة الوسطى وغرب خان يونس، وفصلت هذه المناطق بعضها عن بعض، وحشرت سكان القطاع في حوالي 15% من الأرض.

نتنياهو يسعى لتنفيذ خطة الإجلاء، متكئا على مشروع صفقة القرن الذي أقره ترامب سابقا، ومن ثم ليس له بديل عن استئناف العدوان تحت أي مبرر.

ثالثا: الهدنة سوف تصطدم كذلك بالنتائج التي حققها جيش الاحتلال في المنطقة، وفقا لخريطة الشرق الأوسط الجديد، فقد استطاع بجر الولايات المتحدة إلى حربه مع إيران من إضعاف قوة إيران، كما استطاعت أن تحد من قدرة أذرع إيران في المنطقة، إضافة إلى فرضها واقعا عسكريا في سوريا لا تستطيع الحكومة السورية في الوقت الحالي التصدي له، خاصة في ظل انكفاء الإدارة السورية الجديدة على البناء الداخلي وتصفير النزاعات.

فنتنياهو يرى أنه قاب قوسين من تحقيق أهدافه الاستراتيجية في المنطقة، لذا يصعب القول إنه سوف يقبل بالهدنة ويبدأ في تنفيذ بنودها. في تقديري الشخصي، لا تكفي الضغوطات التي تعترض نتنياهو لوقفه عن المضي باتجاه خيار الحرب، فقضية الأسرى يظهر جليا أنها ليست الهم الأكبر له، بعد أن قتلت صواريخه بعضهم، واستطاع افتكاك عدد منهم في الصفقات السابقة، فكأنه يقول للجماهير الإسرائيلية يكفي هذا العدد، وليس بخافٍ على أي متابع أن الخلاص منهم سيجعله يتنفس الصعداء، خاصة أن الضغط الجماهيري لم يفلح رغم كل فعالياته المستمرة في ثني نتنياهو عن القتال.

أما ترامب الذي يتوقع الكثيرون أنه سوف يعلن في اللقاء الذي يجمعه بعد ساعات من نتنياهو عن وقف إطلاق النار، فقد أظهر سياق الحرب أن ضغط ترامب ليس بالقوة الكافية، لردع الطموحات الصهيونية، وربما نجده بعد هذا اللقاء يلقي اللائمة على تعنت حماس في التعديلات التي أجرتها على الهدنة واتهامها بعرقلة الحلول السلمية. وحتى القيادات العسكرية المعارضة، لا أرى أنها ستجبر نتنياهو على القبول بالهدنة، وهو الرجل الذي يستطيع تغيير القيادات العسكرية كما اتضح من قبل، خاصة في ظل وجود يمين متطرف قوي يدفعه للمضي باتجاه الحرب.

قلت سابقا وأعيدها اليوم، نتنياهو أطلق مشروعه في تغيير خريطة الشرق الأوسط والمضي باتجاه دولة إسرائيل الكبرى، وهو يعلم أن ثمن تحقيق هذه الأهداف ليس هينا، ولكنه يعلم كذلك أن التراجع سوف يكلفه أكثر على المستوى السياسي. تقريبا هي المرة الأولى التي تمنيت فيها أن تخطئ توقعاتي، فالهدنة سوف تكون بمثابة انتظام للأنفاس المتهدجة في غزة، والذين يواجهون بلا أدنى مبالغة أكبر كارثة في الألفية الجديدة.

كاتبة أردنية

*المصدر: صحيفة السوسنة الأردنية | assawsana.com
اخبار الاردن على مدار الساعة