الضرائب في الأردن: إيرادات مرتفعة وخدمات غائبة
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
تقييم وطني لطلبة الصف الثالث الثلاثاءتُعد الضرائب المصدر الأساسي للإيرادات العامة في الأردن، حيث بلغت خلال عام 2024 نحو 7.2 مليار دينار، ما يشكّل ما يقارب 70% من إجمالي الإيرادات الحكومية المقدّرة بـ10.3 مليار دينار، ورغم هذه الحصيلة المرتفعة، لا يلمس المواطن أثرًا واضحًا لها على أرض الواقع، سواء في تحسين الخدمات العامة أو تنفيذ مشاريع تنموية مستدامة.
يُظهر تحليل بنود الموازنة أن النفقات الجارية تستهلك الجزء الأكبر من هذه الإيرادات، وتشمل الرواتب والتقاعد والدعم وخدمة الدين العام، بينما تتراجع نسبة الإنفاق الرأسمالي المخصص للمشاريع إلى مستويات محدودة تقل عن 14%، هذا الاختلال بين الإيرادات والاستخدامات يُضعف من قدرة الدولة على خلق نمو اقتصادي حقيقي أو تحفيز الاستثمار المحلي.
من أبرز التحديات التي تواجه المالية العامة في الأردن هو تصاعد الدين العام، الذي بلغ 44.5 مليار دينار مع نهاية يناير 2025، بما يعادل 116.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشير البيانات إلى أن الدين الخارجي بلغ 19.9 مليار دينار، فيما يُشكل الدين الداخلي عبئًا متزايدًا، خاصة مع اعتماد الحكومة بشكل كبير على صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، الذي ارتفعت ديونه على الحكومة إلى 10.1 مليار دينار.
وفي سياق موازٍ، أظهرت بيانات البنك المركزي أن حجم الاستثمار الأجنبي تراجع بنسبة 18.5% خلال عام 2024، ليصل إلى 1.160 مليار دينار مقارنة بـ1.424 مليار في 2023. هذا التراجع يعكس ضعف جاذبية البيئة الاستثمارية، ويضع أمام الحكومة تحديًا في تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن الاقتراض والضرائب.
لمعالجة هذه التحديات، يمكن للحكومة تفعيل أصول الدولة غير المستغلة وتحويلها إلى مشاريع إنتاجية أو إدخالها في شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص ضمن نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، فالأراضي والمرافق الحكومية المعطّلة تمثّل فرصة حقيقية لزيادة الإيرادات بطريقة مستدامة دون فرض أعباء جديدة على المواطنين.
كذلك، ينبغي تعزيز الصادرات الصناعية، وخاصة التحويلية والدوائية، إلى جانب القطاع الزراعي، من خلال فتح أسواق جديدة وتحفيز الإنتاج المحلي القابل للتصدير، وتوفير بيئة تنافسية تشجع على الابتكار والتطوير، حيث أن هذه السياسات ستُسهم في تحسين الميزان التجاري، وتوفير عملة أجنبية، وخلق فرص عمل في القطاعات الإنتاجية.
قطاع السياحة أيضًا يُعد فرصة كبيرة إذا ما جرى تنظيمه وتطويره بشكل منهجي، خاصة أن الأردن يتمتع بثروات طبيعية ومواقع أثرية فريدة، تطوير السياحة العلاجية والدينية وتحسين البنية التحتية قد يُسهم في تعزيز الإيرادات وخلق فرص عمل واسعة.
أما على صعيد الإصلاح الضريبي، فهناك ضرورة لجعل النظام أكثر عدالة وفعالية، يجب إعادة توزيع العبء الضريبي وفق القدرة على الدفع، دون الإضرار بالنشاط الاقتصادي. وفي هذا السياق، يُمكن للحكومة تفعيل دور الزكاة والوقف ضمن إطار تنظيمي مدروس، بحيث تساهم الزكاة المؤسسية والوقف الإنتاجي في دعم القطاعات الاجتماعية والخدمية، وتخفيف العبء عن الخزينة.
كذلك، من الضروري توسيع القاعدة الضريبية من خلال مكافحة التهرب الضريبي وتحسين كفاءة التحصيل، دون اللجوء إلى رفع النسب الحالية، فالفجوة بين ما يُجبى فعليًا وما يُفترض تحصيله تكلّف الدولة مئات الملايين سنويًا.
أخيرا، لا تكمن المشكلة في حجم الضرائب، بل في ضعف كفاءة إدارتها وتوظيفها، وفي غياب الرؤية التنموية الشاملة، والمطلوب هو تنويع مصادر الدخل، وإعادة هيكلة النفقات، وتفعيل أدوات التمويل البديلة كالشراكات، والزكاة، والوقف، وتعزيز التصدير، بما يضمن تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق التنمية، وبما يعيد ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.