اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
(حقد امرأة)
إدارة التحريات
رفعت النقيب منى يدها تطلب الإذن بالكلام، فأذن لها العميد. قالت بعد أن أخذت نفساً عميقاً:
«سيدي العميد، هذه القضية من أغرب القضايا التي مرّت عليّ في عملي. لم أتعامل من قبل مع قضية تجعل أشخاصاً لا يجمعهم رابط واضح يتحدّون — بشكل أو بآخر — لإيذاء إنسان واحد. هذا الأمر لم يقتصر على الأذية الجسدية فقط، بل تعدّاه إلى أذى نفسي عميق. أريد دقائق لأوضّح كيف تدرّجت الوقائع حتى وصلت بنا القضية إلى ما نحن عليه الآن.»
ابتسم العميد باهتمام وأشارت منى إلى ملف أمامها ثم تابعت:
«أولاً: الجثة وُضعت في طريقي، كأن القاتل أراد أن أكتشفها — وهذا بالفعل ما حدث. لكن السيدة صالحة أو (ليلى عزالدين، الاسم القديم قبل أن تحصل على الجنسية العمانية) لم تكن مطروحة في حسابي أبداً. بدا كل شيء كفخ، لكن حدسي الشرطي قال لي منذ البداية: الدكتورة هدى قد تكون هي القاتلة.» توقفت قليلاً ثم أضافت بحزم: «دافع الدكتورة هدى أقوى وأعمق، لكن والدتها — التي لا رابط لها واضح مع الضحية — ساهمت بطريقة أو بأخرى في مقتله، وهذا غير منطقي بالمرة.»
ثم رفعت صوتها قليلاً وكأنها تتحدى غياب المنطق: «حينما علمت أن عبدالعزيز أرسل رسالة إلى أم خطيبته تقول فيها إنه لا يريد ابنتها — وقيل إن الرسالة احتوت على وقاحة وقلة تهذيب — تساءلت: هل هناك رجل يكتب رسالة مماثلة إلى أم خطيبته قبل الزفاف بيوم واحد؟ أين كنتَ خلال الأيام الماضية؟ هل كنت نائماً مع أصحاب الكهف؟! هذا النوع من الرسائل يشير إلى احتقار متعمد وإهانة أمام العائلة — وهذا دافع قوي جداً للثأر.»
نظرت إلى الحاضرين وأضافت: «السيدة صالحة صيدلانية — هذا جعلني أشكّ فيها، ولكن السؤال الذي بقي: إذا كان عبدالعزيز يعرفها حقّ المعرفة، فهل سيسمح لها بسهولة أن تغرز الإبرة في وريده ويقول لها قبل أن يموت: «شكراً»؟ لا، ليس منطقياً. إذن ليست صالحة هي القاتلة الوحيدة، لكنها مشتركة بطريقة أو بأخرى. وهذا ما سنعرفه عندما نستدعيها.»
قال العميد حمد: «أحسنت، نقيب منى. نعم، مشتركة — وسنبيّن ذلك لاحقاً.» ثم رفعت النقيب رحمة يدها بطلب الكلام، وبعد أخذ الإذن قالت:
«سيدي، حقّقت مع الدكتورة فائزة. وقد أعطتني كثيراً من الأجوبة بعد انهيارها، فحين تركناها تنهار ثم ضغطنا عليها جاءت الحقيقة بعفوية. فائزة زوجة عبدالعزيز الثانية، وزواجها كان زواج مصالح بحتة. هي صديقة نعمة — والدها يدير البنك الذي كان يملكه والد نعمة قبل أن يتولّى عبدالعزيز إدارة البنك خلفاً لعمه.» توقفت للحظة كأنها تعيد ترتيب مشهد تاريخي معقّد، ثم تابعت: «هذه قصة طويلة، لكن جوهرها أنه عقب تولّي عبدالعزيز إدارة البنك، اختفى والد نعمة ووجّهت إليه تهمة اختلاس أموال المودعين — ثم اعتُقل. بعد شهرين توفي والد الدكتورة فائزة، وتولّت فائزة إدارة البنك خلفاً له رغم أنها دكتورة تخدير لا خبرة لها في الصيرفة.»
أخرجت رحمة تقريراً وقدّمته إلى العميد وهي تقول: «عبدالعزيز أقنعها أنه سيتولّى شؤونها المالية كلياً — وفعلاً عمل لها غسيل مخ. فائزة ذات شخصية ضعيفة صدقته، وشعرت بالنقص أمامه فصار طاعةً وأمراً من طرف واحد. لكن حين قرر الزواج من منال، ثارت الأنثى في داخلها ونظرت إلى ما قدّمته لهذا الرجل بكل مرارة.»
حدّثت العميد بنبرة تسودها المرارة: «المفاجأة أن العامل شفيق عرب أخبرها فيما بعد أن عبدالعزيز هو من تلاعب في توكيلات والدها — هو من استولى على توكيلات كانت قد منحتها لوالدها ليتصرف في أمورها. والدها، المصرفي العجوز، سجّل أسهماً باسمه ثم مات بسكتة قلبية — وبهذا أصبح عبدالعزيز، بواسطة ذلك التوكيل، مالكاً فعلياً للبنك. الفضل؟ يعود جزئياً إلى فائزة وقلة خبرتها.»
تنهدت رحمة وكأنها تحاول أن تجعل كلماتها أكثر رصانة: «هنا قررت فائزة أن تنتقم. اتفقت مع شفيق عرب على قتل عبدالعزيز ليلة زفافه. أجلّت رحلتها إلى دبي ساعتين وذهبت إلى الفيلا في التاسعة لتتأكد من مقتله وتضع الورقة الممزقة التي كتبتها بخط يدها. لكنها لم تكن الوحيدة التي فكرت في الانتقام؛ هناك من سبقها — وحقده كان أعظم، فقتل عبدالعزيز ببرودٍ شديد وبهدوء كامل.»
رفعت ملفها وأغلقت كلامها: «هذا ما لدي، سيدي العميد، والتقرير بين يديك.»
تبادل الحاضرون النظرات؛ في أجواء المشهد بدا أن الخيوط تتداخل أكثر فأكثر — وكلما انكشفت طبقة زاد تعقيدها تحتها.
يتبع.












































