اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٦ كانون الأول ٢٠٢٥
: تركيا وحدود القوة… من حلم العثمانية إلى واقع الجغرافيا
زياد فرحان المجالي
شهدت تركيا خلال العقدين الماضيين واحدًا من أكبر التحولات السياسية في تاريخ جمهوريتها الحديثة. فبعد سنوات من الدور الإقليمي المحدود، اتجهت أنقرة إلى بناء نفوذ واسع يمتد من البحر الأسود إلى شرق المتوسط ومن شمال سوريا إلى القرن الأفريقي. هذا التمدد لم يكن مجرد مشروع سياسي، بل عقيدة كاملة تبناها حزب العدالة والتنمية، تقوم على فكرة 'تركيا القوية” القادرة على إعادة رسم محيطها الاستراتيجي كفاعل مركزي.
لكن هذا المشروع اصطدم بجدار الحقائق الجيوسياسية؛ إذ إن القوة التي تمتلكها تركيا، وإن كانت كبيرة مقارنة بمحيطها الإقليمي، إلا أنها ليست كافية لتغيير ميزان القوى الدولي أو لتجاوز القيود الجغرافية والسياسية التي تحكم موقعها. فتركيا تقع على خط تماس بين أربع دوائر نفوذ كبرى: روسيا في الشمال، أوروبا في الغرب، الشرق الأوسط في الجنوب، والقوقاز وآسيا الوسطى في الشرق. وهذا التداخل يجعل أي تمدد تركي محفوفًا بالتعقيدات.
لقد ساهمت الحرب في سوريا في رفع سقف الطموحات التركية، لكنّها في الوقت ذاته كشفت حدود هذه الطموحات. فالتدخل العسكري التركي لم ينجح في فرض سيناريو سياسي يضمن لتركيا السيطرة على مستقبل سوريا، كما أن التدخل الروسي قلب المعادلات وجعل أي توسع تركي مرهونًا بحدود تفاهماتها مع موسكو. وفي العراق، ورغم الحضور العسكري التركي في بعشيقة وفي مناطق الحدود، إلا أن العراق ما زال ساحة معقّدة تتشابك فيها النفوذ الإيراني والأميركي والداخلي، ما يجعل هامش المناورة التركية محدودًا.
أما في شرق المتوسط، فقد وجدت تركيا نفسها في مواجهة جبهة واسعة تضم اليونان وقبرص ومصر بدعم أوروبي، وهو ما عرقل مشاريعها في الطاقة. ورغم الاتفاقيات التي أبرمتها أنقرة مع ليبيا، إلا أنها لم تستطع تغيير قواعد اللعبة بشكل كامل.
ومع ذلك، فإن تركيا ليست دولة في طور التراجع؛ بل دولة تعيد حساباتها. فهي اليوم تدرك أن القوة الذكية –التي تجمع بين الاقتصاد، والدبلوماسية، والتحالفات المتوازنة– أصبحت أهم من مجرد الحضور العسكري. وهذا ما يظهر في سياسات أنقرة الجديدة: التقارب مع مصر، إعادة ترتيب العلاقات مع الخليج، الانفتاح على سوريا ربما لاحقًا، وتخفيف التوتر مع أوروبا. هذه ليست تنازلات، بل إعادة تموضع في عالم يتغير.
تركيا قوة صاعدة، لكنها ٩قوة تتعلم كل يوم أن الصعود الحقيقي لا يقوم على الاصطدام بالجغرافيا بل على قراءة معادلاتها جيدًا.












































