اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٠ تموز ٢٠٢٥
رم - د. هيثم علي حجازي
يشهد قطاع التعليم العالي في السنوات الأخيرة تحوّلا نوعيا نتيجة التطورات المتسارعة في تقنيات الذكاء الصنعي (AI) والتي بدأت تؤثر بعمق في أساليب التدريس، وإدارة المؤسسات الجامعية، والأهم من ذلك: البحث العلمي. وبينما يُعد الذكاء الصنعي فرصة لإعادة تعريف حدود المعرفة وتسريع عمليات الاكتشاف، تبرز في المقابل تحديات أخلاقية وقانونية تتطلب وعيا مؤسساتيا وتنظيما دقيقا يضمن الاستخدام المسؤول والمنضبط لهذه التقنيات. ولقد ساهم الذكاء الصنعي في تطوير أدوات ومنهجيات البحث العلمي، خصوصا في البيئات الجامعية، من خلال:
تحليل البيانات الضخمة (Big Data) بسرعة وكفاءة عالية، وهو أمر بالغ الأهمية في أبحاث الطب، والعلوم الاجتماعية، والاقتصاد.
توليد فرضيات علمية جديدة عبر خوارزميات التعلم الآلي (Machine Learning) كما في أبحاث الجينوميات والتغير المناخي.
تحسين الكتابة والتحرير الأكاديمي باستخدام أدوات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) مما يساعد الباحثين على صقل النصوص وتحسين الصياغة.
الكشف عن الأنماط والارتباطات الخفية في قواعد البيانات المعقدة، ما يسهم في تعزيز دقة التفسير العلمي وتوسيع آفاق الفهم النظري.
وقد أشار تقرير اليونسكو (2021) إلى أن الذكاء الصنعي 'يمكن أن يسهم في تعزيز جودة وفاعلية البحوث، بشرط أن يُستخدم ضمن إطار أخلاقي منظم وواضح'.
التحديات الأخلاقية: أين تقف حدود الاستخدام؟
رغم الفوائد الكبيرة التي أوجدها الذكاء الصنعي، فإنه لا يمكن تجاهل التحديات الأخلاقية التي تزداد مع ازدياد الاعتماد على أدوات الذكاء الصنعي في البحث العلمي. ومن أبرز هذه التحديات:
1.غياب الإفصاح، إذ يجب على الباحث أن يوضح بجلاء ما إذا كان استخدامه للذكاء الصنعي تقنيا بحتا (مثل تحليل البيانات) أم فكريا (مثل صياغة النتائج أو كتابة المحتوى).
2.تحيز الخوارزميات: فعلى الباحث التحقق من عدالة النتائج، خاصة في الدراسات التي تشمل فئات بشرية أو ثقافية متنوعة، نظرا لإمكانية تسرّب تحيزات غير مقصودة ضمن البيانات أو الخوارزميات.
3.تراجع المهارات الأكاديمية: إن الإفراط في استخدام أدوات الذكاء الصنعي قد يؤدي إلى إضعاف مهارات التفكير النقدي والتحليل وكتابة الحجج العلمية لدى طلبة الدراسات العليا.
4.غياب السياسات المؤسسية، إذ لا تزال غالبية الجامعات تفتقر إلى أنظمة واضحة تنظم استخدام الذكاء الصنعي في التدريس أو إعداد الأبحاث، مما يفتح المجال أمام تجاوزات أكاديمية غير مقصودة.
مسؤولية مؤسسات التعليم العالي
لمواجهة هذه التحديات، يقع على عاتق الجامعات ومؤسسات التعليم العالي دور محوري في صياغة إطار تنظيمي وأخلاقي لاستخدام الذكاء الصنعي، يشمل:
وضع سياسات واضحة تنظم الاستخدام، لا سيما في إعداد مشاريع التخرج، رسائل الماجستير، وأطروحات الدكتوراه، وكذلك بحوث أعضاء الهيئات التدريسية.
تضمين مقررات الذكاء الصنعي والأخلاقيات ضمن مناهج طلاب الدراسات العليا.
تأسيس لجان أو وحدات رقابية مستقلة لمراجعة الأبحاث التي تعتمد على أدوات الذكاء الصنعي، والتأكد من التزامها بالمعايير الأخلاقية.
التحفيز على الإفصاح الكامل والشفافية من قبل الباحثين عند استخدام أي أداة مدعومة بالذكاء الصنعي، بما يحفظ النزاهة والموثوقية العلمية.
لا شك في أن الذكاء الصنعي يمثل فرصة استثنائية لتعزيز جودة البحث العلمي وتوسيع آفاقه داخل مؤسسات التعليم العالي. ومع ذلك، فإن هذه الفرصة تظل محفوفة بالمخاطر إذا لم تكن ضمن أطر أخلاقية وتشريعات تنظم وتحكم الاستخدام لأن التكنولوجيا بحد ذاتها لا تتضمن أي مبادئ اخلاقية، ولكن الأخلاق هي التي تحدد كيفية استخدام هذه التكنولوجيا.
إن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في استخدام الذكاء الصنعي، بل في دمجه بشكل يحافظ على جوهر البحث العلمي، ويرسّخ قيمه الأصيلة: النزاهة، الابتكار، وخدمة الإنسانية.