اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة رم للأنباء
نشر بتاريخ: ١ كانون الأول ٢٠٢٥
رم - أ.د. علي النحلة حياصات
لم يعد المال وسيلةً في مجتمعنا، بل صار عقيدةً جديدة يتعبدها الشباب بلا وعي. جيل كامل فقد المظلة الفكرية والعائلية، وأصبح يطارد الثمن بدل القيمة، والنجاة الفردية بدل المعنى الجمعي.
فحين نسمع أن شبانًا من الأردن والعراق يقاتلون في الحرب الروسية الأوكرانية، ندرك أن الكارثة لم تعد اقتصادية فحسب، بل فكرية وإنسانية في جوهرها. هؤلاء لا يقاتلون عن فكرة، ولا دفاعًا عن قضية، بل لأن المال صار الفكرة الوحيدة الباقية في زمنٍ انهارت فيه كل المرجعيات.
كيف وصلنا الى هنا ؟ الجواب مر!!! لقد تآكلت المنظومة التي كانت تحمي الوعي الجمعي العربي والاردني، الدين تحوّل إلى طقوس بلا روح، والعائلة انشغلت بالنجاة من أعباء المعيشة، والجامعة صارت مؤسسة لتخريج العاطلين عن العمل، والدولة غابت عن صياغة مشروع وطني جامع.وسط هذا الفراغ، لم يجد الشاب ما يملأ روحه سوى وهم ”الفرصة والدولار“.
في العقود الماضية، كان الشاب الأردني يحمل حلمًا (ولو مؤدلجًا) عن معنى البطولة والانتماء، سواء في ظل خطاب ديني أو قومي او يساري. أمّا اليوم، فقد تبخر الحلم، جيل كامل فقد المظلة الفكرية والعائلية” ثم “وسط هذا الفراغ، لم يجد الشاب ما يملأ روحه.جيل اليوم لا يبحث عن فكر ايدلوجي، بل عن عقد عمل . لا عن فكرة تحرّره، بل عن نافذة للهروب. ولم يعد يرى في وطنه سوى محطة انتظار لمغادرتة في اقرب فرصة متاحه.
النتيجة أن المجتمع نفسه فقد توازنه. القيم التي كانت تُبنى حولها الحياة كالكرم، والعدل، والنخوة صارت مجرد شعارات تُقال في المناسبات والخطابات. أما القيم التي تبني الإنسان كالفكر، والإبداع، والنقد، والحرية، اختفت من المشهد تمامًا.نحن أمام جيل ضائع لا لأنه فاسد، بل لأننا تركناه بلا معنى. جيل لم يجد في وطنه منارة فكرية واحدة تضيء له الطريق، ولا نموذجًا صادقًا يُقتدي به. يرى الفساد يعلو، والصدق يُكافأ بالتهميش، فينتهي به الأمر إلى البحث عن قيمة نفسه، في ساحات الآخرين، ولو على حساب حياته.لقد نجحنا في إنتاج شباب يعرف كم تساوي ”حياته بالدولار“، لكنه لا يعرف كم تساوي كرامته في وطنه.
تلك هي مأساة الأردن اليوم، المال صار المرجعية العليا، بعد أن ماتت الفكرة، واغترب الوعي، وتحوّل الحلم إلى وظيفة خارج الحدود.لن ينهض هذا البلد ما لم نتجاوز وهم ( المال) ونستعيد فكرة (الرسالة) التي تأسست عليها الدولة الاردنية الحديثة، فحين يصبح المال غايةً بحد ذاته، يفقد العمل معناه، والوطن روحه.
إن خطرنا الحقيقي ليس في الفقر، بل في أن نفقد الإيمان بالقيمة التي تجعل البقاء في هذا الوطن أمرًا يستحق. فالأوطان لا تُهزم بالقوة، بل حين يُسحب منها المعنى الذي كان يسندها ويمنح أبناءها سببًا للحلم.












































