اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
الأحداث المتسارعة في السويداء ليست وليدة الحاضر بقدر ارتباطها بالصهيونية الجديدة وفق رؤية جابوتنسكي التوسعية في إطار 'إسرائيل الكبرى' من خلال استخدام استراتيجية 'الجدار الحديدي' لفرض الأمر الواقع بالقوة، ومن هذا المكون الفكري العنصري قام السكرتير الشخصي لجابوتنسكي، نتنياهو الأب، بتوريث ابنه بنيامبن هذا الفكر الصهيوني التجديدي والأشد تطرفاً.
إنه نتنياهو الابن الذي يقف وراء سلسلة من الحروب المتصلة بطوفان الأقصى؛ من باب تعويض النقص الذي نجم عن فشله في حرب الإبادة ضد غزة بسبب صمود المقاومة التي استنزفت قوات الاحتلال باقتدار مشهود، فاستغل الحاجة إلى ترقيع نصره المزعوم بالأضاليل، ليلتجئ إلى فتح أبواب مشروع الشرق الأوسط الجديد كنسخة معدلة عن 'إسرائيل الكبرى'وفق رؤية تتفق مع طموحات المقامر الأشقر الميكافللي، ترامب الذي بوسعه لو أتيح له تدمير كل شيء بالحديد والنار لأجل تحقيق أية صفقة تحت شعار 'أمريكا أولاً ومن بعدي الطوفان.
لذلك ما زال نتنياهو يحاول ضم غزة-يائساً- إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي التوسعي، إلى جانب سعيه الدؤوب لالتهام الضفة الغربية بعد أن وُئِدَتْ اتفاقية أوسلو توطئة لتفتيت الضفة إلى إمارات غير مترابطة لوجستياً، أعقبها ضرب حزب الله والضغط على الدولة اللبنانية ومن ثم سحب سلاحه لتهيئة الظروف الجيوسياسية في سوريا ولبنان؛ لبناء مشروع نتنياهو الطموح بتفعيل الاتفاقيات الإبراهيمية على انقاض التركيبة الفلسيفسائية للبلدين اللذين يعربد في تفاصيلهما الشيطان.
ولسنا هنا بصدد فحص النوايا بل لاستجلاء الحقيقة من خلال ما يرشح من تصريحات اختبارية تصدر من الأطراف المتورطة في الأزمة السورية العصية على الحل، من خلال الدور الإسرائيلي المكشوف في تدمير سوريا مرحلياً وتحويلها إلى دولة فاشلة؛ ليسهل التحكمة بأجزائها الفسيفسائية المنقلبة على بعضها.
وعليه فلا بد من تفسير الدور الإسرائيلي في أحداث السويداء وفهم ردة فعل حكومة الشرع التي تلقت ضربة إسرائيلية موجعة الأربعاء الماضي، استهدفت وزارة الدفاع وهيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة دمشق مما أسفر عن قتلى وجرحى، وذلك بذريعة الدفاع عن الدروز، لنكتشف بأن نتنياهو يسعى لبناء دولة درزية تمتلك قرارها المستقل لتذهب باتجاه طلب النجدة من 'إسرائيل' في إطار سياسة الاستحواذ غير المباشر.. وحتى يتحقق الأمر، لا بد من وجود منطقة عازلة تهيئ لذلك.
من هنا قال نتنياهو: إن تل أبيب وضعت 'سياسة واضحة بشأن سوريا' تقضي بأن تبقى المنطقة الممتدة من الجولان إلى جبل الدروز منزوعة السلاح.
وربما يفسر ذلك انسحاب عناصر الجيش السوري من مدينة السويداء.. بعد التوصل إلى اتفاق ينص على إيقاف تام لجميع العمليات العسكرية في المدينة من جميع الأطراف، و'اندماج كامل' للسويداء ضمن الدولة السورية وتشكيل قوات أمن محلية مشتركة مع قوات الأمن السورية تابعة لوزارة الداخلية. وهو ما قاله ضمنياً شيخ عقل طائفة الدروز يوسف جربوع المعروف بعلاقته بالاحتلال الإسرائيلي، حيث أكد على سوريّة السويداء.
فهل هي خطوة سوريّة باتجاه منح الدروز حكم ذاتي يرتبط بسوريا! أم هو ناجم عمّا قيل بأنه توافق سوري إسرائيلي تجلى بفتح الرئيس السوري أحمد الشرع خطوط اتصال مباشرة مع 'إسرائيل' للتنسيق الأمني والعسكري في جنوب سوريا.
فلانسحاب بعد إعلان النصر رغم أنه جاء تحت عنوان حقن الدماء السورية؛ إنما يعني منطقياً أمرين:
أولاً:- الشروع بمنح الدروز حكماً ذاتياً قابل للتطوير.
ثانياً:- الاستجابة للضغوطات الإسرائيلية بالإبقاء على المناطق التي تحتلها 'إسرائيل' في سوريا -بعد الاتفاق الإبراهيمي المنتظر- منزوعة السلاح.
وبحسب تقرير نشره موقع i24NEWS العبري يوم الخميس الماضي
تحدث عن سيناريوهين مقبولين للتوصل إلى تسوية سياسية (إبراهيمية) بين سوريا و'إسرائيل':
ولنبدأ بالأول حيث تحتفظ 'إسرائيل' بثلث أراضي الجولان الاستراتيجية، فيما يُسَلّم الثلث الثاني للسوريين، أما الثلث الأخير فتقوم'إسرائيل' باستئجاره لمدة خمسة وعشرين عاماً، بحسب التقرير.
أما الثاني: فتحتفظ 'إسرائيل' بثلثي مرتفعات الجولان، وتسلم الثلث المتبقي إلى سوريا، مع إمكانية استئجاره.
والأخطر فيما تضمنه السيناريو الثاني، هو ضم مدينة طرابلس اللبنانية (السنية)، المتاخمة للحدود اللبنانية مع سورية، وربما أراضٍ لبنانية أخرى في شمال البلاد ووادي البقاع ذات المكون السني الأكبر، إلى سوريا، وفق موقع i24NEWS الإسرائيلي. وكأن إرادة الإسرائيليين والأمريكيين تتجاوز القدر.
واختتم التقرير قوله في إن رفع العقوبات الأميركية لا يمكن اعتباره 'دفعة إسرائيلية' مقابل قبول سوريا ضمن الاتفاقية الإبراهيمية، لأن 'رفع العقوبات مسألة منفصلة'.
أي ربما يكون هذا الرفع مرتبطاً بسلسلة من الاتفاقيات ذات العلاقة باتفاقية أبراهام والموقف الأمريكي المراوغ.. فما دام الهدف السوري وقع في المصيدة مطأطئاً رأسَهُ فعليه تلقي الصفعات والخضوع لمبدأ التنازل مقابل كل قضمة جزر. (التقرير تم نفيه من قبل النائب السوري أشرف ريفي، في بيان شخصي غير رسمي).
والمعروف أن ترامب يؤيد مشروع الشرق الأوسط الجديد.. وهذا يعيدنا إلى خرائط المفكر الصهيوني البريطاني برناند لويس التي تُفَتِّتِ المجزأ على أسس طائفية وجهوية، وقد حظيت بتأييد الأغلبية عام 1983 (لم تلفت انتباه الرئيس ريغان آنذاك). لا بل وتتوافق مع الرؤية التوسعية لنتنياهو من خلال التحرر من الحدود التي فرضتها معاهدة سايكس بيكو، والتي تجاهلت انطلاق الكائن الطفيلي الإسرائيلي الذي ولد من خاصرة الانتداب البريطاني بموجب وعد بلفور حيث منحه من لا يملك لمن لا يستحق.
وفي الوقت الراهن، في عالم تعددت فيه المكاييل، فإن الكائن الطفيلي الإسرائيلي قد تحول إلى وحش يأنف الحدود، ويسعى لالتهام المزيد.. فجاء من يحرره من تبعات ذلك.. إنه ترامب الذي يعبر عن الميكافللية في أسوأ صورها، مؤيداً حربِ إلإبادة الإسرائيلية على غزة، وتخريبِ سوريا ما دام ذلك سيحقق له النجاح في مشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على الاتفاقيات الإبراهيمية.
مؤخراً قال السفير الأمريكي في تركيا ومبعوث إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب إلى سوريا، توم باراك مخاطباً السوريين:
'ضعوا الماضي جانباً، دعونا لا نتحدث عن اتفاقية الهدنة أو العام 1967 أو الخط الأزرق أو الخط الأحمر أو الخط الأخضر، حيث انتهاك جميع الاتفاقيات، حددوا ما تريدون القيام به وسنساعدكم للوصول إليه وضعوا كل هذا جانبا'
أي أن موضوع السيناريو الثاني الذي ذكره التقرير الإسرائيلي جاء منسجماً مع فكرة الحدود المتحركة من خلال الاستجابة لطاقة التغيير الطائفي بضم طرابلس لبنان السنية إلى سوريا، وإقامة دولة شيعية في الجنوب اللبناني وأخرى مسيحية موحدة (أو كيانيين: كاثوليكي، وماروني، مستقليين).. ودرزية في القنيطرة وجبل العرب وجبل لبنان.. وقد بُدِئَ-كما يبدو- بتنفيذ المشروع في السويداء.
فهل الظروف باتت مهيأة من حيث البنية الطائفية الدرزية أو تاريخ الطائفة القومي الحافل بالبطولات للسقوط في وحل المشروع الطائفي الدرزي برعاية إسرائيلية!
وهل حقاً بأن انسحاب الجيش السوريمن السويداء بموجب اتفاق مع القيادة الدرزية ما هو إلا مقدمة لقيام حكم ذاتي درزي توطئة لكيان مستقل وفق رؤية نتنياهو؟
في الحقيقة أنه لو أقمنا رهاننا على تاريخ الطائفة المجيد وارتباطها بالفكر القومي العربي فالأمور مطمئنة.
إذْ إن الثورة السورية الكبرى كانت بقيادة درزية، حيث انطلقت ضد الاستعمار الفرنسي في 21 تموز عام 1925 وانضم تحت لوائها عدد من المجاهدين من مختلف مناطق بلاد الشام تحت قيادة الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش.
أضف إلى ذلك ارتباط الدروز بالفكر القومي الذي تمركزت حوله تجربة الزعيم اللبناني الدرزي كمال جنبلاط مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تاسس عقب نكبة فلسطين في مايو 1949.. وتحالف مع الفلسطينيين في الحرب الأهلية اللبنانية وفي التصدي للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982.
لذلك فإن وريث الكمالية الزعيم وليد جنبلاط لا يرى الحل إلا من بوابة وحدة سوريا حتى لو كانت من خلال نظام الشرع.
أما التوجه الدرزي المشبوه فيتمثل بمواصلة رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب التحريض الطائفي ضد سوريا موحياً بأن الدروز في السويداء في أزمة وجودية ويحتاجون إلى منقذ. فمن تراه يكون؟.
اليوم وبعد ان نجحت قوات الشرع في 'تطهير' سوريا من الميليشيات المدعومة من الشيخ الدرزي حكمت الهجري ومن ثم الانسحاب منها لأسباب غامضة، عاد وهاب الى النغمة نفسها لكن هذه المرة من باب تنظيم مقاومة مستقلة أطلقها إعلامياً عبر منصة 'أكس' بعد التشاور مع أبناء الطائفة.
فهل هو إعلان حرب أهلية للخروج بكيان درزي مستقل موالٍ ل'إسرائيل' مقابل حماية حدودها في المنطقة العازلة من الجولان!؟
وبقي على الشرع أن يتعلم الدرس جيداً.. فمن يطأطئ الرأس سيتعرض للصفعات وهذا هو ديدن نتنياهو في العلاقات البينية ومع خصومه السياسيين في الداخل.
لذك يمكن للشرع التعلم من تجربة جنوب لبنان بتشكيل مقاومة محلية تؤازر الجيش السوري الذي يتعرض لضربات متعاقبة كي لا تقوم له قائمة.
والهدف منها تكبيد جيش الاحتلال خسائر طائلة تجبره على الانسحاب فيدخل مع سوريا في توازنات ضمن قواعد اشتباك ممكنة، كما حدث في لبنان عام 1983من قبل المقاومة الشعبية اللبنانية بقيادة حزب الله حينما أطلقت الحرائر الزغاريت خلف أرتال جيش الاحتلال المتقهقر من الجنوب اللبناني بفعل ضربات المقاومة الماحقة.. فالكرامة والشرف لا يخضعان للمساومة وفي حرب الإرادات النصر لصاحب الحقوق المشروعة.