اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
في الوقت الذي يواصل فيه ملف الهيئات المستقلة إثارة الجدل في الأوساط الاقتصادية والسياسية، يتجدد النقاش حول حجم العبء المالي الذي تفرضه هذه الهيئات على الموازنة العامة، في ظل مؤشرات رسمية تُظهر أن عجزها يقفز إلى ما نسبته 47% من إجمالي نفقاتها، مقابل 18% فقط في الموازنة العامة للدولة.
وبينما يرى البعض أن هذه الهيئات تمثل استنزافًا ماليًا يثقل كاهل الخزينة، يؤكد آخرون أن عدداً منها يحقق إيرادات مهمة تسهم في دعم الموارد العامة، الأمر الذي يجعل من التعميم على جميع الهيئات «ظلماً غير دقيق» بحق الهيئات ذات الطابع الإنتاجي أو التنظيمي.
وبحسب البيانات الرسمية، يبلغ إجمالي النفقات المقدّرة في موازنة العام الحالي نحو 12.49 مليار دينار، بعجز يصل إلى 2.58 مليار دينار، أي ما نسبته 18% من الإنفاق العام. في المقابل، تُقدّر نفقات الوحدات الحكومية المستقلة بـ 1.799 مليار دينار، مقابل عجز مقدّر يبلغ 850 مليون دينار، بنسبة تقارب 47% من إجمالي النفقات.
مراجعة مؤسسية لا إلغاء شامل
يرى خبراء أن الحل لا يكمن في إلغاء الهيئات المستقلة بشكل مطلق، ولا في الإبقاء عليها دون تقييم، بل في إجراء مراجعة مؤسسية شاملة تقوم على دراسات موضوعية تقيس الأداء والكلفة والعائد الاقتصادي والاجتماعي لكل هيئة على حدة، بما يضمن إنفاقاً عاماً أكثر كفاءة واستدامة مالية أفضل.
ويشير اقتصاديون إلى أن إعادة هيكلة هذه الهيئات، ودمج بعضها بالوزارات المعنية، يمكن أن يحقق وفورات مالية تتجاوز 60 مليون دينار سنويًا، دون المساس بالخدمات الحيوية التي تقدمها الدولة للمواطنين.
22 هيئة فقط بعد ترشيق الجهاز الحكومي
وبحسب الأرقام الرسمية، يبلغ عدد الوحدات الحكومية المستقلة في الأردن حاليًا 22 هيئة ووحدة، بعد أن تم تقليص عددها تدريجيًا من 57 هيئة في عام 2018، ضمن خطط الحكومة لترشيق الجهاز الإداري وتحسين كفاءة الإنفاق العام وتجنب الترهل المالي والإداري.
وتُقدّر موازنة العام الحالي نفقات الوحدات الحكومية بـ 1.799 مليار دينار، منها 1.188 مليار نفقات جارية و611 مليونًا نفقات رأسمالية، بينما تبلغ الإيرادات المتوقعة نحو 1.011 مليار دينار، ما يعني أن العجز قبل التمويل يصل إلى 850 مليون دينار.
منصور: أسباب إنشاء الهيئات انتهت وظيفيًا
من جهته، يرى وزير الدولة لشؤون الاقتصاد يوسف منصور أن كثيراً من الأسباب التي دعت لإنشاء الهيئات المستقلة في السابق لم تعد قائمة اليوم، موضحًا أن معظمها أُنشئ لتنظيم المنافسة في وقت لم يكن هناك قانون منافسة نافذ.
وبيّن منصور أن بعض هذه الهيئات أصبحت تشكل عبئًا ماليًا مستمرًا على الموازنة العامة، داعيًا إلى دراسة كل وحدة من حيث كلفتها وأدائها وأسباب استمرارها، وإلحاق ما يمكن منها بالوزارات المختصة، مشيرًا إلى أن تقليص عددها قد يوفر للخزينة نحو 60 مليون دينار سنويًا.
مدادحة: التعميم غير منصف والعديد من الهيئات تحقق إيرادات
في المقابل، يرى وزير الدولة السابق لتطوير القطاع العام ماهر مدادحة أن الهيئات المستقلة ليست كلها عبئًا على الموازنة، مؤكدًا أن العديد منها يرفد الخزينة بإيرادات مباشرة من خلال الرسوم والخدمات التي تقدمها.
وقال مدادحة إن المشكلة تكمن في الخلط بين الهيئات الرقابية وغير الرقابية، فالأولى تنظم عمل قطاعات حيوية وتحقق التوازن بين الدولة والمواطنين، بينما الثانية – مثل سلطة المياه – تقدم خدمات أساسية وتتحمل أعباء مالية كبيرة نتيجة الدعم الحكومي لتجنب رفع الأسعار على المواطنين.
عوض: الحل في الكفاءة لا في الإلغاء
من جانبه، أكد رئيس مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض أن الجدل حول جدوى بقاء الهيئات المستقلة يجب أن يُحسم عبر دراسات علمية دقيقة، وليس عبر قرارات انفعالية أو سياسية.
وقال عوض إن المشكلة الجوهرية ليست في وجود الهيئات، بل في كفاءة الإنفاق العام ومدى قدرة الدولة على توجيه الموارد نحو أولويات تنموية حقيقية، محذرًا من أن استمرار العجز المالي دون إصلاحات هيكلية سيزيد من الضغوط على المالية العامة والدين العام.
وأضاف: «الإصلاح المؤسسي المبني على التقييم لا الانطباع، هو الطريق نحو إنفاق عام أكثر كفاءة وإدارة مالية أكثر استدامة، بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني والمجتمع».
ويأتي الجدل الدائر حول ملف الهيئات المستقلة في سياق أوسع من جهود الإصلاح الإداري التي تتبناها الحكومة ضمن رؤية التحديث الاقتصادي والإدارة العامة، والتي تهدف إلى بناء جهاز حكومي أكثر كفاءة ومرونة واستدامة مالية.
فإعادة تقييم الهيئات المستقلة لا يُنظر إليها كإجراء تقشفي فحسب، بل كخطوة لتحسين إدارة المال العام وتعزيز كفاءة الأداء المؤسسي وضمان أن تكون كل وحدة حكومية ذات أثر حقيقي في خدمة المواطن والاقتصاد.
ويرى مراقبون أن نجاح هذا المسار يتطلب توازناً بين خفض النفقات وتعزيز الإنتاجية وجودة الخدمات العامة، لتبقى الهيئات التي تقدم قيمة مضافة وتُدمج أو تُلغى تلك التي لم يعد لها مبرر وجود، في إطار إصلاح مؤسسي متدرج ينسجم مع رؤية الأردن 2033.












































