قضاة دوليين على قائمة العقوبات مع الإرهابيين – ما هي جريمتهم؟
klyoum.com
أخر اخبار العراق:
مليون موظف ومتقاعد بلا رواتب!.. خبير اقتصادي يوجه انتقادا لاذعاأُدرج ثلاثة قضاة من المحكمة الجنائية الدولية على قائمة العقوبات مع الإرهابيين بعد موافقتهم على مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي. أوين جونز – The Guardian
يعاني قاض فرنسي يدعى نيكولا غيو من عراقيل كثيرة في حياته؛ فمثلا لا يستطيع التسوق عبر الإنترنت، وعندما استخدم موقع إكسبيديا لحجز فندق في بلده، أُلغي الحجز في غضون ساعات. وسبب هذه المعاناة أنه "مدرج على القائمة السوداء لمعظم الأنظمة المصرفية العالمية"، وهو غير قادر على استخدام معظم البطاقات المصرفية.
لقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على غيو، ووضعته على قائمة تضم 15 ألف اسم إلى جانب إرهابيي القاعدة وعصابات المخدرات لأنه إلى جانب قاضيين آخرين من الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية، وافق على أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، ومحمد ضيف، القائد السابق للجناح العسكري لحركة حماس.
وزعمت الولايات المتحدة عند فرض العقوبات في يونيو أن غيو وزملائه "شاركوا بنشاط في أعمال المحكمة الجنائية الدولية غير المشروعة والتي لا أساس لها والتي تستهدف أمريكا أو حليفنا الوثيق، إسرائيل". والآن أصبح جميع هؤلاء القضاة ممنوعين من دخول الولايات المتحدة - ولكن هذه هي أقل العواقب.
إن الأساس المنطقي واضح كالشمس. فسيادة القانون لا تنطبق على القوة المهيمنة عالميًا أو أقرب حلفائها. وقد عبّر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام عن ذلك بوضوح، حين أخبر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان - الخاضع هو نفسه للعقوبات - أن المحكمة "صُممت لأفريقيا وللعصابات، وليس لديمقراطيات مثل إسرائيل". ورفضت الولايات المتحدة الانضمام إلى المحكمة، خوفًا من أن يؤدي ميلها لارتكاب جرائم حرب في أراض أجنبية إلى ملاحقات قضائية. وهذا يضع واشنطن في نفس خانة منتهكي حقوق الإنسان. والجدير بالذكر أن المحكمة لم يكن لها ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة على الأرض الفلسطينية قبل انضمام فلسطين إلى هذه المحكمة قبل عقد من الزمن.
لقد أصدر غيو وزملاؤه مذكرات التوقيف بعد عملية قانونية مطولة وحذرة. وركزت القضية المرفوعة ضد السياسيين الإسرائيليين على استخدام التجويع، وهو ما دأب القادة الإسرائيليون على الاعتراف به. وأعلن غالانت عن "حصار شامل لقطاع غزة" بدعوى أن إسرائيل تحارب "حيوانات بشرية"، بينما أعلن نتنياهو: "لن نسمح بدخول المساعدات الإنسانية، سواءً أكانت أغذية أو أدوية، من أراضينا إلى قطاع غزة". وفي ربيع عام 2024، خلصت وكالتان حكوميتان أمريكيتان إلى أن إسرائيل تعيق عمدًا وصول المساعدات الإنسانية - وهو تقييم استلزم، وفقًا للتشريع الأمريكي، وقف جميع عمليات نقل الأسلحة. وتجاهلت الحكومة الأمريكية قانونها الخاص.
إن إبادة غزة والقتل العشوائي لشعبها والاستهداف المنهجي للبنية التحتية المدنية، وغير ذلك كثير من الجرائم قد أدى إلى إجماع بين علماء الإبادة الجماعية على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية. ولكن بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، فإن الحفاظ على إفلات إسرائيل من العقاب أهم من الحفاظ على أي مظهر من مظاهر النظام الدولي.
وقبل ما يقرب من أربعة عقود، أخبر السيناتور آنذاك جو بايدن الكونغرس أن إسرائيل هي "أفضل استثمار بقيمة 3 مليارات دولار نقوم به"، مدعيًا أنه "لو لم تكن هناك إسرائيل، لكانت الولايات المتحدة الأمريكية مضطرة إلى اختراع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة". وتعتبر الولايات المتحدة إسرائيل أصلًا استراتيجيًا لا غنى عنه، ولهذا السبب فهي أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأمريكية على الإطلاق، بما في ذلك المساعدة العسكرية.
وحذت دول غربية أخرى حذو الولايات المتحدة، كإيطاليا، وهي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، وقررت تقويض المحكمة بطمأنة نتنياهو بأنه لن يُعتقل إذا زارها. وكذلك فعلت فرنسا، ومنذ ذلك الحين لم تدافع عن أحد مواطنيها في أداء مسؤولياته القانونية، بينما كانت تخدم مؤسسة دولية ساهمت فرنسا في تأسيسها. ألا يُفترض أن تشمل المبادئ الليبرالية الأساسية سيادة القانون الدولي ونزاهة العدالة؟
ينقسم الليبراليون الغربيون بين تبرير الإبادة الجماعية الإسرائيلية الصريحة أو تبييضها، وبين إطلاق عبارات فارغة ومُبتذلة. وما تبقى من هذا التقليد السياسي يرقد مدفونًا في أرض غزة المُدمرة. وقد شهد معظم العالم فظائع إسرائيل اليومية ضد الشعب الفلسطيني - بما في ذلك في الولايات المتحدة نفسها، حيث يعتقد نصف السكان أن إبادة جماعية قد ارتُكبت، بينما ينكرها ما يزيد قليلاً عن ثلثهم. فمن سيقبل مجددًا المحاضرات الغربية عن حقوق الإنسان أو "النظام القائم على القواعد"؟
إن ازدراء الغرب للقانون الدولي يشكّل كارثة استراتيجية. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أقنعت النخب الأمريكية نفسها بأن القوة العسكرية الأمريكية لا تُقهر. وساهم هذا الاعتقاد في إطلاق العنان للغزو غير الشرعي للعراق، الذي قضى على هالة واشنطن كقوة لا تُقهر، ومزق السلطة الأخلاقية المزعومة للغرب. وفي أفغانستان، أثارت جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات التي تقودها الولايات المتحدة استياءً أعاد إحياء حركة طالبان، وانتهت بإهانة عسكرية واستراتيجيّة مُدمّرة.
لطالما انحاز النظام القانوني الدولي لصالح الغرب. وجرأة جنوب أفريقيا على اتهام حليف رئيسي للغرب بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية يُظهر حقيقتها، وكذلك الدعم الذي تلقته من معظم دول الجنوب العالمي ودول أوروبية مثل إسبانيا. وينطبق المنطق نفسه على المحكمة الجنائية الدولية، التي افترضت عدة دول غربية أنها ستُستخدم فقط ضد أعدائها أو الدول الضعيفة.
إن زوال هذا الافتراض بحد ذاته مؤشر على تراجع الغرب. وشنّ حملة ضد القضاة الذين يطبقون القانون باستمرار لن يُوقف هذا التراجع، بل سيُسرّعه. وغطرسة الغرب ستؤدي إلى سقوطه الحر في القرن الحادي والعشرين، ولا يزال الطريق طويلًا نحو الانحدار.
المصدر: The Guardian
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب