الوعي بدلاً من الإسراف.. كيف يرسم العراق العلاقة بين المواطن وصنبور المياه؟
klyoum.com
أخر اخبار العراق:
سقوط طائرة مسيرة قرب حقل كورمور بالسيمانية20 يوليو، 2025
بغداد/المسلة يتحوّل العراق اليوم إلى ساحة اختبار لجدوى الوعي البيئي في مواجهة شح المياه، بعد عقود من اعتماد سياسة الوفرة الصامتة.
وتتجه الحكومة، مدعومة بشراكات أممية أبرزها "اليونيسيف"، إلى تنظيم علاقة المواطن بالماء عبر حملات توعية وربط مباشر بين السلوك الشخصي والأمن المائي الوطني.
وتُعمَّم نماذج وحدات الترشيد داخل المنازل، حيث لا تقتصر الجهود على توفير الأدوات، بل تمتد إلى تدريب السكان على استخدامها بفعالية.
ويُعاد تعريف صنبور المياه بوصفه أداة إدارة لا مجرد منفذ للاستهلاك، في سعي لخلق مواطن مسؤول لا مستهلك عابر، كما يبرز دور الأطفال في المدارس كسفراء للوعي المائي، ضمن سياسة ترى في الجيل الجديد رافعة للتغيير السلوكي طويل الأمد.
وتتقاطع هذه الرؤية مع توجه الدولة نحو إصلاح مؤسسي يدمج المواطن في دورة القرار والتخطيط الخدمي.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" من جهتها تتحرك باتجاه أكثر حسماً في مقاربة أزمة المياه بالعراق، متجاوزة طور الدعم التقليدي إلى مرحلة المبادرة بتحديث المعايير نفسها، وفي مقدمتها حصة الفرد اليومية، وهي دلالة صريحة على دخول البلاد في مرحلة "إعادة تعريف الضروريات" ضمن مفهوم الأمن الإنساني.
وتسند المنظمة تحركها إلى شراكة استراتيجية مع الحكومة العراقية، التي شكلت لجنة عليا لإدارة ملف المياه برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ما يمنح المشروع صفة "التبني السيادي" لا مجرد الدعم الفني، وهو ما يرفع سقف التوقعات نحو نتائج ملموسة، لكنها تبقى رهن الاندماج المؤسسي والتخطيط متعدد الأطراف.
ويُفهم من تبني الـ"ماستر بلان" وتعميم نماذج المعالجة الموقعية، أن هناك تحوّلاً نحو "اللامركزية الفنية"، حيث باتت وحدات معالجة الصرف الصحي ووحدات إعادة استعمال المياه أدوات لا مجرد تجارب. وهذا ينسجم مع توجهات جديدة في الإدارة المائية الدولية، تراهن على أن الحلول تبدأ من الموقع لا من العاصمة.
ويُطرح بقوة مفهوم "الطلب والاستهلاك" لا "الإمداد والتوزيع" فقط، مما يعني أن المرحلة الراهنة لم تعد تستجيب للفكرة القديمة القائلة بأن الأزمة مصدرها قلة الموارد فحسب، بل تمتد إلى سلوكيات الاستهلاك، والفواقد غير المحسوبة، وأحياناً إلى ضعف التخطيط العمراني، وهو ما كشفت عنه الحملات السابقة في بغداد والنجف والبصرة.
وتتسق رؤية اليونيسيف مع نهج التمكين الاجتماعي أكثر من التركيز على الخطاب التوعوي وحده، فإشراك المواطنين، خصوصاً الشباب، في قيادة العمل المناخي وإدارة الموارد المائية يمثل تحويلاً للمتلقين إلى فاعلين، أي إلى "مواطنين شركاء لا مجرد مستفيدين"، وفق تعبير بات يتردد في تقارير التنمية الحديثة.
وتراهن المنظمة على الاستثمار في المدارس والأطفال لبناء ما يمكن تسميته "ثقافة الماء"، وهي بنية تحتية لا تُقاس بالأنابيب أو الصهاريج بل بالوعي الجماعي، كما تستبطن في رؤيتها ضرورة الدمج بين القيادة الحكومية والإصلاح المؤسسي، بحيث لا تكون المسؤولية موزعة بنحو اعتذاري، بل تكاملي.
وتبدو المعضلة الأعمق في هذا المشروع أن نتائجه مرهونة بمعطيات غير مائية أصلاً، من مثل الاستقرار السياسي، وكفاءة البيروقراطية، وقدرة المجتمع المدني على التفاعل بعيداً عن الأطر الشكلية، وهي تحديات تواجه كل محاولة لتحويل "الاستدامة" من شعار إلى سياسة عامة.
About Post Author
زين
See author's posts