عدوان إسرائيلي على العراق.. ما العمل؟
klyoum.com
29 شتنبر، 2025
بغداد/المسلة:
إبراهيم العبادي
يُحب رئيس الوزراء الصهيوني اليميني بنيامين نتنياهو ترديد مقولته الشهيرة: “لقد قاتلنا ونقاتل على سبع جبهات”، في رسالةٍ متكررة أراد منها الإيحاء بأن “دولته الصغيرة” قادرة على خوض الحروب في آن واحد بفضل تفوقها التكنولوجي والاستخباري وترسانتها العسكرية الضخمة، فضلاً عن الدعم الأميركي غير المحدود. ما لا يقوله نتنياهو صراحةً هو عجز المجتمع الدولي عن لجم غطرسته ووقف جنونه، بما يحمله من نزعات دينية وسياسية وأساطير تاريخية وخطط استراتيجية توسعية.
نتنياهو ماضٍ في مشروعه الهادف إلى إعادة تشكيل صورة الشرق الأوسط بما يتوافق مع مصالح “إسرائيل الكبرى”. وهو يعتقد أن أهدافه الأمنية والجيوسياسية باتت قريبة المنال: فقد دمّر غزة وأضعف حركتي حماس والجهاد الإسلامي، واستنزف حزب الله في لبنان، وخاض حربًا ضارية مع إيران – قائدة محور المقاومة – ثم مع الحوثيين في اليمن. وعلى مدى اثنين وعشرين شهرًا، بدت الكفة العسكرية راجحة لصالح المشروع الصهيوني اليميني، خاصة بعد أن خرجت سوريا من معادلة المقاومة ودخلت في مسار تفاوضي مع إسرائيل حول اتفاقات أمنية وسلام. وهكذا صار الشعار السائد في العالمين العربي والإسلامي: تفادي شرور إسرائيل مقابل سلامٍ وأمن بأي ثمن تطلبه.
الهجوم الإسرائيلي الأخير على العاصمة القطرية الدوحة (9 أيلول) لاستهداف قادة حماس شكّل رسالة صاخبة إلى الجميع: لا الشراكات مع الولايات المتحدة ولا التحالفات مع القوى الكبرى قادرة على حماية الأمن والازدهار، لأن إسرائيل دخلت مرحلة التوحش الكامل. فهي لا تعترف بأعراف سياسية ولا بقوانين دولية، وتخوض حروب الإبادة والحصار بغطاء أميركي مطلق، في ظل عجز دولي لم تُخفف من وطأته سوى خطوة رمزية تمثلت في اعتراف بعض الدول الغربية بالدولة الفلسطينية.
العراق، حتى اللحظة، لم يكن ضمن “الجبهات السبع” التي يتفاخر نتنياهو بخوضها. غير أن خطابه الأخير في الأمم المتحدة تضمّن تهديدًا صريحًا بالقضاء على قادة الفصائل العراقية المنضوية في محور المقاومة. التهديد للعراق لم يعد إذن نظريًا، بل قد يصبح واقعًا، خصوصًا أن إسرائيل ترى في الظروف الحالية فرصة مواتية للإجهاز على ما تبقى من المحور، في ظل تفوقها الاستخباري والتكنولوجي وتراجع ميزان القوى الإقليمي. إن ضرب قطر، ومن قبلها إيران في حرب الاثني عشر يومًا، أزال آخر المحاذير أمام صناع القرار الإسرائيليين لتوسيع دائرة العدوان، بحيث يكون العراق ضمن أهداف المرحلة المقبلة.
لكن، ماذا بوسع العراق أن يفعل؟
العدوان المحتمل لن يكون بريًا في ساحة مفتوحة يستطيع العراقيون – بخبراتهم القتالية المعروفة – حسمها. بل سيكون عبر الصواريخ والطائرات المسيّرة، كما حدث مع اليمن ولبنان وسوريا، وكما وقع مع إيران. المشكلة أن العراق يفتقر إلى معادلة ردع أو توازن رعب حقيقي. أي هجوم إسرائيلي، حتى وإن كان محدودًا، قد يترك العراق ينزف بشريًا واقتصاديًا، ويفتح الباب أمام نزعات انقسامية وصراعات داخلية بين قوى مختلفة الرؤية حيال التهديدات الأمنية.
الأخطر أن بعض القوى السياسية لم تستفد من دروس العامين الماضيين، وما تزال أسيرة خطاب أيديولوجي وديني لا يُقدّر بدقة حجم المخاطر الجيوسياسية التي تحدق بالعراق. صحيح أن ثقافة رفض التطبيع ومقاومة المشروع الصهيوني راسخة في الوجدان العراقي، لكن الثمن الذي يُراد دفعه اليوم قد يتجاوز دائرة المؤمنين بهذه الثقافة ليطال الدولة كلها. العداء الإسرائيلي للعراق ليس عابرًا، بل يرتبط بخلفيات دينية وتاريخية واستراتيجية، وأي ضربة ستستهدف بالأساس بنية الدولة والنظام السياسي، عبر استغلال مواطن الضعف الداخلية وتضخيمها.
وعليه، فإن الاستعدادات العسكرية والحذر الأمني لا يكفيان وحدهما؛ بل لا بد أن يقترنا بجهود دبلوماسية نشطة، وتعبئة وطنية واسعة، تضع الدفاع عن وجود الدولة فوق كل اعتبار. في ظل واقع العراق السياسي الراهن، يجب أن تُجمّد الخلافات الانتخابية والحزبية والمصالح الفئوية أمام التهديد الخارجي. ذلك أن أي طرف قد يظن أنه سيكسب من استهداف خصومه عبر ضربات خارجية، سينتهي به الأمر خاسرًا، لأن الضربة ستضعف وحدة المجتمع وتُعمّق الانقسام الداخلي وتفتح الباب لتفكك مشروع الدولة برمته.
لقد أنقذ إيران من السقوط – رغم شدة الحرب الإسرائيلية – تمسّكها بخيار الدفاع عن وجود الدولة قبل الدفاع عن النظام السياسي. وهذا هو الدرس الذي ينبغي أن يستوعبه العراقيون: الدولة أولاً. فإذا كان العراق قد نجا سابقًا من ضربات إسرائيلية، فذلك لم يكن إلا لأنه ظل ضمن المصلحة الأميركية في أن يبقى مستقراً نسبيًا، بعيدًا عن فوضى شاملة قد تهدد مصالح واشنطن وقواتها ونفوذها. لكن اليوم، إن قرر نتنياهو ضرب العراق، فذلك يعني أن الأميركيين قد نزعوا مظلة الحماية ومنحوا الضوء الأخضر.
من هنا، تبقى معادلة حماية العراق لدولته ومصالحه رهنًا بقدرة الدولة على التحرك الذكي عبر :
• دبلوماسية نشطة تحافظ على المصالح الوطنية.
• رسائل داخلية توحد الخطاب وتُعزز الثقة بالمؤسسات.
• سياسة خارجية فاعلة تدرك تعقيدات الإقليم.
• وإعلام مسؤول يُدرك حجم المخاطر ويُعبّئ المجتمع بدل أن يُغذّي الانقسام.
بهذه الأدوات فقط يمكن للعراق أن يُجنّب نفسه الدخول في أتون حرب جديدة، قد تضر مشروع الدولة كثيرا.
About Post Author
زين
See author's posts