اخبار العراق

اندبندنت عربية

سياسة

العراق يرفع يده عن أزمة الكهرباء بتوزيع الوقود مجانا

العراق يرفع يده عن أزمة الكهرباء بتوزيع الوقود مجانا

klyoum.com

مجلس الوزراء أعلن توفير "الكاز" للمولدات الأهلية بلا مقابل لمدة 3 أشهر ومتخصصون ينتقدون اللجوء إلى حلول موقتة مضرة بالبيئة والصحة

في ظل تواصل أزمة الكهرباء في العراق منذ أعوام، أعلن مجلس الوزراء عن خطوة جديدة تهدف إلى تخفيف معاناة المواطنين خلال موسم الصيف الحالي، من خلال توفير وقود "الكاز" للمولدات الأهلية مجاناً ولمدة ثلاثة أشهر، في محاولة لتقليل أثر الانقطاعات المزمنة في التيار الكهربائي، والتي تزداد حدتها مع ارتفاع درجات الحرارة.

قرار الحكومة بتوفير وقود "الكاز" مجاناً للمولدات الأهلية خلال صيف 2025، يعد محاولة لتجاوز عنق الزجاجة الذي تسببه أزمة الكهرباء المزمنة، لكنه خلال الوقت نفسه يعكس حجم الاعتماد المتزايد على حلول غير مستدامة، وبنية موازية باتت تهدد بكبح أي إصلاح فعلي في قطاع الطاقة.

القرار جاء خلال جلسة اعتيادية للمجلس برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وشمل جملة من الشروط والضوابط التي تهدف إلى تنظيم عملية التوزيع وضمان استفادة المواطنين منها، لكنه في الوقت نفسه أعاد إلى الواجهة تساؤلات أعمق حول أسباب تعثر منظومة الكهرباء الوطنية، ومستقبل الطاقة في العراق.

تفاصيل القرار الحكومي

ينص قرار مجلس الوزراء على تزويد المولدات الأهلية بـ45 لتراً من وقود "الكاز" لكل 1 KVA من القدرة الإنتاجية المولدة خلال أشهر يونيو (حزيران)، ويوليو (تموز) وأغسطس (آب)، وهي الأشهر التي تشهد ذروة استهلاك الكهرباء داخل البلاد.

واشترط القرار ألا تقل ساعات التجهيز عن 20 ساعة في اليوم، وأن تشغل المولدات الأهلية في الأقل 12 ساعة يومياً، بالتناوب مع التيار الكهربائي الوطني.

وتضمن القرار تشكيل لجنة متخصصة لتحديد تسعيرة مناسبة لـ"الأمبيرات"، وهي الوحدة التي باتت تستخدم شعبياً لقياس كمية الكهرباء المزودة من المولدات، إلى جانب وضع توقيتات التشغيل ومراقبة مدى التزام أصحاب المولدات بالأسعار والجدول الزمني للتشغيل.

المولدات الأهلية والفشل الحكومي

برزت المولدات الأهلية في العراق خلال العقود الماضية كأحد أبرز "الحلول الشعبية" التي ابتكرها المجتمع للتغلب على النقص المزمن في الكهرباء، فباتت بمثابة بنية تحتية موازية للنظام الكهربائي الرسمي، على رغم ما تحمله من كلف مالية وبيئية وصحية.

ويقدر عدد المولدات المنتشرة في عموم البلاد بعشرات الآلاف، تعمل بنظام الاشتراكات الشهرية التي تحتسب بحسب عدد "الأمبيرات" المطلوبة. وغالباً ما تدار هذه المولدات من دون تنظيم فعلي، وسط تفاوت كبير في التسعيرة بين منطقة وأخرى، وغياب رقابة فعلية على نوعية الخدمة.

بين الترحيب والشكوك

لاقى القرار الحكومي ترحيباً أولياً من قبل عدد من المواطنين، خصوصاً في ظل ارتفاع كلف الاشتراكات مع قدوم الصيف.

تقول أم حسين، وهي ربة منزل من حي الشعلة ببغداد، "في كل صيف، كنا نضطر لدفع ما يصل إلى 30 ألف دينار للأمبير الواحد. إذا فعلاً وزع الكاز مجاناً، قد تنخفض هذه الكلفة قليلاً، ونحصل على كهرباء أفضل".

في المقابل، شكك مواطنون آخرون في إمكانية تنفيذ القرار بصورة فعلية، مشيرين إلى تجارب سابقة أقرت فيها خطط مماثلة لكنها اصطدمت بالفساد وسوء الإدارة.

 

يقول حسن كريم وهو موظف من البصرة "المشكلة ليست في القرارات، بل في آليات التنفيذ. إذا تركت الأمور لأصحاب المولدات من دون رقابة، فلن يتغير شيء، وربما يستغلون الوقود المجاني لرفع الأرباح من دون تحسين الخدمة".

التحدي الرقابي والمالي

أحد أبرز التحديات التي تواجه هذا القرار آلية الرقابة، فعلى رغم تشكيل لجنة لتحديد الأسعار والرقابة على أوقات التشغيل، فإن تجربة الأعوام الماضية تشير إلى ضعف واضح في قدرة الجهات المحلية على فرض التزامات على أصحاب المولدات، مما قد يؤدي إلى استمرار التلاعب بالأسعار، أو تقليص ساعات التشغيل خلافاً للتعليمات.

من جهة أخرى، يثير القرار تساؤلات حول الاستدامة المالية له، في ظل ضغوط كبيرة على الموازنة العامة واعتماد البلاد شبه الكلي على إيرادات النفط. ويلاحظ أن هذا النوع من الدعم قصير الأمد قد يسهم في تخفيف الأزمة مرحلياً، لكنه لا يعالج جذور المشكلة البنيوية في قطاع الكهرباء.

أزمة الكهرباء... عرض لمشكلة مزمنة

على رغم مرور أكثر من 20 عاماً على سقوط النظام السابق، وعلى رغم صرف ما يزيد على 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء، بحسب تقارير رقابية، لا يزال العراق يواجه أزمة عجز في إنتاج الطاقة الكهربائية، لا سيما خلال الصيف حين ترتفع الحاجة إلى التبريد ويزداد الضغط على الشبكة.

يبلغ الطلب الحالي في فصل الصيف نحو 35 ألف ميغاوات، في حين لا يتجاوز الإنتاج الفعلي 24 ألف ميغاوات في أفضل الأحوال، وغالباً ما يكون أقل من ذلك، مما يترك فجوة كبيرة تغطى موقتاً عبر الاستيراد من إيران أو الاعتماد على المولدات الأهلية.

ويعزى هذا الفشل المزمن إلى جملة من الأسباب، منها الفساد وتخلف البنى التحتية وضعف الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة، واعتماد البلاد على الغاز المستورد لتشغيل المحطات الحرارية، فضلاً عن تهالك شبكات النقل والتوزيع.

بديل مستدام أم تخدير موقت؟

يظهر القرار الأخير لمجلس الوزراء أن الحكومة تسعى لحلول سريعة وقابلة للتنفيذ لمواجهة الصيف الحالي، إلا أن الاعتماد المتزايد على المولدات الأهلية يشكل إقراراً ضمنياً بفشل مشاريع إصلاح المنظومة الوطنية للكهرباء.

كما يحمل القرار بعداً بيئياً خطراً، إذ إن المولدات الأهلية تعد من أبرز مسببات تلوث الهواء في المدن العراقية، خصوصاً مع انبعاثاتها المباشرة، واستخدام وقود غير نظامي في كثير من الأحيان. وتشير تقارير بيئية إلى أن بعض الأحياء السكنية باتت تسجل نسباً عالية من التلوث والضجيج، بفعل تراكم المولدات في أماكن مغلقة وقريبة من منازل المواطنين.

ويتطلب إصلاح قطاع الكهرباء مكافحة الفساد الإداري وتطبيق حوكمة فعالة، وتشجيع الشراكة مع القطاع الخاص في إدارة وتشغيل محطات الطاقة، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في أكثر من مناسبة.

وفي هذا الشأن، كشف المهندس حيدر الجبوري المتخصص في شؤون الطاقة والبنية التحتية أن "الاعتماد على المولدات الأهلية حل ترقيعي فرضته الظروف، وليس حلاً مستداماً. وهذه المولدات تسد فجوة نقص الإمداد الكهربائي في الأحياء السكنية، لكنها مكلفة بيئياً واقتصادياً. فالوقود المستخدم غير مفلتر، ويؤدي إلى انبعاثات عالية من الغازات الضارة، ناهيك بالضوضاء وتفاوت أسعار الأمبيرات التي تثقل كاهل المواطن".

ويضيف الجبوري "ما يحدث اليوم هو نتيجة تراكمات لأعوام من الإهمال في ملف الطاقة، بدءاً من الفساد في مشاريع التوليد والنقل، إلى غياب الصيانة الدورية للمحطات القائمة، وانتهاء بعدم الاستثمار الجاد في الطاقة المتجددة. الحل الجذري يكمن في إعادة هيكلة قطاع الكهرباء، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، وفرض رقابة صارمة على الأداء الفني والإداري".

ويختم "إذا لم يتم التحرك سريعاً لتنفيذ استراتيجية وطنية للطاقة تشمل التنوع في مصادر التوليد وتحسين الجباية والربط الإقليمي، فسنبقى ندور في حلقة مفرغة تعيد إنتاج الأزمة كل صيف".

كارثة بيئية صامتة

يكشف الباحث البيئي محمد مازن أن "الاعتماد المكثف على المولدات الأهلية يشكل كارثة بيئية صامتة في العراق. هذه المولدات تستخدم وقود الديزل أو البنزين منخفض الجودة، وتطلق كميات كبيرة من الغازات السامة مثل أول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين والجسيمات الدقيقة، وهي مواد مسؤولة عن ارتفاع معدلات أمراض الجهاز التنفسي والسرطان، وبخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية".

ويضيف "تنتشر المولدات بصورة عشوائية داخل الأحياء من دون رقابة أو تنظيم، وتعمل لساعات طويلة يومياً، مما يؤدي إلى زيادة تركيز الملوثات في الهواء، خصوصاً في فصل الصيف عندما تكون درجة الحرارة والركود الهوائي عوامل إضافية لتفاقم التلوث. كما أن الضوضاء الصادرة عنها تتجاوز الحدود المسموح بها عالمياً، وتؤثر في الصحة النفسية والنوم، خصوصاً للأطفال وكبار السن".

ويحذر مازن من الآثار بعيدة المدى "إذا استمر هذا الاعتماد غير المنظم، فسنواجه موجة تصاعدية في التلوث البيئي المزمن، وقد نصل إلى مرحلة لا تنفع فيها المعالجات الجزئية. ويجب على الحكومة أن تتعامل مع الموضوع كأزمة بيئية وليست فقط خدمية، من خلال فرض معايير بيئية على عمل المولدات، وتشجيع استخدام الطاقة الشمسية، والتقليل من الانبعاثات عبر وقود أنظف أو فلاتر تصفية".

ويختم حديثه بالقول "البيئة لا تنتظر، والضرر الذي نراكمه اليوم سندفع ثمنه غداً بصحة أجيال كاملة، وبكلفة اقتصادية عالية لمعالجته".

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار العراق على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com