من طهران إلى دمشق: حوار السوداني يرسم جيوبوليتيك الحذر
klyoum.com
أخر اخبار العراق:
طفل يموت ويعود للحياة بعد غرقه في كركوك15 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: في لحظة إقليمية مشبعة بالضباب والاحتمالات المتشابكة، اختار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن يضع صوته في قلب العاصفة، متموضعاً عند تقاطع النيران بين تل أبيب وطهران، ومتخذاً من بغداد منصة للحياد الفاعل لا الحياد السلبي. فجاءت أجوبته في حوار تلفزيوني كرسمٍ لخارطة توزان هش، تسعى فيها الدولة العراقية، التي أنهكتها الحروب وتخشى شراراتها، إلى أن تكون صانع استقرار لا ساحة تصادم.
وفتح السوداني أبواب الأزمة من غزة إلى دمشق، فمرّ على حرب الأيام الـ12 بين إسرائيل وإيران، متحدثاً عن الخرق الجوي للأجواء العراقية باعتباره ليس مجرد حادث سيادي، بل تحدٍّ استراتيجي لنظرية "العراق أولاً" التي رفعها حكماً ومنهجاً. وفي إشارة سياسية مزدوجة، قدّم السوداني شكوى إلى مجلس الأمن، وحرّك خطوط الاتصال مع طهران وواشنطن، مؤكداً أن بغداد لا تنوي أن تكون جسراً تعبر فوقه الطائرات، ولا ساحةً يدار فيها صراع الآخرين.
وذهب أبعد من مجرد الدفاع السياسي، إذ أعاد التأكيد على أهمية امتلاك العراق لمنظومة دفاع جوي تحمي سيادته، في وقت أصبحت فيه "المسيّرات" السلاح السياسي الأكثر فتكاً. وطرح السؤال الحرج عن الجهة التي دمّرت منظومات الرادار العراقية بعد انتهاء الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، كاشفاً عن تحقيق تقني مستمر لا يعفي أحداً.
ووقف السوداني عند المفترق الأخطر، متحدثاً عن المفاوضات الإيرانية – الأميركية التي رعاها العراق ضمنياً، مشيراً إلى رغبة "جادة" من إيران في تسوية نووية شاملة، وعن تفاؤل أميركي مشروط بصفقة تؤسس لاستقرار مستدام في المنطقة. وهنا بدا أن العراق يحاول أن يلعب دور "الجسر المطمئن" بين الضدين لا مجرد المراقب المرتبك.
وشرح السوداني دينامية العلاقة مع دمشق الجديدة، نافياً القطيعة، ومؤكداً الاستعداد لإحياء أنبوب النفط عبر بانياس، مشيراً إلى دور عراقي مباشر في الدفع نحو مصالحة شاملة على الأرض السورية، ملوّحاً بخطأٍ استراتيجي ارتكبه الأسد برفض اللقاء مع أردوغان. وفي ذلك اعتراف ضمني بأن بغداد تضع عواصم الجوار على طاولة واحدة، وإن ظلت الخطوط الهاتفية أكثر نشاطاً من اللقاءات الرسمية.
وحين سُئل عن العلاقة مع طهران، رسم السوداني ما يمكن وصفه بـ"الشراكة غير الخاضعة"، قائلاً إن العراق ليس تابعاً ولا يقبل بإدارة إيرانية لأي ملف داخلي، جاعلاً من الاستقلالية شعاراً سيادياً صريحاً، لا مجرد ترفٍ لغوي. أما تركيا، فالوصف كان أكثر دفئاً، إذ تحدث عن انطلاقة حقيقية في العلاقة معها، بفضل مشروع "طريق التنمية" واتفاقية المياه الثنائية، مشيراً إلى أن المصالح وحدها تصنع التحالفات، لا التاريخ وحده.
وفي مجمل مداخلاته، بدا السوداني وكأنه يؤسس لمدرسة عراقية جديدة في الحياد الفاعل، يفاوض فيها الجميع، ويصغي للجميع، دون أن يتحول إلى أرض يتقاتل عليها الآخرون. وبين صراع الكبار، ونيران الحدود، والتحديات الداخلية، يراهن العراق على أن يعبر المرحلة بلا حروب جديدة.. وبسيادة لا تُختصر ببيان.
About Post Author
moh moh
See author's posts