بعد حبس فنانين في قضية الدراسات "الوهمية".. الجزائريون منقسمون بشأن "المؤثرين"

تصدرت قضية احتيال شركة خدمات جامعية 'وهمية' على طلبة جزائريين عناوين الصحف الجزائرية، وأصبحت القضية الأكثر إثارة للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولفتت الحادثة انتباه الجزائريين إلى الجرائم الإلكترونية والمسؤولية القانونية التي تقع على عاتق المؤثرين الذين يروجون عادة لشركات 'يمكن أن يكون هدفها تبييض الأموال أو الاحتيال على الناس أو حتى الاتجار بالبشر دون علمهم،' وفق خبير قانوني.

والخميس، أودع قاضي التحقيق في محكمة الدار البيضاء بالعاصمة الجزائر، 11 شخصا بينهم ممثلون وفنانون، يعتبرهم كثيرون 'مؤثرين على المنصات الاجتماعية'، الحبس المؤقت على ذمة التحقيق، في قضية النصب التي راح ضحيتها أكثر من 75 طالبا جزائريا.

ومن بين هؤلاء المؤثرين، الممثلة نوميديا لزول، والممثل 'ريفكا'، وكذلك 'ستانلي' المعروف بمشاركته في أعمال تلفزيونية رمضانية، وحتى إيناس عبدلي، التي أمر القاضي بإخضاعها للرقابة القضائية دون حبسها، لعدم بلوغها السن القانونية (قاصر).

ولقيت القضية اهتمام واسعا من قبل الجزائريين، وتعاطف كثيرون مع الضحايا، لكن 'مسؤولية المؤثرين' بقيت محل جدل.

فبينما يرى جزائريون ضرورة معاقبة أولئك المؤثرين باعتبارهم 'مشاركين في الجريمة،' احتج آخرون بأنهم غير مسؤولين قانونا على اعتبار افتقارهم لآليات تمكنهم من التحقق من صحة ما يعرضه عليهم المعلنون.

لكن أستاذ القانون في جامعة جيجل، مهنا عبد المجيد، يرى بأن المؤثرين في الجزائر، لديهم مسؤولية التمحيص والتدقيق في ما يروجون له، وهو ما يضعهم أمام المساءلة القانونية بحكم ما يفرضه موقعهم وصيتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي حديث لموقع 'الحرة' رجح عبد المجيد أن تتم إدانة المؤثرين بسبب 'مساعدتهم المتهم الرئيسي في الوصول إلى ضحاياه' حتى ولو أنهم لم يكونوا على دراية بنواياه.

تفاصيل القضية

قامت شركة وهمية تحت مسمى 'فوتور غيت' بالاحتيال على 76 طالبا بزعم إرسالهم إلى الخارج لاستكمال دراستهم الجامعية.

الشركة استخدمت لترويج الفكرة مؤثرين معروفين في الجزائر، وتقاضى هؤلاء مبالغ مالية معتبرة نظير الإعلانات التي نشروها على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تحظى بمتابعة ملايين من  الشباب في الجزائر.

والأربعاء، نشرت مديرية الأمن الوطني الجزائرية شهادات مصورة للمتهم الرئيسي، وهو مدير الشركة، إضافة إلى بعض المؤثرين الذين قالوا إنهم لم يكونوا على علم بأن الرجل بصدد استخدامهم للتحايل على الشباب.

وقال مدير الشركة، وهو المتهم الرئيسي في هذه القضية، إن المؤثرين هم من روجوا لفكرة أن شركته تحتال على الطلبة، متهما إياهم بطلب مزيد من المبالغ المالية للعدول عن ذلك.

قبل ذلك، اجتاحت مواقع التواصل شهادات للطلبة، ضحايا الشركة، أكدوا من خلالها أنهم تعرضوا للنصب، إذ إن أكثرهم لم يجد نفسه مسجلا في أي جامعة، ولم يحصل على أي إقامة جامعية، بينما أكد آخرون أنهم تركوا في العراء لعدة أيام ولم يستطيعوا حتى العودة إلى الجزائر، لأن جوازات سفرهم ظلت رهينة عند صاحب الشركة الذي ابتزهم بها نظير تسجيلهم فيديوهات يفندون فيها اتهاماتهم له.

وكانت الشركة المزعومة ترسل الطلبة لوجهتين رئيسيتين هما أوكرانيا وتركيا.

وخلال مواجهته بعض الطلبة، قال المسؤول الأول عن الشركة إن بعض المشاكل حدثت لبعض الطلبة، لكنه أنكر أن تكون شركته احتالت على أي منهم، وأشار إلى أنه قام بمهمته في إيصالهم للجامعات في كل من أوكرانيا وتركيا، وهدد بمقاضاة كل من يقول إن شركته تحتال على الشباب.

التهم..

بحسب ما أوردته وسائل إعلام محلية، وجهت للمتهمين الرئيسيين، تهم تتعلق بـ'تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية منظمة، والاتجار بالأشخاص في إطار جماعة إجرامية منظمة، ذات طابع عابر للحدود، ومخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، إضافة إلى 'جنحة التزوير واستعمال المزور في محررات مصرفية. وجنحة التزوير واستعمال المزور في وثائق إدارية، والنصب الموجه إلى الجمهور،' وفق ما نقله موقع قناة النهار المحلية.

وتنشر وسائل إعلام جزائرية دوريا حالات جرائم إلكترونية تتعلق بالاحتيال والابتزاز، والتشجيع على الجريمة، لكن قضية الطلبة هاته، لفتت أثارت صخبا إعلاميا، إذ كان بين 'أبطالها' مؤثرون معروفون.

وخلال السنوات الأخيرة تصاعدت وتيرة الجرائم الإلكترونية في الجزائر، وفق مديريات الأمن المختصة، والتي أحصت وفق صحيفة الشروق، أكثر من ثمانية آلاف جريمة إلكترونية خلال سنة 2020.

وتم الكشف عن تلك الحصيلة وفق المصدر نفسه، شهر نوفمبر 2021، خلال يوم دراسي بالخصوص، حضره وزير العدل، عبد الرئشيد طبي، الذي أعلن وقتها عن إنشاء ما يعرف بـ'القطب الوطني المتخصص في محاربة الجريمة الإلكترونية'.

المسؤولية القانونية

ويواجه المؤثرون الذين روجوا للشركة الوهمية التي كان هدفها الاحتيال على الطلبة، وفقا لأستاذ القانون في جامعة جيجل، مهنا عبد المجيد، عوقبة تتراوح بين غرامات مالية أو الحبس بموجب قانون العقوبات الجزائري، ولا سيما المادة 394.

وتنص هذه المادة على أنه يعاقب كل من شارك في مجموعة أو في اتفاق تألف بغرض الإعداد لجريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم (قانون العقوبات الخاص بالجرائم الإلكترونية) وكان هذا التحضير مجسدا بفعل أو عدة أفعال مادية، يعاقب بالعقوبات المقررة للجريمة ذاتها.

أما في ما يخص آلية التحقق من المعلنين، فيرى عبد المجيد، أن القانون لا يعمل لصالح أي طرف غير المتضرر من الجريمة، ويقصد بذلك أنه كان على المؤثرين توظيف مختصين للتحقق والتدقيق في أي متعامل يرغب في الاستفادة من خدماتهم.

وقال إن أغلب المؤثرين يعلمون أن هناك شركات تحتال على الناس، بمضامين وخدمات وهمية، مؤكدا على أن عملية التحقق تلك، تقع على عاتقهم وحدهم، وأن 'عدم تحققهم لا يسقط عنهم المسؤولية'.

من جانبه، يرى المحلل الجزائري، فيصل مطاوي، أن قضية المؤثرين في الجزائر، كانت ولا تزال موضوع جدل واسع على أكثر من صعيد.

وفي اتصال مع موقع الحرة، قال مطاوي إن وضعية المؤثرين عموما تطرح عدة تساؤلات، بينها، الصفة القانونية والمجتمعية.

وضع معقد

ولفت مطاوي إلى أن ظهورهم في تمثيليات تلفزيونية وبرامج رمضانية، طرح عدة إشكالات لدى ممثلين كبار في الساحة الفنية الجزائرين خلال السنوات الأخيرة.

وتساءل قائلا: 'من هم المؤثرون؟ هل هم فنانون؟ مغنون؟ ممثلون؟'. ثم تابع مؤكدا أن وضعهم لا يزال غير واضح قانونيا وإداريا 'وعلى كل الأصعدة' على حد تعبيره.

يذكر أنه ليس لدى المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر أي صفة قانونية ولا ينتمون لأي هيئة وهو ما يصعب إدماجهم أو عدّهم ضمن أي اختصاص فني، أو غيره.

مطاوي أشار في السياق إلى ضرورة أن تهتم الدولة بالواقع الافتراضي أكثر من خلال سن قوانين تلعلق بالمسؤولية على الفضاء غير الواقعي، وإرساء قواعد ينبني عليها التعامل معهم قانونيا.

وذكر بأن هؤلاء لا يدفعون الضرائب للدولة الجزائرية، على اعتبار أنهم ليسوا عمالا في نظر القانون، ولا مالكين لأي مؤسسات أو شركات ولا يقومون بأي نشاط تجاري صريح، بينما يجنون أموالا كثيرة من الإشهار، ومن الأموال التي تمنح لهم من قبل المنصات الاجتماعية المعروفة.

وأغلب المؤثرين الذين تم حبسهم  في قضية النصب على الطلبة هم الأكثر متابعة على وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر.

مطاوي أرجع اهتمام الشركات بالإعلان على صفحات هؤلاء لنيتهم في 'التحايل على قانون الإشهار الجزائري،' وكذا القوانين المتعلقة بالسجل التجاري.

وقال إن قضية الاحتيال على الطلبة ستفتح المجال لتنظيم هذا القطاع مستقبلا.

الخبير الجزائري في مجال تكنولوجيات الإعلام و الإتصال، يونس قرار، قال من جانبه،  إن المؤثرين الذين يحظون بمتابعة الملايين بالجزائر، ويجنون أموالا عبر نشاطاتهم 'ليس لهم أية صفة قانونية' على اعتبار أن نشاطهم 'التجاري' ليس له وجود صريح، متعارف عليه في الجزائر.

قرار قال كذلك إن هناك ضبابية في القانون المتعلق بهذا النوع من القضايا، متسائلا حول إمكانية تحميل المسؤولية للمؤثرين على 'مشاركتهم' في جريمة قام بها طرف آخر.

???? المؤثرة نوميديا لزول تم تحويلها نحو سجن القليعة

???? وضع المؤثرة إيناس عبدلي تحت الرقابة القضائية

وكشف قرار، في اتصال مع موقع 'الحرة'  أنه لا يزال هناك تساؤل حول المسؤولية في هذه القضية.

ويتعلق السؤال الأساسي وفقه حول 'هل يجب اعتبار الشركة المتهمة بالاحتيال مسؤولة وحدها أم أنه يمكن اعتبار المؤثرين مشاركين في الجريمة؟ ثم أعقب بتساؤل آخر مفاده 'هل كانوا على دراية بما تقوم به الشركة؟ ثم قال إن الإجابة على هذا السؤال يمكن أن تاعد في تحديد مسؤولية المؤثيرة في قضية النصب هاته.