×



klyoum.com
iraq
العراق  ٢٤ نيسان ٢٠٢٤ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
iraq
العراق  ٢٤ نيسان ٢٠٢٤ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار العراق

»ثقافة وفن» جريدة المدى»

الفَارابِي.. يومياته بين العِراق والشَّام

جريدة المدى
times

نشر بتاريخ:  الجمعه ٢٦ أذار ٢٠٢١ - ٢٠:٣١

الفارابي.. يومياته بين العراق والشام

الفَارابِي.. يومياته بين العِراق والشَّام

اخبار العراق

موقع كل يوم -

جريدة المدى


نشر بتاريخ:  ٢٦ أذار ٢٠٢١ 

رشيد الخيُّون

(1-2)

اشتهر اسم الفارابي، فيلسوفاً وموسيقاراً، مع أن موفق الدِّين أحمد بن القاسم الشَّهير بابن أبي أُصيبعة(تـ: 668هـ) عدّه ضمن طبقات الأطباء،

ولم يذكر له كتاباً أو ممارسةً في هذا المجال، وأحيل ذلك إلى شغف ابن أبي أُصيبعة بالفارابي، وكأنه لا يريد لموسوعته تصدر خالية مِن أمثال هذا الرَّجل العظيم(1) .

لكنَّ ننظر بتعجب مِن مؤرخ في طبقات الرِّجال، أفرد معجمه لمَن عاشوا أو مروا ببغداد، ولم يذكر الفارابي حتى بإشارة، مع أنَّه كان مِن الشَّخصيات التي لا يجرؤ مؤرخٌ على إهمالها، خصوصاً إذا كان الموضوع يخص الكتابة عن تاريخ بغداد عبر سير رجال العلم والفقه والسياسة والأدب مثل «تاريخ مدينة السَّلام» للخطيب البغدادي(تـ: 463هـ)! بطبيعة الحال ليس لأن الخطيب لم يسمع بالفارابي ودوره الفكري ببغداد، إنما يغلب على الظَّن أنّه أهمله لسبب عقائدي، وذلك لأنَّ الفارابي فيلسوفاً، كثيراً ما أُشير إليه بالضَّلالة والكفر، فالبعض إذا ذَكر اسمه قال «ضل وحار»(2).

هذا، إذا حاول مَن كان ضده أن يخفف في قوله عنه، أما المتشدد ضده وضد بقية الفلاسفة والمتكلمين، فنقرأ عنه عند مَن يعدد أسماء الفلاسفة والمقدمات التي تتعارض مع «إفادة كلام الله ورسوله لليقين» وبالتالي التّكفير: «أ عقلُ أرسطو وشيعته، أم عقلُ أفلاطون وشيعته(إلى) أم عقلُ الفارابي»، حتَّى يعدهم بالملحدين كافة(3). لم نأت بعدم ذكر الخطيب البغدادي له، ولا مَن قال صراحةً في (ضلال الفلاسفة)، وهو كثير جداً، للجدل في الموضوع، وإنما لنفهم كيف أنَّ قوة الفارابي، وغيره مِن الفلاسفة، أن كتبهم وأفكارهم قد شاعت على الرَّغم مما اعترض نشر تلك الأفكار مِن مصاعب ومحن.

حياة خالصة للفكر

نجد في حياة أبي نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي(260- 339 هـ/873- 950م)، واللَّقب نسبة إلى مسقط رأسه “فارياب” من أرض تركستان، حياة كفاح مِن أجل العلم والفلسفة، بدأ بجهوده الذاتيَّة، حتى فتحت له أبواب الدِّراسة والشّهرة بعد وصوله إلى بغداد. بدأ حياته، قبل وصوله بغداد، يسهر للمطالعة، لضعفه حاله، على ضوء مصابيح حراس البساتين(4). حتَّى اشتهر ولُقب بالمعلم الثَّاني، فأرسطو كان هو الأول، وحتَّى “قيل الحكماء أربعة اثنان قبل الإسلام، وهما أرسطو وأبو قراط، واثنان في الإسلام وهما أبو نصر وأبو علي(ابن سينا) وكان بين وفاة أبي نصر وولادة أبي علي ثلاثون سنة، وكان أبو علي تلميذاً لتصانيفه”(5). هذا ما ذكره ظهير الدِّين البيهقي(تـ: 565هـ) في “تتمة صوان الحِكمة”، ومعلوم أن “صوان الحكمة” الأصل، هو كتاب المنطقي أبي سليمان السِّسجستاني(تـ نحو: 391هـ)، وكان الأخير معاصراً للفارابي، ومع الاهتمام الواحد بينهما، إلا أنَّ السِّجستاني، على الرّغم مِن ذكره للعديد مِن مفكري وفلاسفة عصره وما قبله، لا يذكر الفارابي بشيء، فعمد صاحب تتمة الصُّوان وتوسع في أخبار الفارابي وفكره.

عاش الفارابي متنسكاً بالحياة، لم يعتنِ بهيئة ولا مكسب ولا منزل، ومع أنَّ المال كان مبذولاً له، مِن قبل سيف الدَّولة الحمداني التَّغلبي، عندما قصده بحلب، بعد بغداد، إلا أنَّه اكتفى منه بأربعة دراهم فضية رزقاً يومياً له، تُعطى له مِن خزانة سيف الدَّولة، يخرجها في الضَّروري مِن شؤونه المعيشيّة، مع أن الأمير كان يود بذل النّعمة عليه، لعلمه وقربه من بلاطه(6) .

يخطِئ مَن قال أنَّ الفارابي قد حلَّ على الوزير البويهي الصَّاحب بن عباد(تـ: 385هـ) ودخل مجلسه، وهو لا يعرفه، عند مروره بالرَّي، وكانت على رأسه قلنسوة بلقاء وثياب غير لائقة، فصار وسط سخرية المجلس، فلم ينتبه إليه أحد، وعزف في المجلس، وقام ولم يُقدم نفسه، بعدها جد الصَّاحب بطلبه ولم يجده(7)، إنما كان المقصود مِن قبله أمير حلب سيف الدَّولة وليس الوزير الصَّاحب بن عباد.

يُذكر أنَّ اهتمامه بالمنطق والفلسفة والفكر بشكل عام، بدأ بفارياب، بعد اطلاعه على مجموعة كتب أرسطو التي تركها عنده رجل وديعةً عندما كان قاضياً ببلاده(8)، قبل هجرته إلى بغداد، فـ”اتفق أنْ نظر فيها فوافقت منه قبولاً، وتحرك إلى قراءتها، ولم يزل إلى أنّ أتقن فهمها، وصار فيلسوفاً بالحقيقية”(9). جاء عن تركه لوظيفة فاخرة كوظيفة القاضي: “كان في أول أمره قاضياً، فلما شعر بالمعارف نبذ ذلك، وأقبل بكليته على تعلمها، ولم يسكن إلى نحو مِن أمور الدُّنيا البتة، ويُذكر أنه كان يخرج إلى الحراس باللَّيل مِن منزله يستضيء بمصابيحهم فيما يقرؤه”(10)، وقد أوهم ذلك البعض فذكر أنه عمل ناطوراً أو حارساً(11) .

يضع الفارابي شروط بمَن يريد دراسة الفلسفة، وأولهما الشَّباب والأخلاق: “قال الحكيم أبو نصر الفارابي: ينبغي لمن أراد الشُّرُوع في علم الحكمة أن يكون شاباً، صحيح المزاج، متأدبا بآداب الأخيار، قد تعلم القرآن واللغة وعلم الشرع أولا، ويكون صينا عفيفاً متحرجا صدوقاً، معرضاً عن الفسق والفجور والغدر والخيانة، والمكر والحيلة، ويكون فارغ البال عن مصالح معاشه، ويكون مقبلا على أداء الوظائف، غير مخل بركن من أركان الشَّريعة، بل غير مخل بآداب من آداب السنة، ويكون معظما للعلم والعلماء ولم يكن عنده شيء قدر إلا للعلم وأهله، ولا يتخذ علمه من جملة الحرف والمكاسب، وآلة لكسب الأموال، ومن كان بخلاف فهو حكيم زور...”(12). كذلك مِن الشُّروط الفكريَّة التي وضعها لتعلم الفلسفة، أن يعرف أسماء الفرق الفلسفيّة، أي تاريخ الفلسفة، وغرض أرسطو مِن كل واحد مِن كتبه، ونوع كلامه، ورياضة العقل على البراهين الهندسيَّة والمنطقيَّة، والإقبال على العِلم بكل همته، لكي يعرف الخالق، ويشبه قدر الطَّاقة البشريَّة به”(13) .

كتب أحد المعاصرين، عاتباً أو مستغرباً، مِن عدم ملامسة أبي نصر الفارابي للشعر، على أنَّ عصر كان عصر كبار الشُّعراء، وببغداد، قال: “ومِن الغريب أنَّ الفارابي، في عصر النَّهضة الشّعريَّة، لم يُلابس الشّعر العربي كثيراً، ولا ألف فيه في صنعة الكتابة، إلا أنْ تكون رسالته في الشّعر والقوافي، ذات صِلة بالشِّعر العربي، وكم كنَّا أسعدُ حظاً لو أنَّ شخصاً عميقاً حاد الذَّكاء مثل الفارابي لم يمنعه إجلاله لأرسطو مِن إتمام القول في الشّعر”(14) .

مِن حقَّ صاحب هذا التَّمني على الفارابي أن يكتب في الشّعر، كصناعة ونقد وإلى غير ذلك، لكنَّ مَن يدخل الفلسفة لا يخرج منها، ولا تدعه يلتفت لغيرها، فما أنّ لامسها أبو حامد الغزالي(تـ: 505هـ)، بدافع الكراهيَّة والرَّد على الفلاسفة، ومِن بينهم الفارابي، وقد أشار إليهم بالأغبياء(15)، حتَّى قال فيه أحد مجايليه: “دخل في بطون الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر”(16). فكيف مَن كان هو فيلسوفياً؟! خلاف ذلك، يُشيد ابن حَزم الظَّاهري(تـ: 456هـ) بأبي نصر الفارابي وفكره، أي عمّا ورد في كتابه “إحصاء العلوم”، وهو على ما يبدو نفسه الذي ورد بعنوان “مراتب العلوم”، بأنه يتميز بمقولات كبرى، وترك الجو صالحاً لمزيد مِن “التَّوالد الطَّبيعي في العلوم”(17) .

إنَّ عالماً فيلسوفاً مثل أبي نصر الفارابي، مِن الصّعب تحيد المذهب الفقهي له، أو العقيدة المذهبيَّة، فلا نرى لِما طرحه السّيد محسن الأمين(تـ: 1952) عن شيعية الفارابي، صحةً، وأنّ قربه مِن سيف الدَّولة لا يعني أنه كان شيعيَّا إماميَّاً بهذه الصِّلة، كون سيف الدَّولة كان شيعياً، على أنّ الفارابي، حسب الأمين ناقلاً عن آخر، كان “لا يتصل إلا بأهل الفضل مِن الشّيعة لجامعية العقيدة”(18)، وآخرون اعتبروه سُنيَّاً حنفياً.

أقول: مِن غير الوارد تحديد الفلاسفة والمثقفين بشكل عام بإطار مذهبي وحتَّى ديني، ليكون عنواناً لهم، فالفلسفة والثَّقافة إنسانيَّة، وهنا لا نعترض على أن يكون انتماء هذا المثقف أو ذاك لمذهب معين، لكنَّ نعترض على هذا التَّصنيف بما دخله شعراء وكُتاب ومثقفون على العموم في المذهبيَّة والنّزاعات التي تسفر عنها.

تعلّم العربية والفلسفة ببغداد

كانت بغداد، في عصر الفارابي، مركز العلوم والدِّراسة، وكذلك أمتاز القرن الذي ورد فيه إلى بغداد(الرَّابع الهجري/العاشر الميلادي) بظهور عباقرة، مِن الفلاسفة والمفكرين والمناطقة والأدباء والشُّعراء الفلاسفة، مِن جيل هذا القرن “إخوان الصّفاء وخلان الوفاء”، ورسائلهم الشَّهيرة، التي كشف أمر مؤلفيها أبو حيان التَّوحيدي(تـ: 414هـ) عندما شاعت في الوراقين، أي أسواق الكُتب(19)، والمنطقي أبو سليمان السجستاني، الذي حمل صاحبه التوحيدي إليه رسائل إخوان الصفاء، ولم تعجبه، لذا لم يذكر شيئاً منها في كتابه “صوان الحكمة”، ونجد الرّسائل متأثرة جداً بفلسفة الفارابي، الواردة في “المدينة الفاضلة”، ومنها القول بالفيض عن العقل الأول، وعدم تدخل العقل الأول، وهو الله، في الطَّبيعة. يقول الفارابي: “عدم عناية الكائن الأول بالعالم”(20)، ويرى إخوان الصفا: “الباري، جل ثناؤه، لا يباشر الأجسام بنفسه، ولا يتولى الأعمال بذاته، بل يأمر ملائكته الموكلين وعباده المؤيدين، فيفعلون ما يؤمرون، كما يأمر الملوك الَّذين هم خلفاء الله في أرضه عبيدهم وخدمهم ورعيتهم، لا يتولون الأفعال بأنفسهم”(21) .

كذلك قالوا بأكثر وضوحاً: «ما رأيت قط ورقة زيتون خرجت من شجرة جوز، ولا حبة شعير خرجت من سنبلة حنطة، وعلى هذا المثال والقياس سائر أنواع الحبوب والثّمار والبقول والحشائش، تراها كلها واحدة منها حافظة صورة أبناء جنسها، وشكل نوعها، كأنها صُبت في قوالب مختلفة الأشكال محفوظة الأنواع»(22). كان كلاهما، الفارابي وإخوان الصفا، ببغداد وفي الزَّمن نفسه.

هذا الرأي مهم جداً، أولاً لا يجد المشعوذين بالدِّين طريقاً إلى استغباء النَّاس ببركاتهم، ولا يتحوّل الدِّين إلى غرض يوظفونه في تدمير العقل، تحت قوة الكرامات، واستخدام الأموات مِن الأولياء الصالحين في هذه التِّجارة، ويركز من خلال هذا الرَّأي على ما ينتجه العقل، الذي خلقه الله وأودعه في الإنسان، وبهذا تسقط حجة الإسلام السِّياسي ومَن يُبشر بالحكم الإلهي، والمعروف لدى الإسلاميين بالحاكمية أو نيابة الإمام، على أنَّ الله تعالى حدد الحكم، أو هو يحكم بذاته عن طريق وكلاء(23)، وهذا الرَّاي معترف به مِن قِبل المعتزلة، في نظرتهم للكمون والظهور والخلق المستمر، وابن حزم(تـ:456هـ) في كتابه “الفصل في الملل والأهواء والنِّحل” أيضاً، فالطَّبيعة خلقها الله مع طبائع الأشياء، وكلّ شيء ينمو حسب طبيعته، فحبة الشَّعير لا تُظهر نبة حنطة على سبيل المثال لا الحصر. ولولا أنَّ الكلام يطول، في هذا المجال، ويخرجنا عن موضوعنا لتبسطنا به.

كذلك في (القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي) عاش كبار الشُّعراء ومفكروهم، مثل: أبو الطَّيب المتنبي(قُتل: 354هـ)، وأبي العلاء المعري(تـ: 449هـ)، الذي بعد أن عاد إلى الشَّام مِن بغداد تغيرت أفكاره، وأخرج “لزوم ما لا يلزم”، وعاش مؤرخ الأدب صاحب كتاب “الأغاني” النَّفيس أبي الفرج الأصفهاني(تـ نحو: 356هـ) وفي هذا القرن عاش أبو علي مسكويه(تـ: 421هـ)، فيلسوف الأخلاق، وعاش أبو حيان التوحيدي(تـ: 414هـ)، وكان لهما كتابٌ مشتركٌ، صُنف وطُبع تحت عنوان “الهوامل والشَّوامل”(الإبل السارحة والحيوانات التي تجمعها). عاش في هذا القرن وببغداد أستاذ الفارابي متى بن يونس الحكيم(ت: 328هـ)، وكان يقرأ عليه المنطق، وعاش ببغداد في هذا القرن تلميذ الفارابي يحيى بن عَدي(تـ: 364هـ)، وعيسى بن زرعة(ت: 398هـ) تلميذ يحيى، وغير هؤلاء مِن الفلاسفة والمناطقة كثيرٌ وكثيرٌ جداً. يذكر أبو فرج محمد بن يعقوب النَّديم(تـ: 380هـ) تلميذ الفارابي عدي بن يحيى التكريتي، الذي كان على مذهب النَّصارى اليعاقبة، وإليه انتهت رئاسة أصحابه في القرن الرَّابع الهجري، وقد التقاه صاحب “الفهرست” النَّديم بسوق الكتب، والمعروف أن النَّديم كان وراقاً، وعاتبه على كثرة ما ينسخه مِن الكُتب، ويبدو أنه كان يعيش على النّسخ، ذاكراً للفارابي كتاب “مراتب العلوم”(24) .

تلك كانت البيئة البغداديَّة العلمية، وبهؤلاء عُرف القرن الرَّابع الهجري، وكان أبو نصر الفارابي أحد رموزه العظماء. درس الفارابي على يد متى بن يونس، وحينها كان متى شيخاً مُسناً، ويأتي المئات يقرؤون عليه كتاب “المنطق” لأرسطو طاليس، فأخذ الفارابي يحضر حلقته الدِّراسيَّة، وتأثر بمعانيه وألفاظه الجزلة، وكان بين المئات مِن التَّلاميذ، فلم يكن يشتهر بعد(25) .

عندما وصل الفارابي بغداد حصل على امتيازين، الأول أنه تعلم العربية، وإتقانها، وأخذ يكتب بها، فعندما وصلها كان يعرف التُّركيَّة فقط، وهي لغته الأُم، والامتياز الثّاني هو تعلم المنطق ومنه إلى الفلسفة(26). كانت طريقته بالكتابة على الرِّقاع، أي أوراق وصحف متفرقة، مثلما هو نظام الكارتات في البحث اليوم، غير منضمة بكراس أو كتاب، ولم يكتب في الكراريس إلا القليل(27) .

ترك بغداد إلى حُرَّان، وهي أرض الآن بين الشَّام والعراق، وفيها التقى بالمنطقي يوحنا بن خيلان(أو جيلان وحيلان) الحكيم، وأخذ عنه طرفاً مِن علم المنطق، ثم قفل عائداً إلى بغداد، فنال قراءة كتب أرسطو طاليس، المترجمة، فيصعب اعتباره عندما وصل بغداد كان يعرف اليونانيَّة، مثلما أشار البعض إلى ذلك، وحصل على المهارة اللائقة بما تعلمه مِن أساتذته وكُتب أرسطو، حتَّى يروى أنَّ هناك مَن عثر على كتاب النّفس لأرسطو وعليه عبارة بخط الفارابي “إني قرأت هذا الكتاب مائة مرة”(28) .

لكنَّ مَن يرى أن الفارابي درس عند يوحنا بن جيلان ببغداد وليس بحران، كتب ابن أُصيبعة يقول عمَّا بين الفارابي ويوحنا الحكيم: تعلق بالفلسفة ببغداد عن طريق يوحنا بن حيلان(هكذا وردت)، قرأ عليه كتاب “البرهان”، أيام الخليفة المقتدر العباسي(حكم: 295- 320هـ)، وأن الفارابي عاش ببغداد زمن ليس بالقليل بين (323- 330هـ)(29). كذلك يؤكد ابن صاعد الأندلسي(تـ: 456هـ)، قبل الجميع، أن يوحنا الحكيم ببغداد وليس بحران، وأن الفارابي نبه إلى ما أغفله الفيلسوف يعقوب بن إسحاق الكندي(تـ: 256هـ) بـ”صناعة التَّحليل وإيحاء التَّعاليم”(30). حتَّى وصف صاعد الأندلسي الفارابي بالعبارة: “فيلسوف المسلمين بالحقيقة”(31) .

ولعلَّ عن الفارابي شاع معنى “الفلسفة”، فقال هي “إيثار الحكمة”، فالمركب حسب لغة اليونان “فيلا وسوفيا”، وفيلا: إيثار أو حبّ، وسوفيا تعني الحكمة، وأنَّ الفيلسوف مصطلح منحوت مِن الفلسفة، وبلغتهم “فيلسوفس”، ومعناه “اَلْمُؤَثِّر الحكمة”(32). صنف الفارابي ببغداد أهم كتبه، والذي جمع فيه فلسفته بالوجود، وهو “المدينة الفاضلة”، ولم يتمه فحمله معه إلى دمشق في آخر سنة (330هـ)، وأتمه هناك(331هـ)، وكذلك صنف كتاب “الموسيقى الكبير”، وكان قد ألفه للوزير أبي جعفر محمد بن القاسم الكرخي(وزير الرَّاضي العباسي السّنة 324هـ)، كذلك ببغداد صنف كتابه الجليل “إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها”، وكتابه “أغراض فلسفة أفلاطون”، وفي العلم الإلهي صنف “السّياسة المدنيَّة(33). كذلك اتقن فن العربيَّة ببغداد، وكان يتبادل الدَّرس مع النَّحو بأبي بكر بن السِّراج، هو يقرأ عليه النّحو والسِّراج يقرأ عليه صناعة المنطق، وكان له في العربية كتاب “الألفاظ والحروف”، وقد شاع هذا الكتاب وأصبح معتمداً لدى الدَّارسين الفلسفة وفقه العربيَّة.

يُنقل عن ابن سينا(تـ: 429- 430هـ)بما نفهم منه علو قدر أبي نصر الفارابي بالفلسفة، وعمق فهمه لها، وهو عندما عصى عليه فهم كتاب “ما وراء الطَّبيعة” لأرسطو، حتَّى ظفر بشرح الفارابي له، أو كتاب له بهذا المعنى(34). قال ياقوت الحموي(تـ: 626هـ) المعاصر تقريباً لظهير الدِّين البيهقي ناقلاً لابن سينا: “حضرتُ يوماً في الوراقين(سوق الكُتب) والمنادي يُنادي على كتاب في الحكمة، وعرضه عليَّ، فأعرضتُ عنه، فقال لي: اشتره، فصاحبه مُحتاج، فاشتريته بثلاثة دراهم، وإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض ما بعد الطَّبيعة، فطالعته ففهمتُ الكتاب، وتصدقتُ على الفقراء بشيء كثير شكراً لله تعالى على ذلك”(35) .

أخر اخبار العراق:

نائب يحمل وزارة النفط مسؤولية هدر في ثروة العراق العامة

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
1

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 1637 days old | 928,455 Iraq News Articles | 6,903 Articles in Apr 2024 | 340 Articles Today | from 32 News Sources ~~ last update: 19 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


مقالات قمت بزيارتها مؤخرا



الفارابي.. يومياته بين العراق والشام - iq
الفارابي.. يومياته بين العراق والشام

منذ ٠ ثانية


اخبار العراق

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.






لايف ستايل