اخبار العراق
موقع كل يوم -الحرة
نشر بتاريخ: ٢٢ نيسان ٢٠٢١
الولد للفراش وللعاهرة الحجر..
قاعدة دينية مبنية على حديث نبوي، حتى وإن كان صحيحا، فله زمانه وسياقه الخاص والحدود العلمية التي كانت مطروحة آنذاك (وهو نفس السياق ونفس الحدود العلمية التي أطرت حديث 'صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته'.. والتي تجعلنا اليوم، حتى بإمكانية تحديد رمضان وعير الفطر وعيد الأضحى لسنوات كثيرة مقبلة، نعيش نفس الارتباك خلال الأيام التي تسبق المناسبات الدينية، لأننا غير قادرين على الاحتكام للعلم لتحديد مواعيدنا!).
اليوم، 15 قرنا بعد هذا الحديث بكل حيثيتاه وسياقاته، لاتزال آثاره تحكم حياة مسلمي ومسلمات القرن الواحد والعشرين. حتى بعد أن اكتشف العلم تحليل الحمض النووي (DNA) وبعد أن أصبح إثبات النسب، علميا، ممكنا بنسبة عالية من الدقة تصل إلى 99 بالمائة.
بل أكثر من هذا، ألا يمكننا اليوم أن نسائل منظومتنا الاجتماعية والفقهية والأسرية، التي تعتبر الأسرة هي العماد الوحيد المجتمع، دون أي مكانة للفرد بذاته، خارج سياقات الأسرة؟ مجتمع وفقه وقانون لايزالون مصرين على معاقبة طفل بسبب ما يعتبره خطأ.. لم يرتكبه الطفل نفسه، بل والداه! ما ذنب هذا الطفل أو هذه الطفلة؟ ما الذي يجعله أقل قيمة من أي طفل آخر، عدا أن الثاني ولد صدفة (دون مجهود منه) لأبوين متزوجين...؟ ما الذنب الذي ارتكبه كشخص، بل وكطفل، لكي يعاقبه الدين ويعاقبه القانون ويعاقبه المجتمع؟ لماذا نجعله يدفع ثمن خطأ لم يرتكبه، ويدفع الثمن مدى حياته، خصوصا حين ندرك التبعات المجتمعية والقانونية والاقتصادية لهذا الحكم!
مناسبة هذا الحديث صدور قرار لمحكمة النقض في المغرب، يلغي الاعتماد على تحليلات الحمض النبوي لإثبات نسب طفلة ولدت خارج الزواج. محكمة النقض اعتبرت أنه، بناء على أحاديث نبوية وعدد من الاجتهادات، فإن البنت التي تولد خارج الزواج لا ترتبط بأي شكل من الأشكال بوالدها البيولوجي، رغم أن تحليلات DNA أثبتت نسب الطفلة لوالدها! وقضت المحكمة بأن 'ولد الزنا يكون منقطع النسب من جهة الأب ولا يلحق به بنوة أو نسبا'. بل وذهبت المحكمة إلى اعتبار أن 'هذه البنت تعتبر أجنبية عن أبيها ولا تستحق أي تعويض لأنها ناتجة عن فعل غير مشروع كانت أمها طرفا فيه'!، وقد اعتمدت المحكمة في قرارها على عدد من المراجع الفقهية والقانونية، من بينها المادة 148 من مدونة الأسرة المغربية التي تعتبر أنه 'لا يترتب عن البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية'!
الآن، لنذهب أبعد قليلا في قراءتنا لهذه المعطيات: إن كان القضاء والفقهاء يعتبرون هذه البنت أجنبية عن أبيها، فهل يحق له الزواج منها مثلا؟ إن كان له ولد أنجبه بشكل 'شرعي'، هل يحل لهذا الولد الزواج منها بما أنها أجنبية عن أبيه؟
بالنسبة للفقهاء... نعم!
الشافعي مثلا يعتبر أن 'المتخلقة من ماء الزنا لا تحرم، لأنها لم تعتبر بنتا، بدليل أنه لا توارث بينهما ولا يجوز له الخلوة بها (...)'. فهل نحن قادرون، في إصرارنا على تطبيق الدين كمرجعية لتدبير علاقاتنا وحقوقنا وحقوق الغير، على المضي بعيدا في تطبيق هذه الاجتهادات التي اعتمد على بعضها قاضي محكمة النقض في إصدار حكمه؟ فهذا بدوره اجتهاد فقهي للشافعي، الذي يعتبر مرجعا من المراجع المؤسسة لأصول الفقه!
ثم، كيف نعتبر أن العلاقات الرضائية ستتسبب في اختلاط الأنساب، ونرفض في نفس الوقت نسبا مؤكدا بالعلم...؟ علما أن الأخير يضر بمصالح الطفل ويمكن أن يتسبب بشكل واضح وفاضح في اختلاط الأنساب! كيف نصر على عقاب طفل بسبب خطأ نعتبر أن أمه 'كانت طرفا فيها'؟ كيف نعتمد على أسبقية الفقه مقابل العلم، علما أن أولئك الفقهاء كانوا أبناء زمانهم وسياقهم التاريخي والعلمي والاجتماعي؟
أم أننا نصر على القطيعة مع العلم ومع مفهوم الحقوق؟