×



klyoum.com
iraq
العراق  ١٩ نيسان ٢٠٢٤ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
iraq
العراق  ١٩ نيسان ٢٠٢٤ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار العراق

»سياسة» صوت العراق»

ذكرياتي مع سجين !

صوت العراق
times

نشر بتاريخ:  الأربعاء ٤ أب ٢٠٢١ - ٠٥:١٠

ذكرياتي مع سجين !

ذكرياتي مع سجين !

اخبار العراق

موقع كل يوم -

صوت العراق


نشر بتاريخ:  ٤ أب ٢٠٢١ 

ذكرياتي مع سجين ! . بقلم د. رضا العطار

اذاع تلفزيون بغداد عام 1980 خبر اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم، كان ابرزهم

اللواء الركن عبد العزيز العقيلي والسيد مهدي الحكيم، ثم صدرت احكام الاعدام بحقهما لاحقا فاودع العقيلي السجن واغتيل الثاني بعدئذ في السودان عندما كان يحضر مؤتمرا اسلاميا كان منعقدا هناك .

كنت يومذاك اعمل في مستشفى الرمد ببغداد كأخصائي في طب وجراحة العيون. وقد ارتأت وزارة الصحة عام 1970 ان اداوم ايام الخميس في سجن ابو غريب لتفقد مرضى العيون هناك.

وخلال تجوالي الاول في اقسام السجن المختلفة مررت بجناح الاعدام في قسم الاحكام الثقيلة وهناك فوجئت برؤية العقيلي وهو قابع على ارضية زنزانته منكبا على كتاب، يقرئه دون انقطاع. كانت مساحة الزنزانة لا تتجاوز المترين، يحتل المرفق الصحي نصف منها. فوقفت عنده وقلت له بصوت مسموع، صباح الخير يا استاذ ! انا طبيب عيون، هل من خدمة ؟ لكنه لم يرد و لم يرفع راسه واكتفى بهزة الرأس.

انني لم اقل كلمة استاذ تماشيا مع العرف الاجتماعي انما قلتها لان العقيلي كان استاذي بالذات ، فهو الذي اشرف على مراسيم تخرجي في دورة الاحتياط عام 1966 عندما كان وزيرا للدفاع وهو الذي منحني رتبة ضابط طبيب في الجيش العراقي

لقد كانت هيئة العقيلي في محيطه البائس توحي اليك بالوقار والافراط في الجد. وبالرغم من ان حياته قد اكتسبت طابع الشقاء إلا ان شخصه كله كان يشع نوعا من الهدوء والسكينة، لا يملك المرء حين يراه إلا ان يتألم.

من خلال زياراتي المكوكية المتتالية لسجن ابو غريب، عاصرت اغرب الحكايات ومختلف الاحداث وانواع العذابات، لكنها لم تكن في قسوتها تضاهي ما عاناه العقيلي، روحيا وجسديا.

لم يكتفي العقيلي بجور الادارة وثقل معاناتها، انما كان يفرض على نفسه بنفسه جورا اضافيا اوجده من عندياته متعمدا !

فمثلا انه كان يرفض الخروج من فضاء زنزانته الضيقة جدا صباح كل يوم الى الساحة المحاذية لبنايته والتي تتيح للمحكومين فرصة التمشي والترويض المحددة بثلاثين دقيقة، فكأن العقيلي كان يعتقد بان حرمانه المازوخي للتمتع بالهواء الطلق و مقاطعته لرؤية السماء طيلة سنوات حجزه هو ضرب من التمرد و انكار لواقعه المرير

كان العقيلي بطبيعته رجلا عسكريا جلدا، ذو ارادة صلبة للغاية، وقدرة خارقة في قوته وتحمله وشموخه، انه كان مثالا للصبر والجلد والمكابرة. ولم يكن يهاب احدا.

وفي سنة 1974 واظن انها كانت في اواخرها، مررت كعادتي بالعقيلي اتفقده، وقلت له صباح الخير استاذنا، فرفع راسه (لأول مرة) ونظر في وجهي، وإذا بي اجده مصابا بالتهاب نسيج المنظمة في العينين، فقلت له استاذ عيونك ليست على ما يرام ! فقال نعم انها تألمني وتدمع كثيرا، كتبت له الدواء واوعزت الى المسؤول المرافق ان يجلبه من صيدلية السجن ويقطر بنفسه في عيني المريض ثلاثة مرات في اليوم.

(يُمنع اعطاء زجاجة الدواء الى المحكوم بالاعدام، لئلا يخطر بباله ان يحز شريان يده، بعد كسر الزجاجة، بغية الانتحار)

و في الاسبوع التالي عندما زرت العقيلي، سائني ان ارى مرضه قد تفاقم، فدهشت وفكرت قليلا ثم طلبت زجاجة الدواء، وظهر انه كان خارج الصلاحية، ذهبت الى مسؤول السجن وسردت له الحكاية وطلبت منه ان يرسل معي شخصا الى بغداد بعد انتهاء الدوام بهدف جلب الدواء، وقد استجاب لطلبي.

سررت عندما لاحظت زوال المرض من عيني العقيلي وقد ظهرت علائم الرضا على محياه، وهنا جازفت وسمحت لنفسي ان اطرح عليه السؤال التالي : هل لك يا استاذ ان تخبرني كم كتاب قرأت خلال سنوات احتجازك ؟ فقال 1000 كتاب 500 بالعربي و500 بالانكليزي فعظمته لعلو علمه وسعة ثقافته.

كنت امجد في شخص العقبلي شغفه العارم في اكتساب المعرفة بمختلف ثقافاتها فضلا عن تشغيل فاهمته في العلوم العسكرية والمدنية فهو الخريج من كلية الاركان ومن كلية الحقوق. وقد زادها بقراءة 1000 كتاب.

في الواقع كانت مثابرة العقيلي على المطالعة بهذه الهمة والكثافة ظاهرة غريبة، انه كان يستهلها في الصباح الباكر ويستمر حتى خفوت آخر شعاع لنور النهار.

اعترف دون ان اخفي سرا بان السجين عبد العزيز العقيلي اخذ بمرور السنين ومن خلال رعايتي الصحية له يحظى باعجابي حتى تخيلت شخصيته داخل هالة من الاجلال.

كما وانه لم ينقضي وقت طويل حتى اخذت مظلومية هذا الشخص الغريب في نفسي موضع الحرص والاهتمام. فضلا عما كنت اكن له في قلبي من مشاعر الرأفة والاشفاق، اللذان وسعت عليه ابعاد عطفي واحترامي وحسبته صديقا لي.

كان الجلادون بين حين وآخر يظهرون في قسم الاعدام وقت السحر فجأة، لجلب واحد او اكثر من المحكومين الى المشنقة، كانت اصوات صليل الابواب الحديدية تنذر بالشؤم، فتنفجر بين السجناء صيحات الفزع والهياج ونداءات الاستغاثة تملأ الارجاء ـ

(كل واحد يظن انهم جايين عليه). وفي اعقاب ذلك تنتشر بين السجناء حالات من الخوف والهلع واضطرابات نفسية لا توصف.

ان المحكوم بالاعدام يتوقع كل يوم انه يعيش يومه الاخير، فكيف به لو دامت الحالة عنده اسبوعا او اسابيع وحتى شهورا ونادرا جدا ان تدوم سنين عدة، كما حدث للأستاذ

عبد العزيز العقيلي. وهنا يتضح بان اسلوب التعامل الرسمي مع العقيلي كان مع الاسف متسما بأسلوب الانتقام لا العقاب.

في عام 1975 انخفض حكم الاعدام على العقيلي الى الحكم المؤبد بعد ان امضى خمسة سنوات من حياته في السجن الانفرادي داخل زنزانته تلك، فنقل على اثر ذلك الى سجن الاحكام الثقيلة. وهناك وبمرور الوقت بدأ الضعف والهزال يظهر على العقيلي حتى غدا مريضا ونزل وزنه الى 40 كيلوغرام، وتقيح جلده وسقط شعره وتعطل عنده جهازه الهضمي وفقد بصره وتُرك بدون علاج. ودخل حالة الغيبوبة انتهت بوفاته عام 1981.

لنقف هنا وقفة تاريخية و نعلن للملأ بان العراق كان ضمن الدول التي وقعت على معاهدة جنيف عام 1924 بخصوص كيفية معاملة السجناء والتي تنص بضرورة اطلاق صراح السجين لو اصيب إما بمرض السرطان او بفقدان البصر، ليقضي بقية حياته بين اهله وذويه. لكن السلطة الحاكمة في العراق تنصلت من تعهدها وارتباطها الاخلاقي المعمول بها دوليا واحتفظت بسجينها دون رعاية.

كثير من الناس لا يدركون ان للحيوانات شريعة اخلاقية يعيشون بموجبها ويتقيدون بها، افضل من تقيد البشر بشريعتهم.

هذا النص يذكره البروفيسور دومينيك لاكابرا المؤرخ في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة في الصفحة الاولى من كتاب (العدالة في عالم الحيوان).

كم تمنيت في قرارة نفسي ان (تنكلب الطاسة) بقدرة قادر عبر ثورة مضادة ويصبح العقيلي هو الرئيس الفعلي للعراق، اثقف رئيس جمهورية في العالم اجمع، ينقذ العراق من حاكمه البعيد عن صرح الثقافة، ومن نظامه وشروره.

فلو كانت الاماني متحققة في السبعينيات لكان العراق في اكثر احتمال مصانا من الكوارث والنكبات.

فلم تُشن الحروب العبثية على دول الجوار، ولما كان لحق بالعراق من جراء سياسات الطيش والتهور ذلك الحصار القاتل وموت مليون طفل عراقي، ولما كان العراق خضع الى الاحتلال الامريكي و الايراني، ولما كان خمسة ملايين عراقي ترك الوطن، ولما خُربت البنية التحية وتفشت الطائفية والتفرقة العقائدية وانتشر الفساد وعمت اللصوصية حكام البلاد حتى غدا العراق عالميا في آخر قائمة الشفافية.

اني اعتقد جازما أنه لو كان العراق في السبعينيات تحت ادارة العقيلي، لما جُففت اهوارنا ولما انقرضت عندنا الثروة السمكية وقُطعت رؤوس اكثر من تسعة ملايين نخلة مثمرة ولما كانت عشرات الالوف من العوائل الفلاحية حرمت من رزقها وتشردت وهم الأمتداد التاريخي والبيولوجي لحضارة الدولة السومرية، مما اضطرت الى ترك مناطق سكناها واللجوء الى دول الجوار.

لو كان القدر اراد لعراقنا العزيز خيرا، لما هُجًر قسرا زهاء مليون عراقي في الثمانيات الى ايران بحجة التبعية. ولما عم ارض العراق الطيبة مقابر جماعية، يدفن فيها الشباب نصف احياء

لا لذنب اقترفوه سوى انهم كانوا ضد حكم الطغيان .

كان اللواء الركن عبد العزيز العقيلي يُعد من ابرز الزعماء العراقيين الذين اشتهروا بمواقفهم القوية وبصلابتهم التي لا تلين واحترامهم للقانون وتقديسهم للمال العام، مع منجزاتهم الكبيرة وعدم تراجعهم عن قراراتهم ومحاربتهم للفساد والرشوة والوساطة والعصيان. عاش ومات اعزبا بلا زواج. انه كان صلبا عنيدا وعاملا نشيطا من الصعب عليه قبول الاخرين، كما كان له القدرة في ان يقدم حلولا و مقترحات سريعة ونافذة وقوية وناجحة فضلا عن انه كان لا يقبل بالتنازل ولا بالحلول الوسط بل باستخدام القوة لاعادة النظام والقانون الى نصابهما. كان هو نفسه على الخط العسكري وكان بمقدوره تسلم حكم العراق بسهولة اثر مصرع الرئيس عبد السلام عام 1966

( اقول، لو انه كان العقيلي قد تسلم الحكم، لأسنده الشعب، خاصة وانه كان صديقا للراحل عبد الكريم قاسم ) لكنه آثر ان ينتخبه الضباط العراقيون الذين رجًحوا بدورهم ترشيح اخيه عبد الرحمن عارف لرئاسة الجمهورية. لم يكترث العقيلي، إذ كان يتمتع بشخصية مكابرة ومغايرة لا يمكن ان يتنازل عن رأيه لأحد ولا يمكن ان يقبل إلا بالكفوئين والاذكياء للعمل

لقد كان العراق على مفترق الطرق عند نهايات عهد عبد الرحمن عارف وبين جماعتين اولهما جماعة العقيلي وثانيهما جماعة البكر. لقد اعتقد الناس يوم 17 تموز 1968 ان العقيلي هو الذي سيقود البلاد، فإذا بهم يفاجئون بالبعثيين يمسكون مقاليد السلطة.

لقد القي القبض على العقيلي عام 1968 بتهمة الاشتراك في مؤامرة لقلب نظام الحكم كما ذكرنا اعلاه، واستدعاه صدام حسين للتحقيق معه بنفسه، فإستفزًه صدام واهانه، فرد العقيلي الأهانة بالبصاق على وجهه. (هذا ما يرويه جليل العطية الذي شارك العقيلي فترة محنته). كان العقيلي قويا ومعاندا، انه لم يضعف ولم يهن ورفض الاعتراف بما كان يملئ عليه ولم يستسلم ويخرج على التلفزيون في اعترافات مفربكة كاذبة.

هذا ما يرويه الدكتور سيار الجميل في كوكل..

رحم الله اللواء الركن عبد العزيز العقيلي الذي عاش ومات من اجل استقلال العراق وسيادته، من اجل عزه وازدهاره

الدكتور رضا العطار

واشنطن عام 2021

أخر اخبار العراق:

مراهقين بين الجريمة والاكشن

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
1

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 1631 days old | 926,845 Iraq News Articles | 5,291 Articles in Apr 2024 | 70 Articles Today | from 32 News Sources ~~ last update: 20 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


مقالات قمت بزيارتها مؤخرا



ذكرياتي مع سجين ! - iq
ذكرياتي مع سجين !

منذ ٠ ثانية


اخبار العراق

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.






لايف ستايل