طبيب نيجري يكشف تأثير كورونا على حملات التطعيم التقليدية

في شهادة مهمة، كشف طبيب نيجري تفاصيل عمله مع منظمة 'أطباء بلا حدود' ضمن طواقم حملات التلقيح، مشيرا إلى المصاعب التي تواجه تلك الطواقم وظروف عملها، فضلا عن التأثير 'السلبي' عليها من جراء حملات التطعيم ضد كورونا.

بدأت قصة الدكتور مامان كارسو مع منظمة 'أطباء بلا حدود' عام 2008 في بلدته ماغاريا التابعة لإقليم زيندر في النيجر، حين انضم إلى فريقها الطبي بعد أشهر من حصوله على شهادة الطب.

في عام 2016، التحق كارسو بطواقم 'أطباء بلا حدود' الدولية، وقد أنهى مؤخرا آخر بعثة له منسق طوارئ مسؤولا عن حملة اللقاح في النيجر، التي استمرت حتى نهاية يونيو 2021.

يقول كارسو: 'أجريتُ 12 حملة لقاحات مع أطباء بلا حدود، نقدم اللقاحات الدورية في دول شتى حول العالم تبعاً للاحتياجات. لكن حملة هذا العام في النيجر كانت مليئة بالتحديات'.

'التحدي الأول الذي واجهنا كان التعامل مع النقص المقلق في تغطية اللقاح مقارنة بالسنوات الماضية. على سبيل المثال، في نيامي عاصمة النيجر، حيث كنت أنسق عام 2020 أنشطة حملة اللقاح، لم تحقق أي منطقة صحية نسبة 85 في المئة من التغطية ضد الحصبة. ووفق توصيات منظمة الصحة العالمية يجب أن تصل نسبة التغطية إلى ما لا يقل عن 95 في المئة، لضمان حماية الناس ضد الحصبة. وإذا ما استمر هذا التوجه في معدل تغطية اللقاح بالتدهور، فقد يؤدي إلى تفشي حاد في الأمراض خلال الأعوام المقبلة'.

ويلفت كارسو إلى مسألة مهمة: 'لاحظنا هذا العام بعض الخلط لدى الأهالي فيما يخص اللقاحات التي تجريها فرق وزارة الصحة العامة ضد كوفيد-19، وحملة اللقاح الاستدراكية ضد الحصبة التي نقوم بها. أدى الخلط إلى مستوى مشاركة منخفض بين الأهالي. وتعاملت فرقنا في نيامي، كما في ماغاريا، مع الشائعات والمعلومات الزائفة التي كانت تُتَداول منذ العام الماضي فيما يخص لقاح كورونا، وكان لها أثر كبير على برنامج اللقاحات الدورية. لدى الناس الآن شكوك تجاه اللقاحات التي تُعطى لهم وهذا باعتقادي أكبر تحد لنا'.

أثناء آخر تفشٍ كبير لوباء التهاب السحايا في النيجر، كان الناس يذهبون إلى الصيدلية لشراء اللقاح بأنفسهم، ولكن 'نفس الآباء الذين اشتروا هذا اللقاح دون تردد في عام 2015، لم يعودوا يثقون به الآن'، يقول الطبيب النيجري.

ويعتبر أن 'التحدي الثاني الذي يجب معالجته هو الأثر الاجتماعي الاقتصادي على النظم الصحية. فعلى سبيل المثال واجهنا هذا العام تأخيراً في تأمين لقاح ضد التهاب السحايا والحصبة بسبب انخفاض المخزون السنوي من اللقاحات في النيجر. منذ بداية جائحة كوفيد-19، شهدنا حشداً أكبر للتمويل لتطوير لقاحات ضد فيروس كورونا ولعلاج مرضى كوفيد-19 في المستشفيات في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، في البلدان الأكثر عرضة للأوبئة مثل النيجر، لا يمكن لأحدهما استبدال الآخر. لذلك يجب ضمان التوزيع العادل للتمويل لتجنب تدهور الوضع الصحي في البلاد'.

وإلى جانب تلك التحديات المرتبطة مباشرة بكوفيد-19، هناك أيضاً حقيقة لم يعد بالإمكان تجاهلها وهي تغير المناخ الذي يؤثر بلا شك في حدوث الأوبئة، بحسب كارسو.

فخلال موسم الجفاف، يلعب الغبار الكثيف في مناطق مثل الساحل والصحراء دوراً في انتشار التهاب السحايا، وهو بكتيريا تنتقل عن طريق الهواء. تميل الأوبئة إلى الزوال من تلقاء نفسها عندما يبدأ موسم الأمطار، ولكن مع تغير المناخ، كان هطول الأمطار غير منتظم في نيامي وماغاريا، و'نتيجة لذلك رأينا أن حالات التهاب السحايا والحصبة بقيت مرتفعة'.

وفي غضون ثلاثة أشهر ونصف، قامت منظمة أطباء بلا حدود بتلقيح أكثر من 600 ألف طفل ضد الحصبة والتهاب السحايا بالتعاون مع وزارة الصحة العامة في نيامي وماغاريا.

وفي نيامي، تم تطعيم أكثر من 163 ألف طفل ضد التهاب السحايا، وأكثر من 174 ألفا ضد الحصبة، وفي ماغاريا، لقحت فرق 'أطباء بلا حدود' 349 ألف طفل ضد التهاب السحايا.

وعملت منظمة أطباء بلا حدود مع وزارة الصحة العامة لسنوات عديدة استجابةً للأوبئة في النيجر. ومنذ بداية العام، قدمت استجابات لتفشي الحصبة والتهاب السحايا في مناطق دوسو وتاهوا وأغاديز وتيلابيري وديفا وزيندر ونيامي.

ويعتبر كارسو أنه 'بينما يخوض العالم نزالاً مع كوفيد-19، لا يمكننا أن ندع الجهود التي بذلت على مدار سنوات من مكافحة الأوبئة الأخرى في بلدان مثل النيجر تذهب سدى'.

ويوضح: 'لا يسمح لنا الوضع الوبائي بترك أنشطة التطعيم الدورية تضعف ولا يمكننا انتظار تفشٍ وبائي آخر لإطلاق حملة تطعيم جديدة. التهاب السحايا والحصبة مرضان معروفان، ليسا جديدين، وللمجتمعات دور مهم للغاية تؤديه في مكافحة هذين الوباءين. وبمساعدة الجميع سننجح في القضاء على هذه الأمراض كما كان الحال في دول أخرى من العالم'.

ويؤكد الطبيب الشاب: 'بصفتنا أعضاء في منظمة طبية تتعامل مع الطوارئ، نواصل التصدي لتفشي الأوبئة المتكررة المنتشرة كل عام في النيجر كما في بلدان أخرى من العالم. وعلى مدى سنوات شاركنا في هذه المعركة ضد الأوبئة في بعثاتنا المختلفة، وفي كل مرة، نعتمد على التجارب السابقة للاستعداد بشكل أفضل لما هو آت'.

ويضيف: 'نحن بحاجة إلى تكثيف جهودنا في التثقيف والمشاركة المجتمعية خاصة في السياقات التي تنتشر فيها الشائعات، التي بدورها تُثني الناس عن التطعيم. تصحيح هذا مسؤولية الجميع: المجتمعات والسلطات والمنظمات الطبية والإنسانية وكذلك الشركاء الماليين'.