نجاة عبد الرحمن تكتب: 30 يونيو.. استرداد الوطن وفتح الأبواب أمام ذوي القدرات الخاصة
klyoum.com
في تاريخ الأمم، هناك لحظات فاصلة لا تُنسى.. لحظات يخرج فيها الشعب ليقول كلمته، ليسترد روحه، وهويته، ومستقبله. هكذا كانت ثورة 30 يونيو 2013، صوت الملايين الذين نزلوا إلى الشوارع لا بحثًا عن الخبز فقط، بل عن الكرامة، والعدل، والهوية التي كادت أن تُمحى.
في ذلك اليوم، لم يكن المصريون يثورون فقط على جماعة أو نظام سياسي، بل كانوا يدافعون عن فكرة الوطن نفسها، عن حضارة سبعة آلاف عام كادت تُختطف على يد من لا يؤمنون بالعلم، ولا يعرفون قيمة الفن، ولا يدركون معنى الإنسانية. كانت الجموع التي ملأت الميادين تقول للعالم: هذه مصرنا، ولن نتركها لمن أراد بها التجهيل والتفتيت.
لكن حين نتحدث عن الكرامة، لا يجب أن ننسى شريحة من أبناء الوطن ظلت لسنوات طويلة خارج دائرة الاهتمام: أصحاب القدرات الخاصة. تلك الفئة التي لطالما صرخ أبناؤها وأهاليهم في صمت، يطلبون فقط ما هو حقهم: أن يُنظر إليهم كبشر، كمواطنين، كأصحاب حق في العيش، والتعلم، والعمل، والمشاركة.
30 يونيو لم تكن فقط ثورة على حكمٍ قمعي أو مشروعٍ ظلامي، بل كانت إعلانًا جديدًا عن أن مصر لكل المصريين. ومنذ تلك اللحظة، بدأ وعي الدولة والمجتمع يتغير تجاه أصحاب القدرات الخاصة. شيئًا فشيئًا، لم يعودوا مجرد ملف مهمل في الأدراج، بل صاروا جزءًا من الحلم، ومن خطة البناء.
لقد بدأت الدولة المصرية، بعد الثورة، في اتخاذ خطوات ملموسة لتكريم وتمكين أصحاب القدرات الخاصة:
صدرت قوانين وتشريعات تضمن لهم الحق في التعليم، والعمل، والحماية من التمييز.
أعلنت القيادة السياسية عام 2018 "عام أصحاب القدرات الخاصة"، في رسالة واضحة أن مصر الجديدة لا تترك أحدًا خلفها.
وُفرت برامج تدريب وتأهيل، وأُطلقت مبادرات لدمجهم في المجتمع، ولإزالة النظرة النمطية عنهم.
هذه الخطوات لم تكن شكلية أو دعائية، بل كانت تعبيرًا عن تحول عميق في فلسفة الدولة الحديثة: أن القوة ليست في السلاح فقط، بل في رقي الإنسان. وأن العدالة لا تُقاس فقط بعدد المحاكم، بل بمدى اتساع القلب الذي يحتضن كل من يعيش على هذه الأرض.
لكن، رغم هذه الخطوات، فإن التحدي لا يزال قائمًا.. لأن الثورات الحقيقية لا تنتهي عند لحظة الانتصار في الشارع، بل تبدأ من التغيير داخل النفوس.
هل غيرنا نظرتنا لأصحاب القدرات الخاصة داخل بيوتنا؟
هل منحناهم المساحة ليتحدثوا، ليحلموا، ليقودوا؟
هل أدركنا أن أصحاب القدرات الخاصة لا يحتاجون إلى شفقة، بل إلى احترام وتمكين؟
ولأن الثورة لا تكتمل إلا حين تصبح إنسانية في جوهرها، فإن أصحاب القدرات الخاصة هم مِرآتنا الأصدق. فيهم نختبر مدى نضجنا كمجتمع، ومدى صدقنا حين نُردد شعارات العدل والمساواة.
إن الثورة التي لا تصل إلى الإنسان، لا تكتمل.
و30 يونيو كانت، في جوهرها، ثورة إنسانية، تمس القلب قبل أن تغير السلطة. كانت صرخة من كل أبٍ يرى ابنه بلا فرصة، ومن كل أمٍ تتمنى لابنتها مكانًا آمنًا في مدرسة، ومن كل شاب على كرسي متحرك يحلم بأن يكون جزءًا من فريق، أو موظفًا في شركة، أو نجمًا في سماء بلاده.
اليوم، ونحن نسترجع ذكرى الثورة، علينا أن نربط بين الوطن الذي نريد بناءه، والإنسان الذي نريد أن نكونه.
أصحاب القدرات الخاصة ليسوا "عبئًا"، بل هم كنز مصر الحقيقي. فيهم الفن، والموهبة، والإصرار، والبراءة التي تذكّرنا بجوهر الإنسان.
علينا أن نراهم كما يجب أن نرى مصر: جميلة، قوية، تستحق أن تُحَب وتُصان.
هم لا ينتظرون صدقة، بل فرصة.
لا يريدون تمييزًا، بل مساواة.
لا يطلبون أن نرفعهم على الأعناق، بل أن نمشي معهم على الأرض نفسها، بنفس الإيمان، ونفس الأمل، ونفس الأفق.
في النهاية، 30 يونيو كانت بداية الطريق، أما الغاية الحقيقية، فهي وطن يتسع للجميع، يُنصت لكل صوت، ويمنح كل إنسان الفرصة ليكون، ويحقق، ويزدهر.
وما زال على المجتمع دور كبير. فالمعركة لم تنتهِ، بل انتقلت من الشوارع إلى العقول، ومن الهتافات إلى القرارات، ومن السياسة إلى القيم.
ولا كرامة لشعبٍ يتقدم ويترك خلفه من يملك طاقة قادرة أن تغيّر وجه الحياة لو أُتيحت لها المساحة.
تحية لمن حمى الوطن.. وتحية لمن يحلم بالحق في هذا الوطن.
تحية إلى كل طفل أو طفلة تخطوا عتبة المدرسة بصعوبة، لكنهم يحلمون بالتعلم.
تحية إلى كل شابٍّ يتحدى الكراسي، والمجتمع، والسقف المنخفض.
تحية إلى كل أم مصرية لم تتخلَّ عن ابنها المختلف، بل آمنت أنه مِلكُ وطن لا يعرف المستحيل.