انتعاشة مسرحية في مصر... فهل يعود أبو الفنون؟
klyoum.com
أخر اخبار مصر:
أستاذ جامعي: الحضارة المصرية حصن راسخ ضد محاولات الطمستجارب فنية مميزة أبطالها شباب جدد مع غياب نجوم الصف الأول وهذه عقبات المسرح الخاص
عرِفت مصر المسرح منذ بداياته، وكانت من أوائل الدول بالمنطقة التي لديها مسرح بشكله ومفهومه الحديث، ومنذ بدايات القرن العشرين شهد فن المسرح تطورات متلاحقة فقد شكل ظهور الفرق المسرحية آنذاك طفرة كبرى في مجال المسرح، مثل فرقة نجيب الريحاني وفرقة جورج أبيض وغيرهما الكثير من الفرق المسرحية التي أحدثت رواجاً كبيراً خلال هذه الحقبة، ولاقت إقبالاً كبيراً، وكانت مدرسة لكثير من النجوم الذين انطلقوا لاحقاً في المسرح والسينما على السواء.
طبقاً لرأي المؤرخين فإن حقبة الستينيات شهدت ذروة الإبداع المسرحي المصري، سواء من حيث النصوص أو القامات الفنية في التمثيل والإخراج، فخرجت كثير من العروض الجادة التي أثرت في ذائقة الجمهور، وأضافت إلى تاريخ المسرح في مصر.
لاحقاً، بدأ المسرح الخاص في الانتشار، وحقق نجاحاً كبيراً منذ فترة السبعينيات، وكان الموسم المسرحي يضم أعمالاً متعددة لنجوم الصف الأول تحقق نجاحاً كبيراً ويقبل على حضورها المصريون والعرب على السواء، وكثير منها لا يزال حاضراً على شاشات التلفزيون، وربما كان المسرح الخاص هذه الفترة أكثر حضوراً من المسرح العام، وأكثر إقبالاً من الجمهور.
إلا أنه خلال العقد الأول من الألفية بدأ المسرح الخاص في الخفوت إلا من عروض محدودة، وبدأ كبار النجوم في التواري عن المسرح العام والخاص على السواء إلا من تجارب قليلة يقدمها فنانون مهتمون ومقدرون لأهمية وقيمة المسرح.
في الآونة الأخيرة أصبح ملاحظاً وجود انتعاشة في الحركة المسرحية في مصر بعروض متعددة مختلفة التوجهات حقق بعضها نجاحاً كبيراً على المستوى الفني بشهادة آراء النقاد، وعلى المستوى الجماهيري بالإقبال على شباك التذاكر، إذ إن بعضها كانت ليالي العرض دائماً كاملة العدد.
يقول سامح بسيوني، مدير مسرح الطليعة، "الفترة الحالية تشهد نهضة مسرحية كبيرة، وهناك كثير من الأعمال المتميزة، ومن الملاحظ أن الشباب لهم مشاركة كبيرة في هذا الوضع فالفرق الشبابية والفرق المستقلة أحيت المسرح المصري، وقدمت أعمالاً بمستوى شديد التميز، هناك حالة كبيرة من الإقبال على المسرح في الوقت الحالي وبعض المسارح تكون كاملة العدد والجمهور متنوع بين الشباب والكبار والعائلات وكل فئات المجتمع باعتبار أن هناك عروضاً مسرحية تناسب الجميع".
ويضيف، "تجارب مسرحية كثيرة في الفترة الأخيرة حققت نجاحات كبيرة، وحصلت على جوائز في مهرجانات ومسابقات، إضافة إلى عروض الثقافة الجماهيرية في المحافظات، الملاحظ حالياً على الساحة هو غياب المسرح الخاص، وتألق كبير للمسرح العام في الفترة الأخيرة بعروض متميزة".
منذ إنشائه منذ أكثر من 100 عام والمسرح القومي بالقاهرة هو واحد من أهم المسارح في المنطقة العربية بكاملها، قدمت عليه عروض لكبار المسرحيين سواء في الكتابة أو التمثيل والإخراج، وأصبح وجهة أساسية لكل محبي المسرح في مصر على مدار أكثر من قرن.
وقد يعتقد البعض أن العروض الجادة والمسرح الرصين أو العروض المستوحاة من الأدب العالمي لا تلقى إقبالاً كبيراً في هذا العصر، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك فكثير من هذه النوعية من العروض يكون المسرح كامل العدد معظم الوقت، وعلى سبيل المثال تعرض حالياً في هذا الموسم مسرحية الملك لير للفنان يحيي الفخراني، وتلاقي إقبالاً غير مسبوق، حتى إن البعض لا يستطيع أن يجد حجزاً في المسرح المحجوز بالكامل لأيام مقبلة مما يدلل على أنه لا يزال هناك جمهور حريص على حضور مثل هذه النوعية من العروض المسرحية.
وعلى رغم أن المسرح هو أصل الفنون إلا أنه في العصر الحالي قد يعتقد البعض بأن الأجيال الجديدة أصبحت تفضّل الاتجاه لأنواع أخرى من الفنون مثل السينما والتلفزيون باعتبارها أقل مجهوداً وأكثر ربحاً والانتشار الذي يتحقق منها أكبر بكثير من العروض المسرحية، باعتبار أنها تدخل لكل بيت عبر التلفزيون والمنصات الرقمية المختلفة، وربما يعتقد البعض بأن الإقبال على دخول معهد الفنون المسرحية، الذي تضمه أكاديمية الفنون أصبح أقل من فترات سابقة، باعتقاد أن التوجه الأكبر حالياً من الفنانين لا يتجه نحو المسرح.
الفنان أيمن الشيوي، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية ومدير المسرح القومي المصري، يقول "معهد الفنون المسرحية هو جزء من أكاديمية الفنون، وهو يعلّم حرفية التمثيل بشكل عام، ويدرس فيه الطالب جميع أنواع التمثيل والإخراج، وبشكل عام المسرح هو الأساس، فالممثل المسرحي سيكون قادراً على التمثيل في السينما أو التلفزيون، وهذا يدفع كثيراً من الشباب المحبين للتمثيل للالتحاق به، لأنه بداية قوية لدخولهم مجال الفن، وهذا ما يحدث بالفعل، فالإقبال على دخول المعهد لا يزال كبيراً، وبشكل عام حضور الشباب في الحركة المسرحية حالياً كبير وواضح".
ويستكمل، "مصر من أكثر الدول إنتاجاً للمسرح، ولدينا أنواع متعددة من العروض تقدم تجارب مسرحية متنوعة مثل المسرح العام، والثقافة الجماهيرية، والفرق المستقلة، والمسرح الجامعي، إضافة إلى المسرح الخاص، وكل منها يقدم شكلاً وطابعاً مختلفاً، المتابع لعروض مهرجان المسرح المصري هذا العام والذي يمثل حصاد المسرح المصري في سنة يلاحظ التنوع والجودة وبالفعل هناك تجارب شديدة التميز، هناك دفعة كبيرة للمسرح حالياً نتمنى أن تستمر ويكون هناك المزيد في المستقبل".
تقديم كبار النجوم لعروض مسرحية أحياناً يكون دافعاً وأحد عوامل تشجيع الجمهور على حضور المسرحية، وكان هذا ما يحد منذ عقود كان هناك اهتمام من النجوم بالوقوف على خشبة المسرح، وكان هناك وجود كبير للمسرح الخاص، وكان الموسم الصيفي يشهد عروضاً كثيرة في القاهرة والإسكندرية باعتبارها كانت مركزاً صيفياً ووجهة رئيسة للمصيفين خلال هذه الفترة، وكان الموسم الواحد يشهد أكثر من عمل مسرحي يتنافس فيها كبار النجوم، ويؤدي هذا إلى إثراء كبير للحركة المسرحية بوجود تنوع كبير وحضور للمسرح الخاص، بدأ هذا الوضع في التراجع وتوارى نجوم الصف الأول عن المسرح إلا من حالات معدودة تظهر بين حين وآخر.
بعض التجارب "الخاصة" حاولت إحياء المسرح الخاص، لكن بحضور شبابي ووجوه جديدة مثل تجربة الفنان أشرف عبد الباقي مع مسرح مصر على سبيل المثال، وتجربته الجديدة حالياً تحت اسم "سوكسيه" التي تقدم في مسرح الريحاني بالقاهرة، ونقلت خلال شهور الصيف لمدينة العلمين، باعتبارها الوجهة الصيفية حالياً التي تشهد معظم الفعاليات الفنية والثقافية خلال فصل الصيف، لتقدم إضافة إلى العروض المسرحية حفلات موسيقية وستاند آب كوميدي.
يقول المخرج المسرحي محسن رزق، "في ما يتعلق بالقطاع الخاص فهو أصبح غائباً بشكل كبير، وهذا له أسباب متعددة أولها وأهمها مغالاة النجوم في الأجور، فالمنتج حينما يضع موازنة لعرض مسرحي سيجد أن معظم الموازنة ستذهب إلى أجر النجم، ثم سيحتاج إلى مبلغ ضخم لإيجار المسرح والديكورات وأجور العاملين وبقية الممثلين، هذا إضافة إلى وجود ضرائب ضخمة يجري دفعها على العروض المسرحية، وتأمل بأن تنظر الدولة في هذا الأمر دعماً للحركة المسرحية، فبالنهاية سيكون سعر التذكرة مرتفعاً جداً بالنسبة إلى الجمهور، ليغطي كل هذه التكاليف فيحجم المنتجون عن الإنتاج المسرحي من الأساس".
وأضاف، "في الوقت نفسه هناك قطاع من نجوم الصف الأول أصبح ليس لديهم وعي بقيمة وأهمية المسرح فلا يقبلون عليه بعكس نجوم زمن سابق، فمثلاً عادل إمام في أوج تألقه كان حريصاً على المسرح بشكل كبير، وكانت عروضه المسرحية تستمر سنوات وتحقق نجاحات طاغية وغيره الكثير، لكن الواقع الحالي يختلف على رغم الأهمية الكبيرة للمسرح فهو فن وعلم وثقافة".
ويستكمل رزق، "عند الحديث عن المسرح في مصر فالأمر له أكثر من شق، ففيما يتعلق بالمبدعين لدينا فنانون على قدر كبير من التميز في كل المجالات كالكتابة والتمثيل والإخراج وغيرها من العناصر المسرحية وكل العناصر اللازمة لعمل عرض مسرحي ناجح متوافرة، والشباب حالياً يقوم بطفرة في المسرح بداية من المسرح الجامعي ومسارح الهواة والفرق المستقلة وأيضاً في مسرح الدولة، الجميع يبذل أقصى جهده للخروج بعروض مسرحية مميزة، وإن كان ينقص المسرح بعض الدعم في الأساسيات، مثل البنية الأساسية للمسارح وتوفير الخدمات، إضافة إلى أن المسرح يواجه حالياً منافسة من وسائل متعددة تعتمد على الإبهار، فمن هنا يجب العمل على توفير أحدث الأجهزة في ما يتعلق بالصوت والإضاءة لإبهار المتفرج ومواكبة التطور".
بين عناصر كثيرة يعتمد عليها المسرح وتتكامل لتحقيق عرض مسرحي متكامل يمكن اعتبار النص هو الأساس، فالنص المسرحي الجيد ستضيف إليه بقية العناصر مثل التمثيل، والإخراج، والموسيقى والديكورات ليخرج بالنهاية عمل مسرحي متكاملاً، أما في حال كان النص ضعيفاً فسينعكس ذلك على العمل بكامله مهما كانت قوة بقية العناصر.
على مر السنوات تعاقب على مصر كتاب مسرحيون مبدعون بعضهم حقق نجاحات عظيمة، وكانت تجربتهم ملهمة لأجيال لاحقة ومن بينهم سعد الدين وهبة، ألفريد فرج، ونعمان عاشور، وعبد الرحمن الشرقاوي، وصلاح عبد الصبور وغيرهم الكثير ممن قدموا أعمالاً أصبحت الآن جزءاً رئيساً من التراث المسرحي المصري، وحتى الآن لا تزال هناك نصوص مسرحية متميزة ولكن بشكل عام كيف هو واقع الكتابة للمسرح في الوقت الحالي؟ وهل لا يزال يقبل شباب الكتاب على الكتابة للمسرح أم جذبتهم فنون أخرى؟
يجيب الكاتب المسرحي ميسرة صلاح الدين، "النص المسرحي هو حجر الزاوية في صناعة المسرح، منذ بداية ظهور المسرح كان النص هو الأساس، فعندما نعود بالزمن نجد أن المسرح كان معتمداً على الكاتب مثل مسرح شكسبير على سبيل المثال، وحتى مراحل المسرح الجديدة مثل التجريب والحداثة ارتبطت بالمؤلف، مع فترة منتصف التسعينيات التي ظهر فيها مسرح ما بعد الدراما حدث نوع من التخلي عن النص المسرحي، وبدأ يظهر الارتجال والاختلاف في العرض بين يومٍ وآخر، لكن المسرح المنضبط يعتمد بالأساس على الكتابة الجيدة".
ويتابع ميسرة، "في مصر حالياً لا توجد أزمة نصوص، ويوجد عدد كبير من الكتاب يقدمون أعمالاً متميزة ويبذلون جهداً كبيراً من كل الأجيال، لكن الأزمة في عاملين الأول هو جهات الإنتاج، لدينا انحسار كبير في الإنتاج للمسرح، وإن وجد في كثير من الأحيان يعتمد على إعادة تدوير نصوص أنتجت سابقاً، باعتبار مجهودها وتكلفتها ستكون أقل، الأمر الثاني هو الجهات الرقابية، البعض تجنباً لحدوث أزمات يعتمد على إنتاج نصوص من الأدب العالمي المعروف".
ويضيف، "المحافظات بها فرق مسرحية في قصور الثقافة وغيرها، وتقدم عروضاً بأبسط الإمكانات، ولدينا شباب مبدعون في الكتابة للمسرح والتمثيل والإخراج"، لافتاً إلى أن أمراً آخر شديد الأهمية هو أنه "لا بد أن يكون هناك مشروع لتوثيق العروض المسرحية الحديثة، باعتبار أنها هي تاريخ مصر المسرحي، العروض التي أنتجت في عصور سابقة وصلت إلينا من تسجيلاتها وأصبحت جزءاً من الذاكرة الفنية، ولا بد أن يكون هناك مشروع يعني بتوثيق الجديد في عالم المسرح".