عاجل| سيناريوهات محتملة لعودة واشنطن للوساطة في أزمة سد النهضة
klyoum.com
أخر اخبار مصر:
صبري فواز يشيد بفيلم هابي بيرث دايرغم من مرور أكثر من عقد على اندلاع الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، فإن الأزمة لا تزال تراوح مكانها، وتعيد كل فترة إلى الواجهة جدلًا إقليميًا ودوليًا يتجدد مع كل تصريح أو تحرك سياسي جديد.
ومع تصاعد التوتر مجددًا بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية ما تصفه مصر بـ"الإدارة غير المنضبطة للسد"، عادت الأنظار لتتجه نحو واشنطن، بعد تلميحات رسمية أمريكية إلى احتمال تدخل الرئيس دونالد ترامب في الأزمة لإطلاق وساطة جديدة قد تفتح بابًا للحل بعد سنوات من الجمود، بحسب تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية.
عودة محتملة للدور الأمريكي
إشارات واشنطن إلى إمكانية عودتها للوساطة في ملف السد، أعادت الأمل إلى الأوساط السياسية في القاهرة التي ترى أن إدارة ترامب قد تمتلك هذه المرة أدوات ضغط قادرة على إحداث اختراق حقيقي، خصوصًا في ظل التغيرات الكبيرة في المشهدين الإقليمي والدولي.
فبينما فشلت محاولات الوساطة السابقة التي رعتها الولايات المتحدة خلال الولاية الأولى لترامب، يبدو أن المناخ الحالي أكثر تهيؤًا لتدخل فعّال، لاسيما بعد انخراط واشنطن مجددًا في ملفات الشرق الأوسط الحساسة عقب دورها في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
وتؤكد مصادر دبلوماسية أن القاهرة تسعى إلى استثمار هذا الزخم الأمريكي في المنطقة من أجل دفع واشنطن إلى لعب دور الوسيط النشط في الأزمة، معتبرة أن الولايات المتحدة هي "الطرف الوحيد القادر على ممارسة ضغط متوازن على كل من إثيوبيا ومصر في الوقت ذاته".
وتضيف هذه المصادر أن "الولايات المتحدة تدرك خطورة استمرار التصعيد بين القاهرة وأديس أبابا، ليس فقط على الأمن المائي، بل على استقرار القرن الأفريقي بأكمله".
السد بين الخلافات القانونية والمخاوف المائية
منذ أن بدأت إثيوبيا تشييد سد النهضة على النيل الأزرق قبل أكثر من عشر سنوات، ظلت القاهرة والخرطوم تعبران عن مخاوفهما من تأثير السد في حصصهما التاريخية من مياه النيل، مطالبتين باتفاق قانوني ملزم يحدد آليات الملء والتشغيل.
أما أديس أبابا فترى أن المشروع يمثل حقًا سياديًا خالصًا لتنمية اقتصادها وتوليد الطاقة الكهرومائية لشعبها، مؤكدة أن السد لن يسبب ضررًا ملموسًا لدول الجوار.
لكن التطورات الأخيرة، وخاصة بعد الافتتاح الرسمي للسد الشهر الماضي، زادت من حدة المخاوف المصرية إثر تدفقات مائية غير منتظمة سببت أضرارًا متفاوتة في مصر والسودان.
وقد وصف الرئيس عبدالفتاح السيسي ما حدث بأنه "دليل عملي على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني وملزم"، مشددًا على أن مصر "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي ممارسات تهدد أمنها المائي"، بينما ردت إثيوبيا بتأكيد حقها السيادي في التصرف بمياه النيل، باعتبار أن منبعه في أراضيها.
واشنطن تعود إلى المشهد
في خضم هذا التوتر، أشار مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، إلى أن هناك احتمالًا بأن يطلق ترامب مبادرة رئاسية جديدة تجمع الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لإيجاد تسوية سلمية.
وقال بولس إن ملف سد النهضة "مهم واستراتيجي بالنسبة إلى الولايات المتحدة"، مؤكدًا أن الموقف الأمريكي يقوم على "الحوار والتروي للوصول إلى اتفاق تقني متوازن"، وأن "الخلاف حول السد فني أكثر منه سياسي".
ورغم أن واشنطن لم تعلن رسميًا حتى الآن عن بدء وساطة جديدة، فإن التحركات والتصريحات الأمريكية الأخيرة تفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، خصوصًا أن إدارة ترامب سبق أن رعت ست جولات تفاوضية خلال ولايته الأولى، وصلت إلى مراحل متقدمة قبل أن تنسحب إثيوبيا فجأة في اللحظات الأخيرة.
ويعتقد مراقبون أن إدارة ترامب الثانية ربما تسعى لإحياء هذا الملف كجزء من استراتيجيتها لإعادة بسط النفوذ الأمريكي في أفريقيا وموازنة الدور الصيني المتنامي في القارة.
تصاعد الخطاب بين القاهرة وأديس أبابا
الأسبوع الماضي شهد تصعيدًا حادًا في الخطاب بين الجانبين. فخلال كلمته في أسبوع القاهرة للمياه، اتهم السيسي إثيوبيا بالتسبب في أضرار واضحة لدولتي المصب نتيجة "الإدارة غير المنضبطة للسد"، بينما ردت وزارة الخارجية الإثيوبية ببيان رسمي أكدت فيه أن بلادها "أدارت المشروع بشفافية وقدمت البيانات الفنية اللازمة عبر الاتحاد الأفريقي".
لكن القاهرة لم تقتنع بهذا الرد، إذ عاد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ليؤكد أن "الخطاب الإثيوبي أحادي ومضلل"، مشددًا على أن "الأمن المائي لمصر قضية وجود لا تخضع للمساومة أو التجريب"، وأن مصر "لن تسمح بالمساس بحقوقها التاريخية في مياه النيل".
وساطة أمريكية جديدة
تثير احتمالية عودة واشنطن للوساطة تساؤلات حول مدى قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة هذه المرة. فالبعض يرى أن تجربة ترامب السابقة، على الرغم من فشلها في الوصول إلى اتفاق نهائي، أثبتت أن الولايات المتحدة قادرة على الضغط الفعلي إذا قررت الانخراط بجدية.
أما آخرون فيشككون في إمكانية نجاح أي وساطة ما لم تتخل أديس أبابا عن مبدأ "الحق المطلق" في استخدام مياه النيل وتقبل بفكرة المشاركة والتنسيق مع دولتي المصب.
ووفقًا للمراقبين، فإن وجود دولة ذات ثقل مثل الولايات المتحدة "قد يعيد التوازن إلى مسار التفاوض"، مشيرين إلى أن إعلان المبادئ الموقع عام 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا ينص صراحة على ضرورة منع الضرر الجسيم لأي من الدول الثلاث، وهو ما لم تلتزم به أديس أبابا خلال مراحل الملء والتشغيل.
كما يرون أن "الأضرار الأخيرة التي لحقت بالسودان ومصر نتيجة التصرفات غير المنضبطة للسد تعزز الموقف المصري وتثبت الحاجة إلى تدخل دولي عاجل".
ووفقًا لخبراء ودبلوماسيين، فإن "وجود طرف ثالث جاد مثل الولايات المتحدة هو مفتاح الحل"، لافتين إلى أن واشنطن تملك من الأدوات السياسية والاقتصادية ما يؤهلها لتقريب وجهات النظر.
ويضيف هؤلاء أن "التصرفات الأحادية من جانب إثيوبيا أضرت ليس فقط بمصر والسودان بل بالثقة في أي عملية تفاوضية مستقبلية، وهو ما يتطلب ضغطًا أمريكيًا واضحًا لإلزامها بالتعاون".
دوافع واشنطن واستراتيجيتها الإقليمية
تاريخيًا، كانت الولايات المتحدة تتجنب التورط العميق في نزاعات المياه الدولية، لكنها اليوم تنظر إلى أزمة السد في إطار أوسع يتعلق بأمن واستقرار شرق أفريقيا، حيث تتقاطع مصالحها مع قضايا الطاقة والتجارة وممرات البحر الأحمر.
كما أن نجاح ترامب في حل هذا الملف سيمنحه رصيدًا سياسيًا ودبلوماسيًا كبيرًا يعزز صورته كصانع صفقات دولية، خصوصًا بعد دوره الأخير في قمة شرم الشيخ للسلام بشأن غزة.
ويعتقد محللون أن واشنطن قد تستخدم مزيجًا من الحوافز الاقتصادية والضغوط السياسية لإقناع إثيوبيا بالعودة إلى طاولة المفاوضات، خاصة وأن أديس أبابا تعتمد على الدعم المالي الخارجي لمواجهة أزماتها الداخلية بعد الحرب الأهلية الطويلة في تيغراي.
كما أن القاهرة، بحكم علاقاتها الوثيقة بواشنطن، تراهن على أن إدارة ترامب ستتعامل مع الملف بمنظور الأمن الإقليمي لا كخلاف فني ضيق.
يبقى الملف مفتوحًا على كافة الاحتمالات، في ظل تمسك كل طرف بمواقفه، وتزايد الرهانات على دور واشنطن في كسر الجمود القائم. فمصر والسودان يطالبان باتفاق قانوني ملزم يضمن عدم الإضرار بحصصهما التاريخية، فيما تصر إثيوبيا على حقها السيادي في التنمية واستثمار مواردها المائية.
وبين هذا وذاك، تتحرك الولايات المتحدة بهدوء لإعادة بناء الثقة بين الأطراف الثلاثة، أملًا في تحويل الصراع من حالة التنازع إلى مسار تفاوضي مستدام يوازن بين الحق في التنمية والحق في الحياة.
وفي ضوء المعطيات الراهنة، يبدو أن أزمة سد النهضة تجاوزت كونها خلافًا فنيًا حول المياه لتتحول إلى قضية استراتيجية تمس الأمن القومي والإقليمي في شرق أفريقيا والشرق الأوسط. فنجاح واشنطن في تحريك هذا الملف قد يمنحها موقعًا مؤثرًا في رسم ملامح الاستقرار بالمنطقة، ويعيد للدبلوماسية الأمريكية دورها التقليدي كوسيط قادر على الجمع بين المصالح المتعارضة، بينما يظل النيل، كما كان دائمًا، شريانًا للحياة ومصدرًا للتوترات الإقليمية المحتملة في آن واحد.