اخبار مصر

صدى البلد

سياسة

بين القانون والبحر والسياسة.. أسطول الصمود يكشف هشاشة حصار إسرائيل ويعيد غزة لواجهة الإعلام الدولي

بين القانون والبحر والسياسة.. أسطول الصمود يكشف هشاشة حصار إسرائيل ويعيد غزة لواجهة الإعلام الدولي

klyoum.com

في مشهد إنساني وسياسي بالغ الرمزية، اعترضت البحرية الإسرائيلية أسطول الصمود العالمي في عرض البحر المتوسط، في محاولة لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. الحادثة لم تكن مجرد مناوشة بحرية عابرة، بل فتحت ملفات شائكة تتعلق بالقانون الدولي، وشرعية الحصار، ومسؤولية إسرائيل كقوة احتلال تجاه المدنيين. تصريحات الأمم المتحدة، وردود الأفعال الدولية، أعادت النقاش إلى صلب القضية: هل ما يجري حصار "أمني" مشروع كما تدّعي إسرائيل، أم عقوبة جماعية تخنق أكثر من مليوني إنسان منذ 18 عاماً؟

أكد المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ثمين الخيطان، أن ما أقدمت عليه إسرائيل من اعتراض سفن مدنية غير مسلحة في المياه الدولية "يعمّق الحصار غير القانوني المفروض على غزة".

وشدد الخيطان على أن إسرائيل، باعتبارها قوة احتلال، ملزمة بتوفير الغذاء والدواء لسكان القطاع بكل الوسائل، والامتثال لأوامر محكمة العدل الدولية التي طالبتها مطلع 2024 بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية العاجلة.

كما طالب السلطات الإسرائيلية باحترام حقوق جميع المحتجزين من ركاب الأسطول، وضمان معاملة إنسانية لهم، مع توفير الحق في الطعن الفوري في قانونية اعتقالهم.

مساء يوم الأربعاء، بدأت البحرية الإسرائيلية عملية واسعة ضد "أسطول الصمود"، وصعد جنودها على متن عدة سفن، قبل أن تعلن الخميس السيطرة الكاملة على معظم القوارب، باستثناء قارب واحد ظل بعيداً.

وبحسب اللجنة الدولية لكسر حصار غزة، استولت إسرائيل على 41 سفينة من أصل نحو 50 أبحرت نحو القطاع. فيما انسحبت سفينتان مخصصتان للدعم، بينما واصلت السفينة "مارينيت" الإبحار رغم أعطالها الفنية، وظهرت سفينة أخرى "ميكينو" قرب غزة لكن مصيرها بقي غامضاً.

هذه هي المرة الأولى التي ينطلق فيها أسطول ضخم يضم 50 سفينة مجتمعة، تقل على متنها 532 متضامناً مدنياً من أكثر من 45 دولة، بينهم أطباء وصحفيون ومحامون وبرلمانيون.

منذ 18 عاماً، يعيش سكان قطاع غزة تحت حصار خانق حرمهم من أبسط حقوق الحياة. لكن الوضع تفاقم منذ 7 أكتوبر 2023، حيث قادت إسرائيل بدعم أمريكي حملة عسكرية وصفتها منظمات حقوقية بـ"الإبادة الجماعية"، نتج عنها أكثر من 66 ألف شهيد وقرابة 169 ألف جريح، معظمهم نساء وأطفال.

الحرب دمّرت مساكن نحو 1.5 مليون فلسطيني، فيما أغلقت إسرائيل جميع المعابر منذ مارس 2025، مانعة دخول الغذاء والدواء، رغم تكدس آلاف الشاحنات المحملة بالإغاثة عند الحدود.

يرى اللواء محمد حمد، الخبير الاستراتيجي، أن إسرائيل تسعى دوماً لإضفاء شرعية على حصارها البحري للقطاع، عبر مصطلحات مثل "منطقة قتال نشطة" أو "حصار قانوني". لكن القانون الدولي، بحسبه، يعتبر ما يتعرض له أكثر من مليوني إنسان في غزة عقوبة جماعية مخالفة لاتفاقيات جنيف.

وأضاف حمد أن تعامل إسرائيل مع النشطاء الدوليين باعتبارهم "مهاجرين غير شرعيين" وترحيلهم السريع، ليس سوى تكتيك للهروب من فتح ملفات قضائية قد تدينها أمام محاكم دولية، خاصة المحكمة الجنائية الدولية.

وجود 500 ناشط بينهم برلمانيون وشخصيات قانونية بارزة، لم يكن مجرد تعبير عن تضامن إنساني، بل رسالة سياسية قوية بحسب الخبير تعكس رفضاً عالمياً متزايداً لعزلة غزة.

ويشير حمد إلى أن تل أبيب تخشى أن يتحول هؤلاء النشطاء إلى "شهود دوليين" على ممارساتها، وهو ما قد يفاقم عزلتها داخل المؤسسات الدولية ويعزز المطالبات بمحاسبتها قانونياً.

إسرائيل، وفق التحليل الاستراتيجي، تدرك أن السماح لأي قافلة بالوصول إلى غزة سيُسقط هيبتها البحرية، ويشجع مبادرات مشابهة مستقبلاً. لذلك تتعامل بقبضة حديدية مع كل محاولة، رغم الخسائر الإعلامية الكبيرة.

وقد أكدت المصادر أن وصول سفينتي أسطول الصمود إلى ميناء أسدود بأقصى سرعة جاء ضمن خطة إسرائيلية لإحكام السيطرة ومنع أي محاولة للاشتباك أو التواصل مع الصحافة قبل نقل النشطاء إلى مراكز الاحتجاز.

احتجاز النشطاء في سجن شديد الحراسة مثل "كتسيعوت" يعكس مخاوف المؤسسة الأمنية من فقدان السيطرة على هذا العدد الكبير، حيث يمثلون طيفاً واسعاً من الجنسيات والمرجعيات.

رغم محاولاتها المستمرة لتبرير الحصار، تدفع إسرائيل ثمناً معنوياً كبيراً كلما اعترضت قافلة. فصور النشطاء، وبينهم أسماء لامعة مثل غريتا تونبرغ وريما حسن, تعيد مأساة غزة إلى واجهة الإعلام العالمي، وتفضح الاحتلال كقوة تمنع الغذاء والدواء عن المدنيين.

ويقول حمد إن إسرائيل تخسر معركة الرأي العام في كل مرة، إذ تظهر بمظهر القوة الغاشمة أمام مبادرات سلمية إنسانية.

أسطول جديد في الطريق.. موجة ثانية من التضامن

رغم الاعتراض الإسرائيلي، أعلنت اللجنة الدولية لكسر الحصار أن موجة جديدة من أسطول الصمود تضم 9 سفن أخرى، بينها سفينة ضخمة تحمل أكثر من 100 صحفي وطبيب وناشط، قد أبحرت بالفعل نحو غزة.

كما أكدت اللجنة أن السفينة "مارينيت-صفد" ما تزال تواصل إبحارها باتجاه القطاع، في مشهد يعكس إصراراً على مواصلة معركة الإرادات.

يؤكد الخبير الاستراتيجي أن معركة "أسطول الصمود" هي معركة رمزية أكثر منها بحرية. فإسرائيل قادرة عسكرياً على اعتراض أي قارب، لكنها غير قادرة على كسر موجة التضامن الدولي.

ويضيف: "كل عملية اعتراض تزيد من عزلة إسرائيل، وتمنح الفلسطينيين ورقة معنوية قوية على الساحة الدولية، فيما تتحول القوافل الإنسانية إلى أداة ضغط ناعمة تعيد غزة إلى صدارة المشهد العالمي".

أثبتت حادثة اعتراض "أسطول الصمود" أن الصراع لم يعد محصوراً في الميدان العسكري، بل امتد إلى القانون الدولي، والإعلام، والرأي العام العالمي. إسرائيل قد تتحكم بالبحر، لكنها عاجزة عن التحكم بالسردية الإنسانية التي تخرج من كل قارب يُبحر نحو غزة.

ومع كل سفينة يتم اعتراضها، تكسب غزة مزيداً من التضامن الدولي، بينما تجد تل أبيب نفسها محاصرة برواية قانونية وأخلاقية تتهاوى أمام أعين العالم. إن معركة الإرادات هذه تؤكد أن صوت الشعوب الحرة لا يمكن حصاره، حتى لو أُحكم الطوق على البحر.

*المصدر: صدى البلد | elbalad.news
اخبار مصر على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com