7 وصايا ثمينة في حديث "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا".. علي جمعة يوضحها
klyoum.com
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالازهر الشريف، انه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة, ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة, والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه, ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة, وما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده, ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) [صحيح مسلم].
وأضاف جمعة، أن في هذا الحديث الكريم, جمع لنا رسول الله ﷺ سبعًا من الوصايا الثمينة, التي تُعد من الأعمدة الرئيسة لبناء المجتمع الإسلامي, المعينة له في أزماته, والمحفزة على توثيق مشاعر الرحمة والمودة بين أفراده.
1- تحث الوصية الأولي على تنفيس الكرب عن الناس, وقد صاغها ﷺ بصيغة المفرد النكرة لتعظيم الثواب؛ فالحساب على مستوي الكربة الواحدة، مع الفارق العظيم بين كرب الدنيا وكرب يوم القيامة, وجعلها غير مرتبطة بزمن؛ حثًا على فعلها في كل وقت. وقد اختار الفعل "نفس" لتأكيد الراحة النفسية المصاحبة لزوال الكرب, وجعل الثواب من الله مباشرة، حيث لا واسطة ولا حائل.
2- في الوصية الثانية, تناول ﷺ شكلًا آخر من أشكال تنفيس الكرب, وأفرد له وصية خاصة؛ تأكيدًا لأحميته وحثًا عليه، وبيانًا لعظيم أجره, فالمعسر في كربٍ دائم, وقد جعل الإسلام للغارمين سهمًا من الزكاة تأكيدًا لأهمية التنفيس عن المسلمين في أزماتهم. والتيسير على المعسر منه ما هو فرض، ومنه ما هو مندوب؛ فالفرض هو الإنظار، أي تأجيل الدين إلى حين ميسرة, والمندوب هو إسقاط الدين عن المعسر. ومن عجائب هذا الفرع أن المندوب فيه أعظم أجرًا من الفرض, خلافًا لما عليه أغلب الفروع الفقهية، إلا في أربعة فروع، هذا أحدها.
3- الوصية الثالثة تأمر بالستر, وهو ضد الفضيحة، وعليه مبنى الدين. وفي عصرنا يدعو كثير من الناس إلى ما سُمى بـ"الشفافية"، ولها معنى صحيح ومعنى قبيح؛ فالمعنى القبيح هو الدعوة إلى الاستهانة بالفواحش وسوء الأخلاق بدعوى الشفافية, وأما معناها الصحيح فهو الصدق، ولا الفضيحة.
4- والحقيقة الكونية الشرعية أن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. وهي وصية تدل على سعة قلب المسلم للعالمين, وعلى استعداده الدائم على البر والتقوى, لا على الإثم والعدوان, وكلما أعان أخاه، شعر بأن الله معه.
5- والوصية الخامسة تجعل السعي إلى طلب العلم، بكل أشكاله، هو سعي في طريق الجنة, وهي بلاغة لا نجدها إلا في كلام أفصح العرب وسيد المرسلين ﷺ؛ فشراء الكتاب، وحضور المحاضرة، والبحث العلمي، من موجبات الجنة. وقد بيَّن أن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة, وأنه لا بد للباحث والعالم أن يتعلم دائمًا, قال تعالى: (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ), ونهاية العلم الخشية من الله (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ).
6- الوصية السادسة توصي بأن يكون المسجد مؤسسة من مؤسسات المجتمع، فيها بناء الإنسان قبل البنيان, واهتمام بالساجد قبل المساجد, وفيها مفاتيح الخير من علم وذكر وفكر.
7- أما الوصية السابعة, فهي تبين المعيار الذي ينبغي اتخاذه في قبول الأشياء وردها، وتقويم الناس, والذي يبنى على المساواة لا على الأحساب والأنساب.
هذه صورة المجتمع الذي أراده لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي المقابل نجد قصورًا شديدًا في واقعنا المعاصر، يشكو منه الجميع، ويطالبون بالرجوع إلى الأزمان التي ساد فيها العدل والرحمة. فقوة الأمم إنما تكون بقوة مجتمعاتها.