اخبار مصر

صدى البلد

سياسة

خالد عامر يكتب: قراءة في المناورات المصرية التركية !

خالد عامر يكتب: قراءة في المناورات المصرية التركية !

klyoum.com

في تحول استراتيجي لافت، نجحت مصر في إعادة صياغة علاقاتها مع تركيا بعد أكثر من ثلاثة عشر عامًا من التوتر والصدام. لم تكن العلاقات المصرية التركية يومًا مستقرة، فقد وقفت أنقرة طويلًا ضد مصر في ملفات شائكة مثل دعم الإخوان الهاربين بعد ثورة الثلاثين من يونيو، والأزمة الليبية، وترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص. ومع ذلك، لم تسلك مصر طريق المواجهة المباشرة أو التصعيد الأعمى، بل تعاملت بعقلانية وصبر استراتيجي، واتبعت سياسة النفس الطويل التي راهنت على إحداث تغيير في حسابات أنقرة بمرور الوقت.

اعتمدت القاهرة على تعزيز تحالفاتها مع اليونان وقبرص والاتحاد الأوروبي، ورسخت وجودها كلاعب رئيسي في شرق المتوسط عبر اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية، التي منحتها ثقلًا قانونيًا وسياسيًا دوليًا. وفي الوقت نفسه، واصلت الدولة المصرية تطوير قدراتها العسكرية، لا سيما في السلاح البحري والجوي، حتى فرضت نفسها كقوة إقليمية يصعب تجاوزها.

أما في الملف الليبي، فقد كان التدخل المصري حاسمًا، حيث أعلنت القاهرة خطوطًا حمراء واضحة في سرت والجفرة، وهو ما أوقف الأتراك هناك وأجبرهم على التعامل بواقعية مع محددات الأمن القومي المصري. بهذا المزيج بين الحزم العسكري والدبلوماسية الهادئة، نجحت مصر في وضع تركيا في مأزق استراتيجي، جعلها تدرك أن الاستمرار في سياسة التصادم مع مصر لن يحقق مكاسب، بل سيضاعف خسائرها.

حتى جاءت المناورات العسكرية والتدريب المشتركة "بحر الصداقة 2025" قبل أيام بين مصر وتركيا بعد توقف دام 13 سنة، لتكشف عن عمق التحول في مسار العلاقات. فهي ليست مجرد تدريبات عسكرية عابرة، بل رسالة سياسية واضحة تقول إن أنقرة اختارت التحرك داخل المربع المصري بدلًا من الاستمرار خارجه. مشاركة القوات التركية في ميدان واحد مع القوات المصرية تعكس أن القاهرة استطاعت أن تروض خصمًا عنيدًا، وتعيد توجيه بوصلته بما يخدم أمن واستقرار المنطقة، وأن أنقرة متأكدة أن القاهرة مفتاح التوازن الإقليمي.

هذا التحول لا يعني بالضرورة أن الخلافات قد انتهت، أو أن المصالح المتعارضة اختفت، لكنه يبرهن أن السياسة المصرية أصبحت هي الإيقاع الذي يضبط خطوات تركيا. والتي رفضت اتفاقيات مصر مع جيرانها في المتوسط، وجدت نفسها مضطرة اليوم للتفكير في شراكة حقيقية مع القاهرة لضمان مكانها في معادلة الطاقة الجديدة. وحتى في الملف الليبي، تدرك أنقرة أن أي تسوية لن تمر دون مباركة مصرية، وهو ما يضع القاهرة في مركز القيادة الإقليمية ولاعب دولي لا يستهان به.

وانعكاسات هذا التقارب تتجاوز حدود العلاقة الثنائية لتصل إلى المشهد الإقليمي. دول أوروبا والخليج تتابع هذا التحول باعتباره عامل استقرار جديد يحد من التوترات في شرق المتوسط. فأوروبا بدورها ترى في الشراكة المصرية التركية مدخلًا لتأمين مصالحها من الطاقة والحد من الهجرة. وحتى القوى الكبرى تدرك أن مصر أثبتت قدرتها على تحويل خصوم الأمس إلى شركاء اليوم، من خلال إدارة ذكية لا تعرف التسرع ولا الاستسلام.

الخلاصة أن ما نشهده اليوم هو ثمرة سياسة مصرية هادئة وصبورة، استطاعت أن تحول الخصومة إلى تناغم، والصدام إلى شراكة. تركيا التي كانت ترفع صوتها ضد القاهرة أصبحت اليوم تغرد داخل المربع المصري، بعدما اكتشفت أن أمنها الإقليمي ومصالحها الاستراتيجية لن تُصان إلا عبر البوابة المصرية. 

ويؤكد ذلك أن القاهرة لم تعد تكتفي برد الفعل، بل أصبحت تصوغ الميدان السياسي والعسكري بما يجبر خصوم الأمس على الاصطفاف إلى جوارها، وتركيا خير مثال.

*المصدر: صدى البلد | elbalad.news
اخبار مصر على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com