خطة ترامب بين الترحيب الأممي والشكوك الإقليمية.. هل تفتح غزة نافذة سلام جديدة أم مجرد حلم مؤجل؟
klyoum.com
في خضم المشهد المضطرب الذي يعيشه قطاع غزة، جاءت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة لتضع نفسها في قلب النقاشات الدولية، بعد أن أعلنت الأمم المتحدة عن بدء استعداداتها لتقديم المساعدات الإنسانية بناءً على مخرجات المبادرة. وبينما رحبت المنظمة الدولية بالخطة معتبرة إياها فرصة لإعادة توجيه المسار نحو السلام، لم يغب عن المشهد حجم التحديات التي تواجه تنفيذها. فبين الأبعاد الإنسانية العاجلة، والطموحات السياسية لإعادة تشكيل مستقبل غزة، تقف الخطة على أرضية مليئة بالألغام السياسية والميدانية.
أكد فرحان الحق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن المنظمة بدأت بالفعل التخطيط لعملياتها الإنسانية في غزة بالتنسيق مع أطراف متعددة، من بينهم الولايات المتحدة. وأوضح أن الأمم المتحدة تنتظر موقف الأطراف المتحاربة من الاتفاق، لكنها تعمل على تهيئة الظروف اللازمة لتوزيع المساعدات الإنسانية بعيداً عن أي حسابات سياسية.
وتتضمن الخطة أن يكون للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية دور محوري في إيصال الدعم للفلسطينيين، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة لبناء الثقة وضمان حيادية المساعدات في مرحلة حساسة.
أعلن ترامب أن خطته ترتكز على وقف إطلاق النار بشكل تدريجي يبدأ بإطلاق سراح المحتجزين لدى حماس خلال 72 ساعة، مقابل انسحاب إسرائيلي تدريجي من غزة. ويشمل التصور الأمريكي تشكيل سلطة انتقالية مدنية بدعم دولي، في محاولة لتفادي فراغ سياسي قد يفتح الباب أمام عودة الصراع.
هذه المعادلة، وفق محللين، تسعى إلى الموازنة بين متطلبات الأمن الإسرائيلي وحاجة الفلسطينيين إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي.
قراءة استراتيجية..مبادرة طموحة محفوفة بالمخاطر
ومن بين الأصوات التي تناولت الخطة بالتحليل، كان رأي اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، الذي وصفها بأنها "تحرك سياسي جريء"، لكنه في الوقت ذاته حذر من أن نجاحها مرهون بقدرة الأطراف على تجاوز الألغام السياسية والميدانية.
يشير اللواء نبيل السيد إلى أن أي مبادرة سلام لا بد أن تجيب على ثلاثة أسئلة جوهرية:
كيف يمكن وقف نزيف الدم وإنقاذ الأرواح فوراً؟
من سيتولى حكم غزة بعد الحرب؟
كيف نضمن ألا تعود حركة حماس إلى السلطة مجدداً؟
ويعتبر أن خطة ترامب حاولت معالجة هذه المحاور بشكل مباشر، من خلال تقديم جدول زمني يبدأ بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين خلال 72 ساعة فقط من إعلان الموافقة على الاتفاق، وهو ما يعكس، برأيه، رهاناً أمريكياً على عامل السرعة والضغط السياسي لتحقيق اختراق سريع.
بحسب السيد، فإن أبرز ما يميز المقترح الأمريكي هو آلية التنفيذ التي تتضمن وقف إطلاق النار عبر "تجميد الجبهات"، ثم انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية بالتوازي مع إطلاق سراح الرهائن.
ويرى أن هذا الطرح يوازن بين هواجس إسرائيل الأمنية من ترك فراغ قد تستغله حماس، وبين حاجة الفلسطينيين إلى ضمانات بعدم استمرار الاحتلال. وهو ما يجعله نظرياً قابلاً للتطبيق، رغم ما يحمله من صعوبات عملية.
من النقاط اللافتة في الخطة ما يتعلق برؤية "اليوم التالي"، حيث لا تكتفي بوقف الحرب بل تطرح تصوراً لشكل الحكم في غزة.
وتقترح الخطة تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية محايدة لإدارة القطاع مؤقتاً، تحت إشراف مجلس دولي للسلام برئاسة ترامب وعضوية شخصيات عالمية مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
وبرغم أن هذه الفكرة قد تواجه اعتراضات فلسطينية، فإن السيد يراها خطوة تحمل قدراً من الواقعية السياسية، لأنها تمنع عودة حماس وتوفر مرحلة انتقالية يمكن البناء عليها مستقبلاً.
يشدد اللواء نبيل السيد على أن الخطة لم تغفل الجانب الإنساني، إذ تضمنت بنوداً عاجلة لتوفير الكهرباء والمياه والصرف الصحي والمستشفيات، إضافة إلى خطة لإعادة الإعمار عبر "منطقة اقتصادية خاصة" لجذب الاستثمارات.
ويؤكد أن هذا البعد ليس تفصيلاً ثانوياً، بل شرطاً أساسياً لضمان استقرار الوضع بعد الحرب، لأن غياب التنمية والوظائف سيعيد إنتاج الأزمات ويغذي عودة الفصائل المسلحة.
لكن الطريق إلى التنفيذ لن يكون سهلاً، بحسب السيد، فإسرائيل تضع خطوطاً حمراء صارمة تتعلق بالأمن ومنع النفوذ الإيراني، بينما يواجه الفلسطينيون تحديات قبول الحكم التكنوقراطي والرقابة الدولية.
ويضيف: "الخطة تعكس أولويات إسرائيل بوضوح: استعادة الأسرى، منع عودة حماس، مواجهة إيران، وضمان التمويل الدولي لإعادة الإعمار، لكنها تحتاج في المقابل إلى غطاء شعبي فلسطيني واسع حتى لا تتحول إلى مجرد تسوية ناقصة".
يصف اللواء نبيل السيد الخطة بأنها الأكثر تفصيلاً مقارنة بالمبادرات السابقة، إذ تربط بين الحلول الأمنية والسياسية والاقتصادية في إطار واحد. لكنه يشدد على أن نجاحها مرهون بالتنفيذ الدقيق لكل مرحلة، وإلا فإن أي خلل قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
ويختتم بالقول: "الخطة قد تمثل نافذة أمل مشروطاً للسلام، لكنها قد تظل مجرد ورقة دبلوماسية إذا تجاهلت تعقيدات الواقع الفلسطيني والإقليمي".
بين الطموح الأمريكي لإعادة صياغة المشهد في غزة والشكوك التي تحيط بآليات التنفيذ، تقف خطة ترامب أمام مفترق طرق. فهي تحمل وعداً بإنهاء صراع دموي ممتد لعقود، لكنها تصطدم بواقع معقد تغذيه الحسابات السياسية والميدانية.
الكرة الآن في ملعب الأطراف كافة.. الفلسطينيون، الإسرائيليون، والمجتمع الدولي. فإما أن تتحول الخطة إلى بداية لسلام طال انتظاره، أو تبقى مجرد "حلم مؤجل" يضاف إلى سجل طويل من المبادرات التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ.