مخاوف من الإشعاع بعد غرق غواصة نووية روسية في قاع البحر
klyoum.com
في ظلام البحر المتجمد الشمالي، وعلى عمق يقارب 246 مترًا، ترقد الغواصة النووية السوفيتية K-159، التي غرقت في أغسطس 2003 أثناء جرّها لتفكيكها، لتتحول إلى ملف معلق بين موسكو والعالم. هذه الغواصة، التي كانت قد خرجت من الخدمة منذ عام 1989 دون أن تُفرغ من وقودها النووي، لا تزال تحتوي على أكثر من 800 كيلوجرام من الوقود النووي المستهلك داخل مفاعلين متآكلين.
ومع مرور السنين، تحوّلت هذه الغواصة إلى ما يشبه قنبلة إشعاعية بطيئة الانفجار تهدد البيئة البحرية والأمن الغذائي في شمال أوروبا. الخبراء وصفوها مرارًا بأنها “تشيرنوبيل في بطء الحركة”، في تذكير دائم بتركة الحقبة السوفيتية الثقيلة، وفًا لتقرير نشرته صحيفة ناشيونال وورلد البريطانية بعنوان "قنبلة صدئة في أعماق بارنتس".
الخطر البيئي يتصاعد
المخاوف لم تأتِ من فراغ. فالغواصة الغارقة تقع بالقرب من أهم مناطق الصيد في بحر بارنتس، حيث يعتمد آلاف الصيادين في النرويج وروسيا على تلك المياه كمصدر أساسي للأسماك. أي تسرب إشعاعي من قلب المفاعلات الصدئة قد يلوث سلاسل غذائية بأكملها ويمتد إلى موائد الأوروبيين.
وفي هذا السياق، وصف خبير البيئة النووية النرويجي إنغار آموندسن الوضع بأنه “مسألة وقت، لا إذا”، مؤكدًا أن بقاء الغواصة كما هي سيعني حتمًا تسرّبًا في المستقبل، محذرًا من أن التأثير لن يتوقف عند حدود القطب الشمالي بل قد يمتد إلى شمال المحيط الأطلسي، وفقًا لموقع بي بي سي نيوز.
صمت روسي وعجز دولي
رغم النداءات المتكررة من منظمات بيئية أوروبية لرفع الغواصة وإنقاذ المنطقة من خطرها الداهم، فإن موسكو التزمت الصمت طويلًا، مكتفية بتقارير متباينة عن مراقبة الغواصة.
وفي عام 2014، أجرت بعثة نرويجية ـ روسية مشتركة فحصًا ميدانيًا وأكدت حينها عدم وجود تسرب إشعاعي، لكن تآكل الهيكل الخارجي للغواصة في السنوات الأخيرة جعل النتيجة مؤقتة أكثر منها مطمئنة.
ويؤكد خبراء أن روسيا، في ظل العقوبات وتداعيات حرب أوكرانيا، لا تملك الإمكانات المالية ولا التقنية للقيام بعملية رفع آمنة، خاصة أن تكلفة مثل هذه العملية قد تتجاوز المليارات، وفقًا لصحيفة ذا بارنتس أوبزرفر.
من الذاكرة.. تشيرنوبيل وفوكوشيما
تثير قضية K-159 ذكريات كوارث نووية سابقة. ففي تشيرنوبيل عام 1986، أدى انفجار مفاعل إلى كارثة بيئية ما زالت أوكرانيا وأوروبا تدفع ثمنها. وفي فوكوشيما 2011، أثبتت الأمواج أن حتى الأنظمة الأكثر تقدمًا ليست محصنة ضد الكارثة النووية.
ورغم اختلاف الظروف، فإن الغواصة الروسية تشترك مع تلك الكوارث في نقطة جوهرية: تجاهل الخطر حتى وقوع الفاجعة. بعض الخبراء شبّهوا الوضع بـ “قنبلة موقوتة” على قاع البحر، إذ أن أي تسرب مستقبلي سيصعب احتواؤه بسبب موقع الغواصة العميق وقربه من طرق الملاحة والصيد، وفقًا لأسوشيتد برس.
لعبة جيوسياسية خطيرة
لا يقف الأمر عند حدود الخطر البيئي فقط، بل ينسحب إلى السياسة الدولية. إذ يرى مراقبون أن تجاهل ملف K-159 في ظل التوترات مع الغرب قد يتحول إلى ورقة ضغط جيوسياسية جديدة في يد الكرملين. فالغواصة الغارقة في المياه الروسية، لكنها تهدد المصالح الأوروبية، ما يجعلها نقطة اشتباك محتملة بين موسكو والناتو.
ومع استمرار حرب أوكرانيا، أصبح الحديث عن “عملية إنقاذ مشتركة” شبه مستحيل، لتظل الغواصة شاهدًا صدئًا على عجز العالم عن مواجهة كارثة تتقدم ببطء، وسط غياب أي رؤية دولية حقيقية للتعامل مع خطرها.