محمد صبيح يكتب: من الحقل إلى السيادة.. القمح الرقمي في مواجهة هيمنة الدولار
klyoum.com
أخر اخبار مصر:
سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم السبت 24-5-2025في زمنٍ أصبحت فيه العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي، سلاحًا اقتصاديًا تمارَس به الهيمنة وتُفرض به الأزمات على الدول النامية، قررت مصر أن تمتلك سلاحًا خاصًا بها: وهو "القمح المصري".. هذا السلاح ليس مجرد محصول زراعي، بل منظومة سيادية استراتيجية تتطور على أسس رقمية حديثة، تقف في وجه موجات التضخم، وتقلبات أسعار الغذاء، وضغوط الاستيراد، وابتزاز الأسواق العالمية.
موسم توريد القمح 2025 ليس موسمًا عاديًا، بل هو إعلان صريح بأن مصر بدأت تفكر وتدير ملفاتها الزراعية بعقل رقمي، وهدف سيادي، ولأول مرة، نجد أن الدولة المصرية تبني تحصيناتها الاقتصادية من خلال "الحقول الذكية" و"الصوامع الإلكترونية" وغرف التحكم المتصلة بمنظومة مركزية تقيس وتراقب وتخطط بالبيانات الحية.
عندما تتفوق على نفسك وتدير ملفًا معقدًا مثل القمح بهذه الكفاءة، فأنت لا تحارب فقط شبح الجوع، بل توجه ضربة مباشرة لعجز الميزان التجاري، ولفاتورة استيراد تُدفع بالدولار، فكل طن قمح يتم توريده من الفلاح المصري، لا يمثل فقط محصولًا، بل يمثل 400 دولار لم تخرج من احتياطي البنك المركزي، وكل كيلو خبز مدعوم مرتبط بهذا التوريد، هو دعم للطبقة الوسطى والفقراء، من خارج ميزانية الدعم التقليدي.
في الوقت الذي تستمر فيه الولايات المتحدة برفع أسعار الفائدة وتحريك أسواق العملات لصالح الدولار، ترد مصر باستخدام سلاح البيانات.. منظومة القمح الرقمية لا تترك شيئًا للصدفة، بدءًا من صرف مستحقات المزارعين خلال 48 ساعة، مرورًا بتطبيق "رادار الأسعار" القائم على الذكاء الاصطناعي، وانتهاءً بالتكامل بين التوريد والخبز المدعم، إنها شبكة دفاع إلكترونية ضد عدوان مالي لا يُرى، لكنه يُحسّ في الأسواق والموائد.
ليس جديدًا أن يكون القمح أداة سلطة في الجغرافيا السياسية، لكن الجديد أن مصر، ولأول مرة، تمسك بزمام المبادرة.. المزارع لم يعد مجرد منتج، بل شريك في حماية الاقتصاد الوطني، كل شحنة قمح يتم استلامها ببيانات موثقة، وكل سائق شاحنة يعرف مساره بدقة، وكل رغيف خبز يعرف مصدر دقيقه، إنها دولة تعرف قيمة "المعلومة" وتراهن عليها.
أكثر من 2.2 مليون طن قمح تم توريدها حتى منتصف مايو 2025، بزيادة تتجاوز 18% عن العام الماضي، والدولة تستهدف 4 ملايين طن، هذا يعني ببساطة توفير ما يقارب 1.6 مليار دولار من الاستيراد، دون ضجيج أو اقتراض.. هذا هو الاستقلال الحقيقي: أن تأكل مما تزرع، وأن تبني قرارك على ما تملك، لا على ما تتسول.
ختامًا.. في مواجهة عدوان الدولار، لم تلجأ مصر إلى رفع أسعار الفائدة، ولا إلى إجراءات تقشف، بل لجأت إلى المزارع، إلى الحقل، إلى الرقمنة، إلى القمح.. سلاح لا يقتل، بل يُشبِع.. سلاح لا يُستورد، بل يُزرع، ومع كل موسم توريد رقمي، تقترب مصر من معادلة مستحيلة في عالم اليوم: أن تكون دولة نامية، لكنها صاحبة قرار غذائي، وصاحبة سيادة اقتصادية.