ارتباك تام.. تسييس الجيش أصعب اختبار يواجه بقاء الولايات المتحدة
klyoum.com
أخر اخبار مصر:
قصة تسليم الأمانة للعم أحمد في مصرعلق "بيتر د. فيفر"، أستاذ العلوم السياسية والسياسة العامة في جامعة ديوك، على قلق الضباط العسكريون الأمريكيون بشأن الاضطرار إلى الحضور إلى قاعدة كوانتيكو بولاية فيرجينيا لسماع خطاب من المدنيين في سلسلة القيادة وبصفة خاصة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الدفاع "بيت هيجسيث".
وعلى الرغم من ذلك القلق الذي شاع بين العسكريين وفقًا لوسائل الإعلام الأمريكية، أشار الكاتب، في مقاله بمجلة "فورين آفيرز" إلى أن اجتماعات "جميع الأفراد" (All-hands)، مثل الذي عُقد هذا الأسبوع، حيث يجتمع المرؤوسون لسماع القيادة العليا، هي من أقدم الأعراف في الجيش الأمريكي، فماذا كان السبب الجوهري للقلق؟
ووفقًا للمقال، فإن ما جعل هذا الاجتماع لافتًا هو أن الجيش الأمريكي اليوم يتأثر بأجواء الاستقطاب الحزبي الشديد، ولا يفعل أي من الحزبين الكثير لحماية المؤسسة العسكرية من آثاره الوخيمة، ولطالما كان الجيش الأمريكي بمنأى عن التجاذبات السياسية الحزبية، معتبرًا نفسه مؤسسة محايدة وغير حزبية، تعمل لخدمة الدستور لا الرؤساء.
ولكن، مع تزايد الاستقطاب السياسي غير المسبوق وارتفاع نبرة الخطاب الشعبوي، تواجه القوات المسلحة اليوم تحديًا وجوديًا غير مسبوق: تسييس الجيش. إن هذا التحدي لا يهدد مجرد توازن القوى الداخلية، بل يضع بقاء الجمهورية الأمريكية ذاتها على المحك، ويشوه صورة أمريكا أمام حلفائها وخصومها على حد سواء.
في مثل هذه اللحظة، تعتمد صحة الجمهورية الأمريكية على المدى الطويل على قدرة الجيش على السير بأمان على حبل مشدود ضيق للغاية؛ لـ دعم السيطرة المدنية دون أن يتحول هو نفسه إلى مؤسسة حزبية، ولكن الاجتماعات البارزة مثل تلك التي جرت في كوانتيكو تجبر الجيش على السير على هذا الحبل تحت الأضواء الكاشفة لوسائل الإعلام، ودون شبكة أمان من الثقة القوية عبر الفجوة المدنية - العسكرية.
ونجح الحضور العسكري في تحقيق ذلك، ولكن يمكن أن يُعذروا لقلقهم المسبق. فآخر جمهور عسكري وجد نفسه في هذا الموقف -وهم القوات ذات الرتب الأدنى التي استمعت لخطاب حزبي مماثل للرئيس دونالد ترامب في فورت براج في يونيو- فشل في الاختبار، حيث هتفوا وكأنهم من الموالين للحزب في تجمع سياسي.
وفي تلك الحالة، كانت العديد من العبارات التي حظيت بالتصفيق عبارة عن انتقادات لاذعة لأوامر مشروعة تطلبت منهم قسمهم العسكري تطبيقها قبل عام واحد فقط.
وفي الولايات المتحدة، يعتمد التوازن المدني-العسكري على ثقة القادة من أي حزب في أن الجيش سيطيع الأوامر المشروعة بغض النظر عن الحزب الموجود في السلطة. الخطر الذي يمثله التجمع الذي نظمه وزير الدفاع بيت هيجسيث والخطاب الذي ألقاه دونالد ترامب هو أنه يهدد بترك القادة العسكريين دون خيار سوى أن يصبحوا أطرافًا حزبية أو أن ينتهكوا قواعد السيطرة المدنية على الجيش.
وحتى الآن، تمكن كبار الضباط الأمريكيين من إدارة هذه المعضلة بفاعلية معقولة. لكن كلما زاد تعامل القادة المدنيين مع الجيش كمؤسسة حزبية، كلما بدأ الجيش يتصرف كمؤسسة حزبية - وكلما قلت إمكانية الاعتماد عليه في خوض الحروب وكسبها.
"لحظة ارتباك تام": ضبابية المعلومات والارتباك
عادة ما تهدف اجتماعات "جميع الأفراد" إلى تقديم ملاحظات ملهمة ومفيدة للقوات، لكن اجتماع كوانتيكو أثار ضجة كبيرة لعدة أسباب. أحدها أن هذا النوع المعين من الاجتماعات كان غير مسبوق، خاصة عندما انضم إليه ترامب وحوّله إلى حدث على مستوى رئاسي. عادة ما تُعقد هذه الاجتماعات على مستويات أدنى أو أثناء زيارة وزير الدفاع لمنشأة، ومن غير المألوف عقدها على نطاق عالمي.
في الجيش، يُعرف هذا النوع من الاضطراب التنظيمي بأنه "لحظة ويسكي تانجو فوكستروت (Whiskey Tango Foxtrot moment)"، أي "لحظة ارتباك تام"، وقد ترك آلاف الأفراد من الرتب الدنيا يتساءلون: "ما هي حالة الطوارئ التي تدفع إلى أزمة ومن ثم التخطيط لهذا الحدث؟"
ولكن السبب الأكثر خطورة للقلق هو أن وزارة الدفاع تعمل بشكل متزايد في بيئة منخفضة المعلومات، فمنذ بدء ترامب ولايته الثانية، يتخذ القادة إجراءات هامة - مثل الوتيرة غير المسبوقة لإقالة كبار الضباط أو التصعيد الحاد للضربات العسكرية في نصف الكرة الغربي - دون تقديم تفسير وافٍ للأفراد المتأثرين أو الرتب الأدنى أو للجمهور العام. وفي هذا الفراغ المعلوماتي، تتراكم أسوأ النظريات.
التوازن الدقيق: الاحترافية في مواجهة التحريض الحزبي
لقد كان تجنب سيناريو الأزمة الأسوأ (مثل فرض قسم ولاء جديد) لا يعني زوال القلق. على العكس من ذلك، وبسبب البيئة الحزبية والمستقطبة في البلاد، كان الاجتماع يمثل حلقة محفوفة بالمخاطر بشكل غير عادي في العلاقات المدنية-العسكرية الأمريكية.
وعندما يلقي القادة السياسيون خطبًا أمام القوات، يقوم كتّاب الخطابات دائمًا بتضمين عبارات مصممة لإثارة التصفيق. لكن البيانات الحزبية الصارخة يكون لها تأثير معاكس، خاصة مع جمهور من كبار الضباط العسكريين.
يدرك هؤلاء الضباط أن الأخلاق المهنية تتطلب منهم تجنب حتى إظهار مظهر التحزب - مما يعني الامتناع عن التصفيق للبيانات الحزبية للآخرين؛ لأن الهتاف لسياسات حزب واحد يعادل الاستهجان لسياسات الحزب الآخر.
ولفت الكاتب إىلى ضرورة احتفاظ الضباط بمسافة مهنية. فمن غير المقبول تحديدهم كأنصار لحزب واحد دون الحزب الآخر، فقد يُنظر إليهم على أنهم أعداء للحزب الآخر، مما يبدأ حلقة من التطهيرات الحزبية التي تترك الجيش مشتتًا، ومحبطًا، وغير فعال، كما حدث في جيوش أخرى معرضة للتطهير.
وتضمن خطاب هيجسيث الكثير من المضمون الحزبي المناسب لجمهور من أنصار ترامب (MAGA)، وقليلًا جدًا عن البيئة الجيوسياسية المعقدة. أما خطاب ترامب، ورغم تضمينه لبعض الفكاهة، فقد قاوم ممثلو الجيش تشجيعه على "الاسترخاء" وظلوا في مظهر احترافي، وكادوا لا يتفاعلون مع التعليقات الحزبية - حتى عندما تحدث ترامب مطولًا عن "العدو الداخلي"، مشيرًا فيما يبدو إلى الخصوم السياسيين بدلًا من الأعداء الحقيقيين للولايات المتحدة.
وبعبارة موجزة، أظهر القادة العسكريون الأمريكيون جدارة في هذه اللحظة. لقد أدركوا أن العالم يراقب، وخاصة قواتهم، وكانوا حريصين بشكل خاص على إظهار اللياقة المناسبة التي تعكس الأخلاقيات المهنية العسكرية.
وعليه، وقفوا وصفقوا للوصول والمغادرة الاحتفالية للمدنيين في سلسلة قيادتهم. وفيما عدا ذلك، استمعوا باحترام، وحرصوا على عدم الظهور كجمهور في تجمع انتخابي، حفاظًا على الروح غير الحزبية للجيش.
وتحول اجتماع هيجسيث إلى فرصة وتحدٍ في آن واحد. لقد كان هناك خطر من أن يتحول الحدث إلى انحراف وانجراف سياسي للجيش، وقد وفرت جميع التعليقات الحزبية من على المنصة فرصة سانحة لذلك. ولحسن الحظ، أفشل الجيش نفسه هذه النتيجة، وحافظ، في الوقت الحالي على الأقل، على الثقة والتوازن الذي تعتمد عليه العلاقات المدنية-العسكرية السليمة.