«جيل زد» بين السلمية والغضب.. الفقر والتهميش يغذيان الفوضى في المغرب
klyoum.com
أخر اخبار مصر:
محافظ بورسعيد ينعى العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشمبينما تتواصل التظاهرات في مدن المغرب للأسبوع الثاني على التوالي، تكشف حركة "جيل زد" أن هذا الجيل الجديد ليس كتلة واحدة متجانسة، بل فسيفساء تعكس التفاوت الاجتماعي والثقافي بين مدن متشبعة بثقافة الاحتجاج السلمي وأخرى تغلي تحت ضغط التهميش والغضب المكبوت.
فقد دعت الحركة، التي تنشط عبر منصات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها "ديسكورد"، إلى جولة جديدة من المظاهرات في أكثر من 14 مدينة مغربية، مطالبة بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي، وفقًا لتقرير صحيفة الإندبندنت البريطانية.
مدن تحتج بالعقل وأخرى بالغضب
فاس والدار البيضاء تجسدان الوعي المدني.. والأطراف تنفجر تحت وطأة الحرمان
في المشهد العام، بدت بعض المدن المغربية أكثر نضجًا في تعاملها مع موجة الاحتجاجات، بينما انجرفت أخرى نحو مواجهات عنيفة مع قوات الأمن.
فمدن مثل فاس والدار البيضاء والرباط قدّمت نموذجًا راقيًا في التنظيم والاحتجاج السلمي، إذ خرج الشباب في صفوف منظمة رافعين لافتات تطالب بإصلاح التعليم والصحة وضمان الكرامة، من دون المساس بالممتلكات العامة أو استفزاز رجال الأمن.
ويشير المراقبون إلى أن وعي الشباب بخطورة الظرف السياسي جعلهم يتجنبون الشعارات المتطرفة، فمطلبهم الأساسي بسيط وواضح: مدارس أفضل، مستشفيات أنظف، وعدالة اجتماعية يشعر بها الجميع.
كما ساهم تعامل السلطات الأمني المتزن في حفظ السلمية، إذ اكتفت الأجهزة بالمراقبة دون تدخل مباشر.
أما في المقابل، فقد شهدت مدن طرفية كـ القليعة وإنزكان وسلا مواجهات عنيفة وأعمال تخريب، عكست عمق الاحتقان الاجتماعي المتراكم وغياب التأطير المدني، حيث أصبح العنف وسيلة للتعبير عن الحرمان.
الفقر والتهميش يغذيان الفوضى
قاصرون وعاطلون يحوّلون الغضب إلى متنفس اجتماعي
يرى خبراء علم الاجتماع أن مشاركة القاصرين والعاطلين عن العمل فاقمت الوضع في بعض المدن المهمشة، إذ تحوّلت التظاهرات إلى متنفس للغضب المكبوت أكثر من كونها فعلًا سياسيًا منظمًا.
فالكثير من هؤلاء الشباب لم يعتدوا على لغة الحوار أو الاحتجاج السلمي، بل وجدوا في الشارع فرصة للتنفيس عن التهميش والحرمان في بيئة تغيب فيها فرص العمل والتعليم، وتنتشر فيها المخدرات.
ولهذا، حين تُحرق سيارة شرطة أو تُكسر واجهة مؤسسة عامة، فإن الفعل لا يُقرأ سياسيًا بقدر ما يُفهم كصرخة اجتماعية من مناطق ظلت على هامش التنمية.
مناعة مدنية في المدن الكبرى
تجربة تراكمية تجعل فاس ومراكش والرباط أكثر انضباطًا
يشير المراقبون إلى أن المدن الكبرى مثل فاس ومراكش والدار البيضاء تمتلك "مناعة مدنية" ضد الانزلاق إلى الفوضى، بفضل تراكم تجربة طويلة في إدارة الاحتجاجات والتعبير السلمي.
ففي هذه المدن، يدرك الشباب أن الممتلكات العامة جزء من كيانهم المدني، وأن تدميرها لا يخدم قضيتهم.
في المقابل، تعاني المدن الطرفية من غياب مؤسسات المجتمع المدني، ما يجعلها أكثر هشاشة أمام أي توتر اجتماعي.
الفجوة التنموية تشعل الشارع
تفاوت الفرص بين السواحل والداخل يهدد الشعور بالانتماء
يرى الباحثون أن الجغرافيا ومستوى التنمية الاقتصادية يلعبان دورًا حاسمًا في تحديد طبيعة الاحتجاج.
فالشاب الذي يعيش في مدينة ساحلية مزدهرة يشعر أن صوته يُسمع وأن التغيير ممكن، بينما الذي نشأ في منطقة داخلية منسية يرى أن لا أحد يسمعه، فيختصر الطريق إلى الغضب والعنف.
هذا التفاوت، بحسب الخبراء، يُنتج شعورًا متزايدًا باللاجدوى ويهدد التماسك الاجتماعي على المدى الطويل.
جيل بلا ذاكرة سياسية.. وصوت يبحث عن مستقبل
«جيل زد» يطالب بما هو بديهي: مدرسة، مستشفى، وعدالة
ولد معظم شباب "جيل زد" في مطلع الألفية الثالثة، أي بعد موجات الاحتجاج الكبرى التي عرفها المغرب خلال العقود الماضية.
إنهم لا يملكون ذاكرة سياسية تقليدية، لكنهم يمتلكون طاقة عاطفية هائلة ومطالب معيشية واضحة.
فشعاراتهم بسيطة لكنها عميقة الدلالة: "مدرسة، مستشفى، وعدالة".
وهو ما يعكس انتقال الحراك من المطالب الأيديولوجية إلى صرخة اجتماعية خالصة تعبّر عن توق جيل جديد إلى الكرامة والإنصاف.
نحو مقاربة جديدة
من الأمن إلى التنمية: كيف تصغي الدولة لصوت الجيل الجديد؟
يؤكد المراقبون أن التعامل مع حركة "جيل زد" لا ينبغي أن يُختزل في المقاربة الأمنية، بل يحتاج إلى رؤية تنموية شاملة تُعيد الثقة إلى الشباب.
فالصوت الذي يرتفع اليوم في شوارع المغرب ليس فقط صرخة غضب، بل نداء استحقاق لوطن يريد أن يسمع أبناءه قبل أن يضطر إلى مواجهتهم.