اخبار مصر

الرئيس نيوز

منوعات

زاوية العريان.. هرم غامض يُشعل خيال عشاق الحضارة المصرية

زاوية العريان.. هرم غامض يُشعل خيال عشاق الحضارة المصرية

klyoum.com

على بُعد بضعة كيلومترات من الأهرامات الشهيرة في الجيزة، تختبئ قطعة من التاريخ المصري القديم لا يعرفها كثيرون، لكنها تثير فضول كل من تطأ قدمه أرضها أو تقع عينه على صورها. إنها زاوية العريان، المنطقة الأثرية الغامضة التي تزداد أهميتها مع مرور الوقت، وتتحول تدريجيًا إلى لغز يجمع بين العظمة المعمارية والغموض الأثري الذي لم تفك أسراره بعد، وفقًا لصحيفة دايلي ميل البريطانية.

ورغم قربها من أهرامات الجيزة الشهيرة، ظلت زاوية العريان بعيدة عن دائرة الضوء، لكنها في الحقيقة تحتوي على معالم أثرية تعود إلى الأسرة الثالثة والرابعة، أي إلى بدايات الدولة القديمة، حين كانت مصر تضع أولى لبنات حضارتها المعمارية الخالدة. وتضم المنطقة هرمين رئيسيين: الأول يُعرف باسم "هرم الطبقة"، ويُرجّح أنه بُني في عهد الملك خعبا، أحد ملوك الأسرة الثالثة، أما الثاني فهو "الهرم الشمالي غير المكتمل" الذي يُعتقد أنه شُيّد في عهد أحد ملوك الأسرة الرابعة، ويُعد من أكبر الأهرامات التي لم تُستكمل أعمال بنائها حتى اليوم.

ويقع الموقع الأثري على بعد نحو ثمانية كيلومترات جنوب غرب الجيزة، بين منطقتي أبو صير وأبو رواش، وهما من أهم المراكز الأثرية في مصر القديمة. ووفقًا للبحوث الأثرية التي تناولته، تضم زاوية العريان مجموعة من المقابر الصخرية المعروفة باسم "المصاطب"، إلى جانب شبكة من الممرات والأنفاق الجوفية التي يرجح أنها كانت تستخدم كممرات للدفن أو كمخازن للأدوات الجنائزية. كل ذلك جعل منها واحدة من أكثر المناطق المثيرة للاهتمام في الدراسات الأثرية الحديثة، رغم أن الحفريات توقفت فيها منذ أكثر من نصف قرن.

لكن ما يزيد من جاذبية زاوية العريان هو أنها تُجسّد الجانب غير المكتمل من الحضارة المصرية. فبينما يقف هرم خوفو شامخًا مكتمل البنيان، تقف هياكل زاوية العريان كأنها شواهد على محاولات وتجارب لم تكتمل. وتُظهر طبقات الحجر في "هرم الطبقة" تصميمًا هندسيًا فريدًا، إذ بُنيت طبقاته المتدرجة فوق قاعدة صخرية طبيعية، لتُشكل ما يشبه هرمًا من سبع طبقات حجرية متراكبة. غير أن العمل توقف فجأة قبل اكتماله، ولم يُعرف السبب بدقة حتى الآن. بعض الباحثين يعتقدون أن وفاة الملك البنّاء كانت وراء توقف المشروع، فيما يرى آخرون أن مشكلات هندسية أو سياسية قد حالت دون استكماله.

أما "الهرم الشمالي غير المكتمل" في زاوية العريان، فيبدو أكثر غموضًا وإبهارًا. يبلغ طول قاعدته نحو 200 متر لكل ضلع، أي أنه كان سيضاهي حجم هرم خوفو تقريبًا لو اكتمل بناؤه. لكن المفاجأة أن ما تم العثور عليه هو مجرد قاعدة ضخمة غُرست في عمق الأرض، مع شبكة مذهلة من الأنفاق والممرات الجوفية التي لا تزال تثير الدهشة حتى اليوم. في قلب هذه الأنفاق، توجد حجرة ضخمة نُحتت في الصخر، ويُعتقد أنها كانت مخصصة لوضع تابوت الملك أو خزائن القرابين الملكية. داخل الحجرة وُجدت نقوش بالحبر الأحمر والأسود تحمل رموزًا غير مفهومة بالكامل، من بينها رمز يُقرأ كـ«كا»، وهو ما جعل العلماء يتساءلون: هل المقصود هو "روح الملك" أم اسم ملك مفقود من سجلات التاريخ؟

ورغم الأهمية العلمية لهذه التساؤلات، لم تُتح الفرصة للعلماء لمواصلة العمل في الموقع بحرية. فزاوية العريان أصبحت منذ منتصف ستينيات القرن الماضي منطقة عسكرية مغلقة، ما جعلها محظورة على البعثات الأثرية الأجنبية والمحلية. هذه السرية المحيطة بالمكان أضافت إليه هالة من الغموض والتكهنات، حتى إن بعض النظريات الشعبية بدأت تنسج قصصًا عن أسرار مدفونة تحت الرمال، أو عن غرف ملكية لم تُفتح منذ آلاف السنين. لكن علماء الآثار الجادين يرون أن الحقيقة أكثر واقعية، وأن الموقع ببساطة يحتاج إلى إعادة فتحه ودراسته بأساليب حديثة لإعادة اكتشاف فصول مجهولة من تاريخ الدولة القديمة.

ويشير المؤرخون إلى أن أول من سجّل زاوية العريان كان المستكشف الألماني كارل ريتشارد لبسيوس في القرن التاسع عشر، حين أدرجها ضمن قائمته الشهيرة لأهرامات مصر واعتبرها “الهرم الثالث عشر”. وبعده بنحو خمسين عامًا، واصل الباحث الإيطالي أليساندرو بارسانتي الحفر في الموقع، وكشف عن أجزاء من الممرات السفلية وغرف الدفن، قبل أن تتوقف أعمال التنقيب لأسباب إدارية وسياسية. ومنذ ذلك الحين، ظل المكان حبيس الرمال والنسيان، إلى أن بدأ هواة علم المصريات في العصر الحديث إعادة تسليط الضوء عليه عبر الصور الجوية والأبحاث الرقمية.

ورغم الإهمال، لا تزال زاوية العريان تحتفظ بسحرها المميز. فهي تقدم نموذجًا مصغرًا لتطور الفكر المعماري في مصر القديمة، وتمنح الباحثين فرصة نادرة لمتابعة مراحل البناء الأولى قبل أن تتبلور فكرة الهرم الكامل كما عرفناها لاحقًا في أهرامات الجيزة. بل إن بعض المتخصصين يرون أن زاوية العريان كانت بمثابة “مختبر هندسي” تجري فيه التجارب على الأساليب المعمارية الجديدة في تلك الفترة الانتقالية الحساسة.

لكن التحديات أمام إعادة إحياء الموقع كبيرة، تبدأ من القيود الأمنية التي تمنع الوصول إليه، مرورًا بنقص التمويل المخصص لأبحاثه، وانتهاءً بعوامل الزمن التي تركت آثارها على الجدران الصخرية والممرات المكشوفة. ومع ذلك، تبقى قيمة زاوية العريان العلمية والتاريخية ثابتة، فهي تذكير حي بأن الحضارة المصرية ما زالت تخبئ بين طبقات رمالها أسرارًا لم تُكشف بعد، وأن كل موقع أثري – مهما بدا صغيرًا أو غير مكتمل – يحمل مفتاحًا جديدًا لفهم قصة الإنسان المصري القديم.

وقالت صحيفة دايلي ميل البريطانية إن زاوية العريان ليست مجرد أطلال هرم لم يكتمل، بل هي مرآة تعكس مرحلة التجريب والإبداع الأولى في مسيرة المصريين نحو الخلود. إنها صفحة لم تُكتب بعد في كتاب الحضارة، لكنها تظل مفتوحة لكل من يسعى إلى قراءة التاريخ بعينٍ جديدة.

*المصدر: الرئيس نيوز | alraeesnews.com
اخبار مصر على مدار الساعة