علماء الأزهر في ندوة بالأسبوع الدعوي: النبي وأصحابه تحملوا الأذى من أجل العقيدة الخالصة
klyoum.com
نظّمت الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بمجمع البحوث الإسلامية، بالتعاون مع الجامع الأزهر، مساء الثلاثاء، ثالث فعاليات الأسبوع الدعوي الثامن الذي يقام هذا العام تحت عنوان: «الهجرة النبويّة: تدبيرٌ إلهيٌّ وبُعدٌ إنسانيّ»، وذلك في إطار إحياء الدروس الإيمانيّة والتربوية التي تمثّلها الهجرة النبوية الشريفة.
وشهدت ندوة اليوم حضور نخبة من علماء الأزهر الشريف، وجاءت بعنوان: «العقيدة والهجرة: الهجرة النبوية في القرآن الكريم.. دلالات عقدية ومعطيات خالدة »، وتحدّث فيها فضيلة الدكتور عماد عبده العجيلي، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، والدكتور أشرف شعبان، الأستاذ بجامعة الأزهر، وأدارها الدكتور يوسف المنسي، عضو الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بمجمع البحوث الإسلامية، في رحاب الظلة العثمانية بالجامع الأزهر الشريف.
في كلمته، أكّد الدكتور عماد عبده العجيلي أنّ النبي ظلّ ثلاث عشرة سنة في مكة يدعو إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام، وتحمّل هو وأصحابه الأذى والتعذيب والتنكيل، لا لشيء إلا من أجل العقيدة الخالصة، ومن أجل رضوان الله، وقال فضيلته: «كان هذا الابتلاء لحكمةٍ إلهيّة عظيمة؛ لئلا يُقال إنما نُصِر رسول الله بعصبيّة قريشيّة، بل شاء الله أن يكون النصر من خارج قريش، ليبقى التمكين رايةً خالصةً للعقيدة».
وأوضح أنّ الصحابة رضوان الله عليهم لم يتحمّلوا المشقّة من أجل مكسب دنيوي، وإنما من أجل أنّ العقيدة استقرّت في قلوبهم، ومحل العقيدة هو القلب، فإذا استقر الإيمان في القلب ضحّى الإنسان بكل شيء من أجله، وقال: «الإنسان من أجل العقيدة يُضحي بكل شيء، حفاظا على عقيدته».
وأضاف أنّ الهجرة كانت إيذانًا بميلاد أمةٍ إسلاميّة، وتاريخٍ جديد، فاختار المسلمون أن يكون تقويمهم من هذا الحدث، لا من مولد النبي، ولا من بعثته، بل من هجرته، لأنها لحظة بناء الأمة، وانطلاق الحضارة، وقال: «لم يكن للعرب قبل الإسلام تقويمٌ ثابت، بل كانت مناسبات، كعام الفيل، أو غيره، حتى ألهم اللهُ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه أن يجعل التقويم من هجرة النبي، لأن بناء الأمة بدأ من هناك».
من جانبه، أكّد فضيلة الدكتور أشرف شعبان أن النبي خرج من مكة مهاجرًا طلبًا لرضا الله، وإعلاءً لكلمة الله، فكان خروجه بأمر الله، وإقامته في المدينة مرضاة لله، أقام فيها دولة عظيمة، ونشر الأمن والأمان في ربوع العالم. وقال فضيلته: «ما ينبغي أن نتأمّله هو: ماذا يمكن أن نستفيد من هجرة الأنبياء والمرسلين؟».
وأضاف، أننا نتعلّم من هجراتهم أن نلوذ بجناب الله، فما خرجوا إلا بإذنه، وما تحرّكوا إلا بأمره، وما ركنوا إلا إليه، فكان من الله النصرُ والإيواءُ كما قال: ﴿إِلّا تَنصُروهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّهُ﴾، والهجرة حدث مر على جميع رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم.
وأوضح فضيلته أن من أعظم ما نستفيده من هذه الهجرات: الاقتداء بالأنبياء، والرجوع إلى طاعة الله، وهجر المعاصي، مشيرًا إلى قول النبي: «المُهاجرُ من هَجَرَ ما نَهى اللهُ عنه»، واختتم حديثه بقوله: «عَسانا أن نقرأ آيات الله التي تتعلّق بهجرة أنبيائه فنستفيد، ونسير كما ساروا، ونتخلّق بما أراد الله لنا».
وفي ختام الندوة، تحدّث مدير الندوة الدكتور يوسف المنسي، عضو الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بمجمع البحوث الإسلامية، مؤكدًا أن حديث القرآن عن الهجرة لا يمكن الإحاطة به في جلسة أو جلستين، لكنه أشار إلى لمحةٍ عقديّةٍ مهمّة فقال: «القرآن الكريم حين يتحدث عن القضايا العقديّة المرتبطة بالفطرة والطبيعة الإنسانيّة، لا يُلقي الحكم مباشرة، بل يُمهِّد له بآياتٍ كثيرة، وربما بأزمنةٍ ممتدّة، ثم يستخدم أرقى أسلوب تربويّ لصناعة العقيدة في النفوس».
وأوضح أن القرآن حين تحدّث عن هجرة النبي، عرضها على مشارف مكة ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ﴾، ثم أعاده فاتحًا لمكة، ثم حاجًّا في العام العاشر، تمامًا كما عاد موسى عليه السلام إلى مصر، وكما خرج يوسف عليه السلام من السجن، ليبيّن كيف تصنع الهجرة العقيدة، وتُثبِّت الإيمان، وتزرع في قلب المؤمن يقينًا لا يتزعزع.