اخبار مصر

الرئيس نيوز

سياسة

تقرير: التفاؤل التكنولوجي لن ينقذ الكوكب من تغيّر المناخ

تقرير: التفاؤل التكنولوجي لن ينقذ الكوكب من تغيّر المناخ

klyoum.com

عندما ينظر المؤرخون إلى العقد الحالي من القرن الحادي والعشرين، فلن يتوقفوا طويلًا أمام الضجيج السياسي الذي يملأ الساحة الأمريكية حول ملف جيفري إبستين أو معارك التمويل بين الجمهوريين والديمقراطيين التي أدت إلى أطول إغلاق حكومي، ولن يروا في الصراعات الدولية الجارية—من الحرب المروّعة في غرب السودان إلى النزاع المتواصل بين روسيا وأوكرانيا—المشهد الأكثر تعبيرًا عن روح هذه المرحلة. ما سيبقى في نظرهم هو العجز العالمي عن مواجهة تغيّر المناخ بما يستحقه من جدية، والانسياق وراء وهم مُطمئن مفاده أن التكنولوجيا ستقدم الحل السحري في النهاية.

هذه الفكرة التي تتكرر في الخطاب العام تمنح الناس إحساسًا زائفًا بالراحة، وكأن رهانًا غير مضمون على معجزة تقنية مستقبلية يمكن أن يعفي العالم من القرارات المؤلمة التي يتطلبها الواقع. ومع ذلك، فإن كل المعطيات تشير إلى أننا أمام أزمة لا يكفي معها الإيمان بالتقدم العلمي، بل تحتاج إلى إرادة سياسية تحرّك المجتمعات نحو تغييرات جذرية، وهو ما يجعل تجاهل هذا البعد السياسي والاجتماعي من أكبر أخطاء عصرنا، كما ترى مجلة فورين بوليسي.

وفي تناولها الموسع لمفهوم المخاطرة العالمية وتكلفة الانتظار، أكدت المجلة أن التفاؤل بقدرات التكنولوجيا تحوّل إلى منطقة راحة أو بالأحرى ملاذ نفسي تتجنّب عبره المجتمعات الاعتراف بحجم المسؤوليات المطلوبة. فبدل مواجهة الحقائق الصعبة، يختبئ كثيرون خلف وعود بأن تقنيات التقاط الكربون أو الهندسة الجيولوجية ستظهر فجأة على نحو قادر على إيقاف المسار المتسارع للاحتباس الحراري. غير أن هذه الوعود ما تزال قائمة في معظمها على نظريات غير قابلة للتطبيق واسع النطاق، كما أن تكلفتها الاقتصادية والسياسية تجعلها بعيدة جدًا عن أن تكون البديل الواقعي الذي يقدَّم للجمهور باعتباره طوق النجاة المنتظر. وحتى في القطاعات التي شهدت تطورًا حقيقيًا، مثل الطاقة المتجددة، فإن ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء يلتهم جزءًا كبيرًا من المكاسب، فيما تواصل الاقتصادات الكبرى تعزيز اعتمادها على الوقود الأحفوري تحت ضغط النمو، والتنافس الجيوسياسي، وحسابات الداخل.

والحقيقة أن الاحتكام إلى التكنولوجيا وحدها يختزل الأزمة في بُعدها العلمي ويُهمِل أساسها السياسي. فالتعامل مع تغيّر المناخ يحتاج إلى تحولات ضخمة في أنظمة الطاقة والنقل والزراعة والبنية الصناعية، وهذه التحولات ليست مجرد نتائج طبيعية للتقدم التقني، بل هي قرارات تتطلب شجاعة حكومية واستعدادًا لدفع تكلفة اجتماعية قصيرة الأمد مقابل إنقاذ طويل الأمد. لكن ما يحدث على أرض الواقع هو العكس: الحكومات تفضّل السياسات السهلة التي لا تثير غضب الناخبين ولا تُغضب جماعات المصالح، فيما تستمر الشركات العملاقة في توسيع استثماراتها في النفط والغاز تحت شعار “المرحلة الانتقالية” التي لا تنتهي، والدول الفقيرة تُطالِب بحقها في التنمية دون أن تجد دعمًا عادلًا من الدول الغنية، ما يخلق فجوة متزايدة بين ما يفرضه العلم وبين ما تسمح به السياسة.

ومع اتساع هذه الفجوة، يصبح من الواضح أن العالم يتصرّف وكأنه يمتلك رفاهية الوقت، بينما تشير البيانات إلى أننا نقترب من لحظة تفقد فيها القرارات المتأخرة قيمتها. فالاعتماد المتزايد على قصة “الإنقاذ التكنولوجي” يؤجل التعامل مع المشكلة ويجعل من السهل إقناع الرأي العام بأن الحلول الصعبة يمكن تجنّبها. هذه الحالة من الوهم الجماعي تحوّل الخطر المناخي إلى مجرد نقاش نظري بدل أن يكون التحدي الوجودي الذي يمس كل جوانب الحياة الحديثة، من الاستقرار السياسي والاقتصادي إلى الأمن الغذائي والمائي، وصولًا إلى أنماط النزوح البشري والجغرافيا الاقتصادية للعالم.

ودعت فورين بوليسي إلى مواجهة شجاعة للحقيقة القائلة بأن التكنولوجيا—رغم أهميتها—لن تحل أزمة المناخ وحدها، وأن تأجيل القرارات الصعبة بذريعة انتظار الاختراع المناسب ليس إلا شكلًا متطورًا من أشكال الإنكار. فالعالم يحتاج اليوم إلى تغيير اقتصادي وسياسي يتناسب مع حجم التهديد، لا إلى قصص مريحة تبرر استمرار الوضع القائم. وكل عام يمر دون تحرك حقيقي يجعل الخيارات المستقبلية أكثر ضيقًا، والتكلفة النهائية أكثر قسوة. إن إنقاذ المناخ لن يأتي من معجزة هندسية بقدر ما سيأتي من إرادة بشرية تقرر أن تتصرف الآن، قبل أن يصبح التصرف متأخرًا بلا جدوى.

*المصدر: الرئيس نيوز | alraeesnews.com
اخبار مصر على مدار الساعة