توسيع اتفاقيات أبراهام يعود للواجهة.. وواشنطن تراهن على "التطبيع أولا" كطريق لحل الصراع
klyoum.com
في خضمّ المشهد المتقلب للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، برزت تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف باعتبارها مؤشرًا جديدًا على تحوّلٍ محتمل وعميق في سياسة واشنطن تجاه المنطقة. فقد شدّد في أكثر من مناسبة على أن «حركة حماس يجب أن تنزع سلاحها لأنها لا تملك مستقبلًا في غزة»، مؤكدًا أن توسيع اتفاقيات أبراهام لم يعد رفاهية سياسية، بل بات «ضرورة أمنية واستراتيجية» لضمان الاستقرار الإقليمي، في محاولة لدمج إسرائيل أمنيًا واقتصاديًا بشكل كامل.
هذه التصريحات – وفق تحليل نشرته صحيفة جويش إنسايدر الأمريكية – تعكس توجهًا متزايدًا ومحوريًا داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، نحو ربط أي حلّ طويل الأمد في غزة، بما في ذلك إعادة الإعمار، بإعادة ترتيب التحالفات في المنطقة عبر بوابة التطبيع الواسع مع إسرائيل.
وتضيف الصحيفة أن ويتكوف عبّر في لقاءاته الأخيرة عن قناعة الإدارة الأمريكية بأن «نزع سلاح حماس شرط لا يمكن تجاوزه قبل الحديث عن إعادة الإعمار أو تسوية سياسية»، معتبرًا أن «اتفاقيات أبراهام ليست مجرد معاهدات سلام، بل هي خريطة طريق لإعادة هندسة الأمن الإقليمي». هذه المقاربة، بحسب جويش إنسايدر، تضع حماس في زاوية حرجة، إذ يُعاد تعريف وجودها العسكري كعقبة ليس فقط أمام أمن إسرائيل، بل أمام عملية بناء غزة وأمام تطبيعٍ عربي-إسرائيلي متسارع.
العصا والجزرة
وفي سياق كشفه عن المبادرات الموازية لعملية التطبيع، وتحديدًا في السابع من نوفمبر 2025، نقلت صحيفة أجينزيا نوفا الإيطالية عن ويتكوف تصريحًا مثيرًا للجدل، مؤكدًا أن حركة المقاومة الفلسطينية حماس مستعدة لتسليم أسلحتها لقوة أمنية دولية في قطاع غزة. وأفاد المبعوث الأمريكي خلال مشاركته في منتدى الأعمال الأمريكي في ميامي بأن «حماس لطالما أوضحت أنها مستعدة لتسليم أسلحتها»، مشيرًا إلى أن الحركة أبلغت ذلك مباشرة حتى لـجاريد كوشنر، مستشار الرئيس دونالد ترامب. كما أشار ويتكوف إلى أن واشنطن تضغط حاليًا على إسرائيل للسماح لمقاتلي حماس المحاصرين في رفح، جنوب قطاع غزة، بمغادرة المنطقة كجزء من ترتيبات نزع السلاح.
وأعرب ويتكوف عن أمله في أن تفي الحركة بوعدها، مضيفًا: «إذا فعلت ذلك، فستدرك أن خطة التنمية التي لدينا لغزة استثنائية حقًا، وأفضل بكثير مما تم اقتراحه في الماضي». ويُعتبر هذا التصريح جوهر استراتيجية "الجزرة"، حيث شدد ويتكوف على أن المبادرة تتضمن «برنامجًا ضخمًا لخلق الوظائف» في القطاع المدمر.
وفي تأكيد عملي على الطموح الأمريكي لتوسيع الاتفاقيات، كشف ويتكوف في ذات المؤتمر، وفقًا لأجينزيا نوفا، عن إعلانات وشيكة، حيث قال: «الليلة، سنعلن انضمام دولة إضافية إلى اتفاقيات أبراهام والتطبيع مع إسرائيل». وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقيات أبراهام قد وُقِّعت في الأصل عام 2020 خلال فترة ترامب الأولى، وأسست علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والعديد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك المغرب والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
وفي تصريحاتٍ نقلتها صحيفة نيويورك بوست، قال ويتكوف إن الولايات المتحدة تعمل حاليًا على «توسيع جوهري لاتفاقيات أبراهام»، مؤكدًا أن انضمام دولٍ جديدة إلى مسار التطبيع بات «مسألة وقت ليس أكثر». وأوضح أن واشنطن «تتواصل مع حكوماتٍ إسلامية وعربية لإقناعها بأن مستقبل الأمن والازدهار يمر عبر بوابة التعاون الإقليمي وليس الصراع الدائم». واعتبر أن نزع سلاح حماس ووقف إطلاق النار في غزة «سيتيح إطلاق مرحلة سياسية جديدة قد تشمل دولًا لم تكن متوقعة».
أما صحيفة ميدل إيست مونيتور فقد نقلت عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية قولهم إن ويتكوف يسعى لتوظيف الهدنة المؤقتة في غزة لتوسيع رقعة اتفاقيات أبراهام بإضافة دولٍ من آسيا الوسطى وربما من شمال إفريقيا، في خطوةٍ تهدف إلى ترسيخ التحالف الأمريكي-الإسرائيلي في وجه ما تعتبره واشنطن تمددًا صينيًا وإيرانيًا متزايدًا في المنطقة. وذكرت الصحيفة أن المبعوث الأمريكي أكد خلال اجتماع مغلق أن «توسيع الاتفاقيات ليس عملًا بروتوكوليًا، بل جزء من منظومة الأمن الغربي في الشرق الأوسط».
ورأت جويش إنسايدر أن هذه الرؤية تُعد امتدادًا مباشرًا لسياسات ترامب الأولى التي سعت إلى جعل التطبيع العربي-الإسرائيلي وسيلة لتقويض النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. إلا أن ويتكوف – بحسب الصحيفة – يتعامل اليوم مع واقع أكثر تعقيدًا بعد الحرب الأخيرة على غزة، ما يجعله يربط بشكل وثيق بين نزع سلاح حماس وبين ضمان استمرار التوسع في مسار التطبيع.
رد حماس والتحليل النقدي للتصريحات
لكن هذه التصريحات أثارت ردود فعل حادة من جانب حركة حماس التي رفضت ما وصفته بـ«الوصاية الأمريكية». وقالت الحركة في بيانٍ نقلته صحيفة تايمز أوف إنديا إن «الحديث عن نزع سلاح المقاومة محاولة لفرض استسلامٍ سياسي تحت غطاء السلام»، معتبرة أن زيارة ويتكوف لغزة كانت «عرضًا مسرحيًا لا أكثر».
وأضافت الصحيفة الهندية أن حماس أكدت «أن حق المقاومة ثابتٌ لا يمكن التنازل عنه»، وأنها «لن تدخل أي تسوية مشروطة بإلغاء سلاحها أو تقليص نفوذها في غزة»، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول تصريح ويتكوف لأجينزيا نوفا عن استعداد حماس لتسليم سلاحها.
من جانب آخر، أشارت نيويورك بوست إلى أن ويتكوف شعر بـ«خيبة أمل» من استمرار الضربات الإسرائيلية في بعض مناطق القطاع خلال مفاوضات الهدنة، واعتبر أن «مثل هذه التحركات تضعف فرص التقدم نحو تطبيعٍ أوسع مع الدول العربية». وذكرت الصحيفة أن المبعوث الأمريكي يواجه تحديًا مزدوجًا: إقناع إسرائيل بمرونةٍ سياسية مقابل التطبيع، وإقناع العرب بأن خطة ترامب الثانية ليست إعادة إنتاجٍ لاتفاقياتٍ بلا مضمونٍ فلسطيني.
وتحليلًا لهذه التطورات، يوضح موقع ميدل إيست مونيتور أن تصريحات ويتكوف تعبّر عن منهج «الضغط عبر الأمل»؛ أي استخدام وعد التطبيع الاقتصادي والأمني لتشجيع الأطراف على التنازل عن بعض أوراق القوة العسكرية. إلا أن هذا النهج – وفق مراقبين – قد يكون محفوفًا بالمخاطر، إذ يعتمد على افتراض استعداد حماس لتفكيك جناحها العسكري مقابل وعودٍ سياسية غير مؤكدة، وهو ما لم تُبدِ الحركة أي نية لقبوله حتى الآن، خاصةً في ظل غياب بدائل أمنية وسياسية موثوقة.
وتُبرز جويش إنسايدر في تقريرها أن استراتيجية ترامب-ويتكوف تقوم على «نزع سلاح الإسلام السياسي» و«إعادة دمج إسرائيل في محيطها عبر علاقات طبيعية تمتد من الخليج إلى آسيا الوسطى».
وفي المقابل، يرى محللون أن هذه السياسة قد تؤدي إلى فجوةٍ أعمق بين الشعوب العربية وحكوماتها، إذا بدا أن التطبيع يتقدّم بمعزلٍ عن حلٍّ عادل للقضية الفلسطينية. كما أن الرهان على نزع سلاح حماس كشرطٍ مسبق قد يُفشل المسار بأكمله، خصوصًا إذا لم يُقرن بترتيباتٍ أمنية وضماناتٍ دولية حقيقية تتجاوز مجرد وعود التنمية.
وتكشف تصريحات ويتكوف – كما ترصدها الصحف الغربية – عن محاولةٍ أمريكية-إسرائيلية لصياغة نظامٍ شرق أوسطي جديد يقوم على تطبيعٍ موسّع مقابل نزع سلاح حماس. لكنّ الطريق إلى ذلك مليء بالعقبات، بدءًا من صلابة موقف المقاومة، مرورًا بحسابات الأمن الإسرائيلي المتشددة، ووصولًا إلى الشكوك العربية من أن يتحول «السلام» إلى مجرد غطاءٍ لاستراتيجية الهيمنة. ومع ذلك، تبقى تصريحات ويتكوف مؤشرًا واضحًا إلى أن اتفاقيات أبراهام قد تدخل فصلًا جديدًا أكثر طموحًا، لكن أيضًا أكثر خطورة على توازن المنطقة بأسرها.