د. ثروت إمبابي يكتب: البيوجاز الصناعي .. طريق مصر الذكي نحو سد فجوة الغاز الطبيعي
klyoum.com
مع تصاعد الضغوط على مصادر الطاقة التقليدية وتنامي الطلب الصناعي على الغاز الطبيعي، تزداد الحاجة الملحّة إلى حلول بديلة تضمن استدامة الطاقة وتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
وتعاني المصانع من أزمات متكررة في إمدادات الغاز الطبيعي، سواء نتيجة لزيادة الطلب أو محدودية الموارد، مما يدفع إلى التوجه نحو مصادر طاقة غير تقليدية، ويأتي في مقدمتها البيوجاز كحل عملي واستراتيجي قابل للتنفيذ والتوسع. البيوجاز هو ناتج عملية التحلل اللاهوائي للمخلفات العضوية مثل روث الحيوانات، وبقايا المحاصيل، ومخلفات الصناعات الغذائية، وتقوم بكتيريا متخصصة بتكسير هذه المواد وإنتاج غاز غني بالميثان يمكن استخدامه كوقود. ويتميز غاز الميثان بقدرته العالية على توليد الحرارة والطاقة، ما يجعله خيارًا مناسبًا لتشغيل المعدات الصناعية أو توليد الكهرباء اللازمة لخطوط الإنتاج.
إن إدخال وحدات البيوجاز إلى المصانع، لا سيما تلك المحيطة بأنشطة زراعية أو غذائية، يتيح فرصة مزدوجة: أولًا، التخلص من المخلفات بطريقة آمنة وصديقة للبيئة؛ وثانيًا، إنتاج مصدر طاقة موثوق ومستمر يقلل الاعتماد على شبكة الغاز القومية. ومن الفوائد المهمة أيضًا انخفاض تكاليف التشغيل على المدى البعيد، حيث تُستبدل النفقات المتكررة على الغاز الطبيعي بتكلفة استثمارية لمرة واحدة في وحدة البيوجاز، يعقبها استغلال دائم للمخلفات كمصدر مجاني تقريبًا للطاقة. علاوة على ذلك، فإن هذا التوجه يعزز من قدرة المصانع على الاستدامة البيئية، والالتزام بمعايير الاقتصاد الأخضر، مما يفتح لها فرصًا أكبر في الأسواق التصديرية ويزيد من تنافسيتها.
من وجهة نظري، فإن اعتماد الصناعة المصرية على وحدات البيوجاز لم يعد ترفًا أو خيارًا مؤجلًا، بل هو ضرورة عاجلة وملحة في ظل الضغط المتزايد على الموارد الطبيعية. نملك في مصر كمًّا هائلًا من المخلفات العضوية التي لا يُستفاد منها بالشكل الأمثل، سواء في القرى أو المصانع أو مزارع الإنتاج الحيواني، ويمكن بسهولة تحويل هذه المخلفات إلى طاقة متجددة قادرة على تغطية جزء معتبر من احتياجات القطاع الصناعي.
فالميثان الناتج من البيوجاز يمكن استخدامه مباشرة لتوليد حرارة، أو تشغيل مولدات كهرباء، أو حتى ضخه في أنظمة تشغيل قريبة من تلك التي تعتمد على الغاز الطبيعي. وبذلك، يتحول العبء البيئي للمخلفات إلى مورد طاقوي يعزز أمن الطاقة ويقلل الاعتماد على الاستيراد.
إن تقليص الفجوة في الغاز الطبيعي لا يمكن أن يتم عبر زيادة الإنتاج فقط، بل يجب أن يكون عبر ترشيد الاستهلاك، والتوسع في مصادر الطاقة البديلة، وعلى رأسها البيوجاز. ومع وجود الإرادة السياسية، والدعم المؤسسي، يمكن أن تشهد السنوات القادمة توسعًا في استخدام هذه التكنولوجيا، سواء عبر شراكات بين الدولة والقطاع الخاص أو من خلال المبادرات الذاتية داخل المصانع الكبرى.
وحدات البيوجاز تمثل بالفعل نموذجًا للتنمية المستدامة، يجمع بين الحلول الاقتصادية والبيئية في آنٍ واحد، ويؤكد أن مصر قادرة على التحول الذكي في إدارة مواردها، إذا أحسنّا استثمار الفرص الكامنة في المخلفات وتحويلها إلى طاقة نظيفة تخدم الصناعة وتدعم الاقتصاد الوطني.