بعد الاعتراف بفلسطين.. أزمة جوازات السفر الكندية تثير توترات بين أوتاوا وتل أبيب
klyoum.com
أثارت قضية جديدة جدلًا واسعًا بين كندا وإسرائيل بعد أن أبلغت موظفة في دائرة الجوازات الكندية مواطنة تحمل الجنسية الكندية والإسرائيلية تُدعى أناستاسيا بأنها لا تستطيع تسجيل "إسرائيل" كبلد ميلادها في جواز سفرها الجديد. هذا الموقف جاء نتيجة لسياسة جديدة فرضتها الحكومة الكندية عقب إعلانها الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وهو ما أثار موجة من ردود الفعل المتباينة على المستويين القانوني والدبلوماسي، وفقًا لما نشرته صحيفة جيروزاليم بوست.
القضية لم تُعتبر مجرد حادث إداري فردي، بل تحولت إلى رمز لصراع سياسي وقانوني يعكس التوترات المتزايدة بين أوتاوا وتل أبيب.
ووفقًا لما نشرته أناستاسيا على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أوضحت الموظفة أن الأشخاص القادمين من بعض المدن الواقعة ضمن الأراضي التي تعتبرها كندا جزءًا من فلسطين، مثل نابلس وجنين ورام الله والقدس، سيكون عليهم تسجيل "فلسطين" مكان الميلاد في جوازاتهم. ورغم أن أناستاسيا وُلدت فعليًا في مدينة كفر سابا داخل إسرائيل، إلا أن السياسة الجديدة وضعتها في خانة المدن التي تُصنّف ضمن نطاق الاعتراف الكندي بفلسطين. هذا التناقض دفع محاميها، نيل أوبيرمان، إلى وصف الإجراء بأنه يمثل مسألة حقوقية وقانونية وإدارية خطيرة، مؤكدًا أن لا قانون أو لائحة رسمية تدعم هذه السياسة، وأن جوازات السفر يجب أن تبقى أدوات للهوية والمساواة بعيدًا عن التوظيف السياسي.
ويأتي هذا التطور بعد أن أعلنت كندا رسميًا اعترافها بدولة فلسطين في سبتمبر 2025 خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. الحكومة الكندية اعتبرت هذه الخطوة دعمًا لمبادئ تقرير المصير وحقوق الإنسان، ورأت أنها تعكس التزامها بالسلام والتعايش بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. في المقابل، وصف مكتب رئيس وزراء إسرائيل القرار بأنه "مكافأة سخيفة للإرهاب"، معتبرًا أن أوتاوا تجاهلت المخاطر الأمنية والسياسية التي قد تنجم عن مثل هذا الاعتراف. رئيس الوزراء الكندي مارك كارني شدد في خطاب رسمي على أن الاعتراف لا يمثل حلًا نهائيًا للنزاع، لكنه يعكس رغبة بلاده في دفع الأطراف نحو مسار تفاوضي أكثر جدية.
وأثارت القضية موجة من الانتقادات القانونية والسياسية داخل كندا وخارجها. بعض الخبراء القانونيين اعتبروا أن هذه السياسة الجديدة قد تؤدي إلى اضطرابات دبلوماسية مع إسرائيل، وربما مع دول أخرى ترى أن استخدام جوازات السفر كأداة سياسية يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. آخرون حذروا من أن أي دولة ديمقراطية لا ينبغي أن تسمح بتحويل وثائق الهوية الرسمية إلى ساحة للصراع السياسي، بل يجب أن تبقى رمزًا للمساواة والحقوق المتساوية لجميع المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم أو أماكن ميلادهم.
ورفضت دائرة الجوازات الكندية بشكل رسمي السماح لأناستاسيا بكتابة "إسرائيل" كبلد الميلاد في جواز سفرها الجديد، مؤكدة أن القرار يستند إلى السياسة الجديدة التي أعلنتها الحكومة بعد الاعتراف بفلسطين. أناستاسيا أوضحت في مقطع فيديو نشرته على الإنترنت أن الموظفة أبلغتها بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتيح للأشخاص القادمين من مدن محددة كتابة "فلسطين" كبلد الميلاد، وهو ما أثار استغرابها وغضبها في آن واحد. وقد شملت المدن المذكورة نابلس وجنين ورام الله والقدس، بينما أشارت وثيقة لاحقة قدمها محاميها إلى أن ولادتها كانت في كفر سابا داخل إسرائيل، ما يجعل القرار غير منطقي من الناحية القانونية والإدارية. هذا الموقف أثار جدلًا واسعًا حول الحقوق القانونية والإنسانية، وسط تحذيرات من أن مثل هذه القرارات تمثل تجاوزًا على مبادئ الهوية والمساواة أمام الدولة.
وفي بيان رسمي لاحق، أكدت الحكومة الكندية أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة متوافقة مع مبادئ تقرير المصير وحقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، مشيرة إلى أن سياستها الجديدة تهدف إلى عكس هذا الاعتراف في الوثائق الرسمية.
من جانبهم، اعتبر محامو الدفاع عن حقوق أناستاسيا أن هذه السياسة غير قانونية، ولا يوجد أي نص أو لائحة رسمية تمنح الحكومة حق تعديل بيانات ميلاد المواطنين وفق اعتبارات سياسية. وشددوا على أن جوازات السفر يجب أن تبقى أدوات للهوية والمساواة وليست وثائق سياسية أو أدوات ضغط دبلوماسي.