علي جمعة يوضح أسباب تغير الفتوى.. تعرف عليها
klyoum.com
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إن كثيرا من الناس يسألون مُتعجِّبين عندما يرون الفتوى تتغيَّر بتغيُّر جهاتٍ أربع، وهي: الزمان، والمكان، والأشخاص، والأحوال. ويجب أن نشرح هذه المسألة؛ لأنها أصبحت مسألة دقيقة قد تخفى على بعض الناس.
أسباب تغير الفتوى
فإنَّ أهمَّ أسباب تغيُّر الفتوى تغيُّرُ الموضوع؛ وفي الحقيقة فإنَّ الحكم لم يتغيَّر، ولكن الواقع في المسألة المُفتى بها غيرُ الواقع في المسألة التي أُفتيَ بها قديمًا، فالموضوع هنا غير الموضوع هناك، ولذلك وجب تغيُّر الفتوى؛ لأن إعطاء الفتوى نفسها بعد أن تغيَّر الموضوع يُعَدُّ ضلالًا في الدين. ومن هذا القبيل تغيُّر العوائد، ويُنبِّه الإمام القرافي على هذه الحقيقة في كتابه «الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام» (ص 131–132)، في السؤال التاسع والثلاثين:
ما الصحيح في هذه الأحكام الواقعة في مذهب الشافعي ومالك وغيرهما المرتَّبة على العوائد وعُرفٍ كان حاصلًا حالةَ جزم العلماء بهذه الأحكام؟ فهل إذا تغيَّرت تلك العوائد وصارت العوائد لا تدل على ما كانت عليه أولًا، فهل تُبطَل هذه الفتاوى المسطورة في كتب الفقهاء ويُفتى بما تقتضيه العوائد المتجدِّدة، أو يُقال: نحن مُقلِّدون، وما لنا إحداثُ شرعٍ لعدم أهليتنا للاجتهاد، فنفتي بما في الكتب المنقولة عن المجتهدين؟
ثم أجاب عنه فقال:
إن إجراء الأحكام التي مَدركها العوائد مع تغيُّر تلك العوائد خلافُ الإجماع وجهالةٌ في الدين، بل كلُّ ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغيَّر الحكم فيه عند تغيُّر العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجدِّدة، وليس تجديدًا للاجتهاد من المقلِّدين حتى يُشترط فيه أهليةُ الاجتهاد، بل هذه قاعدةٌ اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها، فنحن نتبعهم فيها من غير استئنافِ اجتهاد. ألا ترى أنهم لما جعلوا أنَّ المعاملات إذا أُطلِق فيها الثمن يُحمَل على غالب النقود، فإذا كانت العادةُ نقدًا معيَّنًا حمَلْنا الإطلاق عليه، فإذا انتقلت العادة إلى غيره عيَّنَّا ما انتقلت إليه، وألغَيْنا الأول لانتقال العادة عنه؟ وكذا الإطلاق في الوصايا والأيمان وجميع أبواب الفقه المحمولة على العوائد؛ إذا تغيَّرت العادةُ تغيَّرت الأحكام في تلك الأبواب. وكذلك الدعاوى: إذا كان القولُ قولَ مَن ادَّعى شيئًا؛ لأنها كانت العادة، ثم تغيَّرت العادة، فلم يَبْقَ القولُ قولَ مُدَّعيه، بل انعكس الحال فيه. بل ولا يُشترط تغيُّر العادة، بل لو خرجنا نحن من ذلك البلد إلى بلدٍ آخر عوائدُهم على خلاف عادة البلد الذي كنَّا فيه، أفتيناهم بعادة بلدهم، ولم نعتبر عادةَ البلد الذي كنَّا فيه، وكذلك إذا قدم علينا أحدٌ من بلدٍ عادتُه مضادَّةٌ للبلد الذي نحن فيه، لم نُفْتِه إلا بعادة بلده دون عادة بلدنا.
ثم قال: ومن هذا الباب ما رُوي عن الإمام مالك: إنَّه إذا تنازع الزوجان في قبض الصداق بعد الدخول، أنَّ القولَ قولُ الزوج، مع أنَّ الأصل عدمُ القبض. قال القاضي إسماعيل: هذه كانت عادتهم بالمدينة أنَّ الرجل لا يدخل بامرأته حتى تقبِض جميعَ صداقها، واليوم عادتهم على خلاف ذلك، فالقولُ قولُ المرأة مع يمينها لأجل اختلاف العوائد. ثم قال: إذا تقرَّر هذا فأنا أذكر من ذلك أحكامًا نصَّ الأصحابُ على أنَّ المَدرك فيها العادة، وأنَّ مستند الفتيا فيها إنما هو العادة، والواقع اليوم على خلافه، فيتعيَّن تغيُّر الحكم على ما تقتضيه العادة المتجدِّدة.