اخبار مصر

اندبندنت عربية

سياسة

"الجمعية"... اقتصاد "القرض الدوار" ينشط بصمت في مصر

"الجمعية"... اقتصاد "القرض الدوار" ينشط بصمت في مصر

klyoum.com

مصرفيون لـ"اندبندنت عربية": ادخار تشاركي له شعبية واسعة يحمل مزايا وينطوي على مخاطرة

لا تزال ترقب باهتمام بالغ حلول أول الشهر، فذاك أوان حصاد "الجمعية" بعد سداد مقسط طاول خمسة أشهر، فيما تتهيأ منال إبراهيم لشراء لوازم ابنتها أميرة التي تستعد للزفاف بعد بضعة أشهر، وقد أعدت العدة لتلك اللحظة طوال أشهر من استقطاع فوائض نقدية لهذا الغرض.

مثل كثيرات غيرها في مصر، ترى السيدة الخمسينية في "الجمعية" التي هي صورة من صور الادخار التكافلي عبر الإقراض التشاركي الدوار، بديلاً أفضل من قروض البنوك والمصارف التي تمضي محملة برسوم إدارية وفائدة "ربوية من منظور بعضهم" وبحوث وتقصٍّ وروتين وأوراق لإثبات الجدارة الائتمانية والقدرة على السداد، وتقول لـ"اندبندنت عربية" إن "الجمعية" ادخار منظم لغرض قضاء الحوائج في أوقات محددة، يتوافق عليها الأعضاء المشتركون وتتسم بالبساطة.

"تنظيم الادخار"

وبينما يفترض زفاف نجلتها أميرة بعد بضعة أشهر من الآن، فكان لزاماً عليها تنظيم أمر الادخار بحيث يسبق حصولها على ما تحتاج إليه من أموال لذلك الموعد بما يكفي من الوقت لشراء الأجهزة المنزلية اللازمة، وهو أمر تفاوضت في شأنه مع بعض الجيران والمعارف للتعجيل بدور استحقاقها الجمعية ليصبح في الشهر الخامس من بدء سداد الأقساط.

"اتفقنا على جمعية قوامها 50 ألف جنيه (993 دولاراً) بمشاركة 10 أشخاص يدفع كل منهم 5 آلاف جنيه (99.3 دولار) شهرياً، واشترطت في بادئ الأمر حصولي على المبلغ كاملاً في الشهر الثاني أو الثالث على أقصى تقدير نظراً إلى حاجتي، لكن مع تعذر الأمر، توافقنا على ترحيل دوري في الجمعية ليصبح الخامس" تقول ربة المنزل التي تسكن شمال مصر.

"الجمعية التزام دوري بالسداد"

وتمضي بالقول "الجمعية التزام دوري بالسداد، أضطر معه إلى استقطاع القسط الشهري لسداده مطلع كل شهر، ولو ترك الأمر لي لأدخر مبلغ الجمعية منفردة لما استطعت ربما، ولن يكون بمقدوري حينئذ الحصول على المبلغ في وقت مبكر كما هي الحال مع الجمعية".

والحصول على قرض بنكي بالنسبة إلى بعض المصريين أمر تشوبه حرمة الربا، لكن ليس هذا هو السبب الذي يمنع المتحدثة من استبدال "الجمعية" بقرض مصرفي، إذ يتعين عليها تقديم أوراق ومستندات دالة على قدرتها على السداد كبيان مفردات المرتب، فيما هي لا تعمل، علاوة على استغراق الموافقة بعضاً من الوقت، إلى جانب تحميل القرض رسوماً إدارية إضافية للحصول عليه، كما تشير.

جمعيات الموظفين

ناصر السيد وهو معلم بإحدى المدارس الثانوية، نموذج آخر للمتعاملين بنظام الادخار عبر "الجمعيات"، ويرى أن هذه الآلية الادخارية تنشط بدعم من ارتفاع معدلات التضخم ورغبة الأفراد ممن يحمون أنفسهم ضد أخطار الأزمات المالية المفاجئة، مشيراً إلى أنها تشيع في أوساط الموظفين كمثال معروف.

ويضيف السيد أن بعضنا بإمكانه المشاركة بـ"نفر" أو "نفرين" كأن يحصل عليها المستفيد على سبيل المثال، في الشهرين الثالث والخامس، بفعل ملاءته المالية وقدرته على سداد قسطين شهرياً، ولمثل هؤلاء الأولوية في الحصول على المواعيد المتقدمة لجني "الجمعية".

الرأي الفقهي

وتمضي "الجمعية" أو "الجمعيات" في مصر منذ زمن في صمت بعيد من صخب القطاع المصرفي وروتينه، كتقليد شائع بين كثير من المصريين الباحثين عن الادخار التشاركي عبر آلية الإقراض الدوار وسط ارتفاع لمعدلات التضخم وتآكل القيمة الشرائية للنقود، قبل أن تسعى التكنولوجيا المالية إلى توظيف تلك الممارسة على نحو منظم عبر شركات وتطبيقات إلكترونية انتشرت في الآونة الأخيرة، ولاقت رواجاً نسبياً.

وبحسب أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية محمد عبدالسميع، فإن "الجمعية" ذات جذور تاريخية لدى فقهاء الشافعية، ممن كانوا يرونها من صور التعاون على البر والتقوى لما تقدمه من آلية لجمع الأموال بغية فك الكربات ودعم الأفراد في أوقات الحاجة، كما في الزواج أو سداد المديونيات، وهو ما يجعلها عملاً مشروعاً، على النقيض من بعض القروض المصرفية المحرمة شرعاً، وفق تعبيره.

مزايا لا توفرها القروض

في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" يرى مصرفيون أن لهذا النمط من الادخار التشاركي والتكافلي كثيراً من المزايا، وفي المقابل تنطوي على المخاطرة، مشيرين إلى أن ذلك لا يمنع كونه ما زال سارياً منذ مئات الأعوام، ويلبي حاجة قطاعات واسعة من الأفراد على نحو لا توفره القروض المصرفية.

في البداية، يقول الرئيس السابق لبنك التنمية الصناعية، ماجد فهمي، إن "الجمعية" صورة قديمة من صور التكافل بين الأصدقاء والمعارف في مصر، وتكتسب شعبية واسعة بفعل ما توفره من امتيازات لا توفرها القروض الاستهلاكية المصرفية، علاوة على كونها مؤسسة على العلاقات الوثيقة بين الأفراد.

مخاطرة غير مدروسة العواقب

"القروض الاستهلاكية المصرفية تحتاج إلى أوراق ومستندات وإجراءات تتسم بالتعقيد إذا قورنت بالجمعيات" يضيف ماجد فهمي، موضحاً أن هذا النمط يسود بفعل ما ينطوي عليه من مزايا أبرزها عدم وجود فائدة مستحقة على هذا النوع من القروض الدوارة، وهو ما يجعلها شكلاً مبسطاً من الإقراض والادخار التشاركي.

من جانبه يرى المتخصص المصرفي وليد عادل، أن "الجمعيات" تنطوي على مخاطرة غير مدروسة العواقب، تتمثل في عدم التزام بعض أعضاء "الجمعية" سداد أحد أقساطهم المستحقة سواء كان ذلك لتعرضهم لأمر طارئ يحول دون قدرتهم على السداد أو لغش واحتيال، خصوصاً في "الجمعيات" ذات المبالغ الكبيرة.

القرض الحسن

ويوضح وليد عادل لـ"اندبندنت عربية" أن الميزة الوحيدة التي توفرها "الجمعيات" هي أنها بلا فائدة كما هي الحال مع القروض الاستهلاكية التي تتيحها البنوك والمصارف، مشيراً إلى أن القروض المصرفية تحمل المقترض رسوماً إدارية إلى جانب الفائدة المحملة على القرض، محذراً من الاقتراض من دون حاجة حقيقية.

وعن أوجه الشبه بين "الجمعيات" والقرض الحسن، يشير المتخصص المصرفي إلى أن الأخير يكاد يكون مقتصراً على بعض الشركات والمؤسسات فحسب، التي توفر قرضاً حسناً من دون رسوم إدارية أو أعباء الفائدة الإضافية لمجتمع العاملين فحسب، لكن ما تقدمه البنوك التجارية تحت هذا المسمى ليس قرضاً بلا فائدة تماماً وإن تميز ببعض التسهيلات.

ادخار قابل للتطور

أما أحمد وادي وهو رائد أعمال يدير تطبيقاً لإدارة وتنظيم "الجمعيات" للأفراد، فيقول إن هذا النمط الادخاري معروف منذ مئات الأعوام، ولا يزال شائعاً كونه أكثر اجتماعية وملائماً ثقافياً لكنه قابل للتطور ليصبح أكثر أماناً عبر تنظيمه بصورة مقننة ليضمن حقوق الأفراد.

ويلفت المتحدث إلى تجربته في تنظيم وإتاحة "الجمعيات" للأفراد عبر التطبيق الإلكتروني، وما فيه من توظيف للتكنولوجيا المالية في خدمة الأفراد، مشيراً إلى أن بناء الصدقية يستغرق كثيراً من الوقت، لكنه يتعامل بحذر مع بيانات المستخدمين، مع امتثال للضوابط واللوائح.

على الأرجح ستظل "الجمعيات" في مصر نمطاً شائعاً لديه مناصرون ومقبلون من الأفراد جنباً إلى جنب مع ما تقدمه البنوك والشركات من قروض استهلاكية بدعم قوي من الضبابية وعدم اليقين اللذين يغلفان الاقتصاد في البلاد، وإن حمل في طياته مخاطرة فقدان الأموال، فقد حمل على الجانب الآخر مزايا لا توفرها قروض المصارف.

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار مصر على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com