"عبد الناصر ومقتل لومومبا".. كيف نجحت مصر في تهريب عائلة الزعيم الثوري في اللحظات الأخيرة؟
klyoum.com
احتفل العالم في 2 يوليو الجاري بالذكرى الـ100 لميلاد الزعيم الثائر باتريس لومومبا.
وبمناسبة ذكرى ميلاد لومومبا، لابد أن نذكر علاقته الوطيدة بمصر، وعلى وجه الأخص بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر، إذ شكل أول حكومة كونغولية منتخبة في 23 يونيو 1960، لكن حدثت أزمة سياسية بين الكونغو وبلجيكا بعدها بأسبوع.
بداية الأزمة بين الكونغو وبلجيكا
كانت البداية مع حفل إعلان الاستقلال، حيث حضر ملك بلجيكا وقتها ورئيس وزراءه وبعض الشخصيات الهامة، وتقدم رئيس وزراء البلجيك لإلقاء كلمته فمنعه لومومبا وقال له: "اسمك ليس في قائمة المتكلمين"، فثار ملك بلجيكا وقال إن بلجيكا ضحت بشبابها وأموالها من أجل رفع مستوى الكونغو.
عندما سمع شعب الكونغو حديث رئيس وزراء البلجيك أغضبهم بشدة، فتحدث لومومبا وقاطعه خلال حديثه وقال "الدموع والدم والنار، أيها المناضلون كافحوا من أجل الاستقلال.
استقلال الكونغو لم يستمر طويلا
لم يستمر استقلال الكونغو إلا أيام معدودة حتى دخلت في سلسلة من الأزمات، ووجدت حكومة لومومبا نفسها تواجه أزمات مستمرة.
حاول الهرب ولكن تم القبض عليه في الطريق، مع اختيار تسعة من رجال الشرطة مع تسعة جنود أساسيين لتنفيذ حكم الإعدام عليه، ووقف السجناء الثلاثة على الممر وإحاطة الجنود بهم ورجال الشرطة، وبعد التنفيذ كانت الأرض فد امتلئت بنصف كجم من الرصاصات الفارغة.
ظلت الشجرة ممتلئة بالثقوب إثر الرصاصات لمدة 27 عاما بعد وفاته، وتم التخلص من جثث لومومبا وثلاثة آخرين أعدموا معه بتقطيعها إلى قطع صغيرة وإذابتها في حمض الكبريتيك.
جمال عبد الناصر وعلاقته بـ لومومبا
ظل مصير عائلة لومومبا في خطر حتى توفرت الحماية لعائلته بواسطة الفوج المصري التابع للأمم المتحدة، وجاءت هذه المساعدة بأوامر من جمال عبدالناصر.
في عام 1961، قبل هرب لومومبا ذهب إليه قائد الفرقة المصرية سعد الدين الشاذلي، برفقة صديقه عبدالعزيز إسحاق، وتم تهريب أبناء لومومبا في هذه السيارة، واتجهوا معا إلى مبنى تابع لمصر في الكونغو.
وأعطى الشاذلي أوامره بالهروب عن طريق المطار، وتنقلوا من بلد إلى أخرى وصولا إلى مصر، ثلاثة من ابناءه هم فرانسوا وباتريس وجوليانا، أما الأم وطفل رضيع كان عمره عامين ظلا في الكونغو وعادا إلى مصر بعدها بسنوات.
ويصف الكاتب المصري محمد فايق، في كتابه "عبدالناصر والثورة الأفريقية" المشاهد الختامية لحياة الزعيم الإفريقي، باتريس لومومبا، قائد الحركة الوطنية في الكونغو، ورئيس حكومتها، حيث كان فايق رئيسا للشؤون الإفريقية فى رئاسة الجمهورية، وممن تعاملوا عن قرب مع لومومبا، ويذكر في كتابه ما رآه على شاشات التليفزيون أثناء اقتياده إلى حتفه يوم 17 يناير 1961، حيث استطاع أحد المصورين تصوير هذه المأساة.
ووصف فايق مقتل لومومبا: "كان مقيد اليدين، يدفعه حراسه ويضربونه بكعوب بنادقهم، فيسقط على الأرض ثم يجذبونه من شعر رأسه، ليقف، فيلاقي الضرب والركل من جديد، ولكن نظرات لومومبا وملامح وجهه كانت تعكس كل معاني التحدي والشموخ والكبرياء".
أما سفير مصر في الكونغو سابقا مراد غالب وقتئذ سجل شهادته في مذكراته "مع عبدالناصر والسادات"، يقول: "أقدم كازافوبو رئيس الجمهورية على خلع لومومبا من منصبه كرئيس للوزراء، ورد لومومبا عليه بعدم الاعتراف به رئيسا، وبدأت حالة الفوضى في البلاد بإعلان تشومبي، حاكم إقليم كاتنجا، انفصاله، وكان أغنى أقاليم البلاد، وتتركز فيه غالبية الشركات البلجيكية، خاصة العاملة في المناجم، وبدأت عملية محكمة لمحاصرة لومومبا".
يضيف غالب: "استطاع لومومبا أن يفلت من طوق الحصار المفروض من حوله، ويهرب في منزل بوسط العاصمة ليوبولدفيل، وبعث إلىِّ برسالة تعرفنى بمكانه، ووصلت إلى مخبئه، ووجدت حالته سيئة للغاية، وكانت عيناه زائغتين".
ويؤكد غالب أنه كتب برقية في الحال إلى عبد الناصر، أبلغه فيها أن لومومبا على قيد الحياة عكس الأنباء التي تداولت بمقتله، وأنه يرغب في نقل زوجته وأولاده إلى مصر، وأنه أصبح المصدر الوحيد لأخباره.
تلقى غالب الموافقة على طلب لومومبا، وبدأ في وضع خطة لتهريب أبنائه، وكان بطلها عبدالعزيز إسحق المستشار بالسفارة المصرية، وصاحب الملامح الأوروبية، حيث تم التسجيل في جواز سفره بأنه متزوج من كونغولية، وأنه يصطحب أبناءه معه للسفر إلى لشبونة، واستندت العملية إلى انتظار تنفيذها أثناء مجىء دور الكتيبة السودانية في قوات الأمم المتحدة للسيطرة على المطار.
يذكر غالب: "كانت التعليمات لإسحق، بأن يتجاهل النداء الأول والثاني والثالث بصعود الركاب للطائرة المسافرة إلى لشبونة، ولا يظهر إلا قبل إقلاعها بثوان مع عائلته، ويجرى بهم ليلحق بها في آخر ثوان، بحيث يجعل العاملين في المطار في موقف المساعدة لهم".
تم تهريب الأبناء بنجاح، وبقى لومومبا يخوض مقاومته، حتى اغتياله يوم 17 يناير 1961، ووفقا لمحمد حسنين هيكل في كتابه "سنوات الغليان"، مضيفا، أن عبدالناصر تلقى مساء 12 فبراير 1961 معلومات تؤكد مقتل لومومبا بالرصاص بعد اعتقاله، وأن الذي اعتقله هو الكولونيل موبوتو، قائد قواته والرئيس فيما بعد، وقام بتسلميه في نفس اليوم إلى عدوه تشومبي في كاتنجا.
يؤكد هيكل، أن عبدالناصر هو الذي أكد للعالم رسميا نبأ مقتل لومومبا، وأعلن أنه يضع أسرته تحت حماية الجمهورية العربية المتحدة، وكتبت السيدة بولين، زوجة لومومبا، خطابا إلى عبدالناصر، قالت فيه: "إننى امرأة لم تتعلم لأن الاستعماريين البلجيكيين حرمونا من فرصة الحصول عليه، لكنى مع إدراكى البسيط أفهم مثل كل امرأة وطنية في إفريقيا، أنكم أوفى الأصدقاء لشعوبنا، إننى بلسان امرأة- والمرأة هي موضع أسرار الرجل- أؤكد لكم أننا عرفنا الآن أصدقاءنا الحقيقيين، والله معك".
المصدر: RT