منال إمام تكتب.. إياكم والتنمر.. لا تقتلوا الأرواح بكلماتكم
klyoum.com
أخر اخبار مصر:
محافظ المنيا يوجه بتقديم مساعدات عاجلة لحالات إنسانيةفي زحام الحياة، قد نمرُّ على البعض مرور الكرام، نُلقي كلمة، أو نرسم سخرية، ثم نمضي دون أن نُلقي بالًا لما تركناه خلفنا. لكننا لا نعلم، أن هناك قلوبًا قد انكسرت، ونفوسًا قد تألمت، وأرواحًا تأذت... فقط من كلمة!
إنه التنمر، ذاك السلوك الخفي أحيانًا، والظاهر بوقاحة أحيانًا أخرى، الذي يتسلل بين الناس، فيلبس ثوب "المزاح" تارة، وثوب "الصراحة" تارة أخرى، لكنه في حقيقته... أذى، وجرحٌ، واعتداء على كرامة الإنسان.
التنمر هو كل سلوك يُقصد به إلحاق الضرر بشخص آخر، سواء كان ضررًا نفسيًا أو جسديًا أو اجتماعيًا. قد يكون بكلمة سخرية، أو بلقب جارح، أو بإقصاء شخص عن جماعة، أو حتى بنظرة احتقار. لا يقتصر على المدارس أو الأطفال، بل قد نجده في الجامعات، أماكن العمل، البيوت، وحتى على منصات التواصل الاجتماعي.
المؤلم أن كثيرين يظنون التنمر مجرد "دعابة" لا أكثر، لكنهم يجهلون أن وراء هذه الدعابة قد تقبع دموع لا تُرى، وآهات لا تُسمع، وندوب في القلب لا تلتئم بسهولة.
ليس هناك مبرر مقبول لهذا الفعل، لكن بعض الأسباب قد تكشف جانبًا من هذا السلوك:
• الرغبة في لفت الانتباه: البعض يسعى للظهور عبر إذلال غيره.
• نقص الثقة بالنفس: المتنمر يحاول تعويض ضعفه بالسيطرة على الآخرين.
• تربية غير سوية: قد ينشأ الإنسان في بيئة تبرر السخرية وتُهين المختلف.
• الجهل: الجهل بعواقب التنمر وأثره قد يجعل البعض يستهين به، لكن أيا كان السبب، فإن الأثر واحد "إيذاء نفس بشرية".
الأثر النفسي للتنمر: التنمر ليس موقفًا عابرًا، بل قد يكون بداية لانحدار نفسي خطير. فهو يدمر ثقة الإنسان بنفسه، ويجعله يعيش في خوف دائم، ويقوده إلى العزلة وربما الاكتئاب. وهناك ضحايا للتنمر قد لجأوا إلى إيذاء أنفسهم أو الانتحار، لا لشيء... سوى أنهم لم يحتملوا قسوة الكلمات.
فكم من ضحكة نطلقها، تقابلها دمعة في مكان آخر؟ وكم من "مزحة" نرمي بها، تكون خنجرًا في قلب غيرنا؟
رأي الدين: احترام الإنسان عبادة: جاء الإسلام ليكرم الإنسان، ويعلي من شأنه، ويمنع أي أذى يُوجّه له. قال الله تعالى:
"وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ" (سورة الحجرات: 11)
وقال أيضًا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ" (الحجرات: 11)
بل جعل النبي ﷺ إيذاء المسلم من كبائر الذنوب، فقال:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"، متفق عليه.
فمن يسخر من الآخرين، أو يهينهم، أو يتنمر عليهم، هو مخالف لتعاليم الإسلام، ومعرّض لسخط الله، وعليه أن يتوب ويعتذر ويُصلح ما أفسده.
خاتمة: الكلمة الطيبة صدقة... والكلمة الجارحة جريمة
فلنتوقف لحظة، قبل أن نتكلم، قبل أن نضحك على أحد، قبل أن نشارك صورة أو نكتب تعليقًا ساخرًا... نسأل أنفسنا: هل سنرضى أن يُقال لنا مثل هذا؟ هل سنرضى أن يُقال لابننا، أو أختنا، أو صديقنا؟
القلوب هشة، والنفوس ليست سواسية، وما قد يبدو لك عاديًا... قد يقتل غيرك بصمت.
فلنزرع اللطف، ولنحترم الآخر، ولنجعل من ألسنتنا مصدر بناء لا هدم.
إياكم والتنمر... فإن الكلمة قد تُحيي وقد تُميت.