اخبار مصر

اندبندنت عربية

سياسة

النوادي الاجتماعية في مصر... هدوء مخترع وهواء مدفوع الثمن

النوادي الاجتماعية في مصر... هدوء مخترع وهواء مدفوع الثمن

klyoum.com

الاشتراكات الباهظة جعلت عضويتها دلالة على الانتماء الطبقي بعدما كانت مجرد متنفس و"الحصرية" تعود بشكل آخر

"ندفع ثمن جلستنا بهدوء ونحن مطمئنون على الأولاد"، بهذه الكلمات البسيطة بررت أم ثلاثينية مصرية دفعها مئات الآلاف من الجنيهات هي وزوجها من أجل الانضمام إلى ناد رياضي شهير لديه أكثر من عشرة فروع في أنحاء البلاد، وهي التي تسكن في وسط القاهرة، تترك في أغلب الأوقات الفروع المجاورة لبيتها وتختار تلك التي توجد على أطراف العاصمة كونها أقل ازدحاماً، إنها مطاردة للهدوء والاستجمام وقضاء وقت جيد مع الأولاد.

تقول الأم المصرية، التي تعمل موظفة بشركة تنظيم فعاليات، إنها سافرت إلى دول أوروبية وعربية كثيرة، وشاهدت أن المتطلبات التي تدفع فيها هي وأصدقاؤها الآلاف بل الملايين متاحة مجاناً ضمن المرافق العامة في الأحياء السكنية، إذ يمكن للعائلات ممارسة الرياضة أو الجلوس بصحبة صغارهم وهم يلعبون أو يتدربون من دون الحاجة إلى الاشتراك في نوادٍ خاصة بمبالغ باهظة، إضافة إلى رسوم سنوية تزداد عاماً بعد آخر.

لخّصت الأم لطفلين بعض ما يحيط بتفاصيل منظومة "النادي الاجتماعي" في حياة المصريين، إذ إنها في أغلبها بالنسبة للأسر المتوسطة قرار إجباري، لتعويض قلة المساحات الملائمة للأطفال والشباب لإفراغ طاقتهم، أو حتى اللهو بأمان، وهي تأتي في إطار البحث عن بيئة آمنة لهذه الفئة، لا سيما بسبب عدم استيعاب المراكز الرياضية المدعمة حكومياً الأعداد الضخمة من الباحثين عن هذه الخدمة.

اللافت أن الأمر هنا يتعلق فقط بمجرد مساحة ملائمة لتمضية الوقت، فالحديث عن التدريبات الرياضية أمر آخر، فلا توجد خدمات متاحة مجاناً تقريباً في غالبية النوادي، إذ إن ممارسة أي نشاط تتطلب رسوماً إضافية، مما يزيد من الأعباء على العائلات، هذا من جانب. أما الجانب الآخر فإن النوادي نفسها تتدرج وتتشعب حتى أصبحت كارنيهات عضويتها مؤشرات جديدة على الطبقية بين عموم الناس.

وفقاً لجهاز التعبئة العامة والإحصاء فإن عدد المنشآت الرياضية في مصر قبل نحو أربع سنوات وصل إلى 5240، بينها 791 نادياً تتوزع على مختلف المحافظات، وغالبيتها تتبع القطاع الخاص، بينما يسهم القطاع العام والحكومي بأقل من مئتي نادٍ، وفقاً للبيانات الرسمية، وتكون اشتراكات النوادي هي الأعلى، فيما يصل عدد مراكز الشباب التابعة مباشرة لوزارة الشباب والرياضة إلى 4449 مركزاً، وكثير من نشاطاتها مجانية، واشتراكات الغالبية منها منخفضة التكلفة، لكن بعضها أيضاً يتمتع بمستويات أعلى من الجودة، إذ تتجاوز اشتراكاته الـ100 ألف جنيه (ألفي دولار تقريباً)، وكذلك تتاح الاشتراكات الموقتة لعدة أشهر بأسعار أقل كثيراً، وأعداد المنشآت الرياضية هنا تعود لعام 2021 وفقاً للمتداول فإنها تزيد سنوياً بمقدار 10 أو مئتي منشأة، لكن الأعداد تظل غير قادرة على تلبية حاجات أكثر من 114 مليون نسمة هم تعداد سكان البلاد التقريبي.

ومن المعروف أن عضويات النادي في مصر تشمل جميع أفراد الأسرة، إذ يجري إضافة الزوج أو الزوجة، والأبناء وفقاً لرسوم تتحدد وفق أعمارهم، وهي العضوية التي لا تتبعها عادة إلا خدمات ضئيلة للغاية، فيما الانخراط في أي أنشطة ترفيهية أو رياضية أو فنية تتطلب رسوماً جديدة، خلاف الرسوم السنوية لتجديد كارنيهات العضوية، حيث قد تصل إلى ما يعادل المئة دولار سنوياً.

وما يبدو جديراً بالملاحظة أن عضوية النادي لا تتحكم فيها القدرة المادية فقط، فهناك بعض النوادي التي تحاول التركيز على طبقة اجتماعية بعينها، فتشترط إجراء مقابلات "كشف هيئة" للأعضاء قبيل الموافقة على منحهم عضويتها، بل إن بعضها يغلق باب العضوية من الأساس عدة سنوات ويكتفي بمن هم موجودون بالفعل، وعلى رغم أن كثيراً من النوادي العريقة والشهيرة افتتحت فروعاً جديدة لها في مناطق متعددة مقابل رسوم تصل إلى ربع نظيرتها في الفروع الرئيسة بهدف تشجيع الإقبال وزيادة مواردها، لكن تبقى فكرة البحث عن الوجاهة الشغل الشاغل لإدارتها، حيث تقدم تسهيلات أكبر لحملة المؤهلات العليا، فيما يكون هناك تضييق على ذوي المؤهلات المتوسطة ومن هم أقل، حيث ترتفع تكاليف عضويتهم بشكل كبير وملحوظ.

 

النوادي في مصر تتخطى مفهومها الرياضي وتسمى عادة نوادٍ اجتماعية، فمجموعة من أشهر وأبرز النوادي التي تشهد إقبالاً كبيراً على عضويتها، هي لا تنافس على سبيل المثال بشكل أساسي في الدوري المحلي لكرة القدم، بينما هي على المستوى الاجتماعي تكون مفضلة لدى العائلات.

من وجهة نظر شامل بسيوني، مهندس يعمل بأحد مصانع الغذاء، فإنه حاول أن يتجنّب خطوة الاشتراك في ناد اجتماعي. معتبراً أنه ليس بحاجة إليه، لكنه رضخ في النهاية، مشيراً إلى أنه لم تكن لديه أزمة في المساحات الخضراء والمنطقة الآمنة الواسعة حينما كان طفلاً وقد يكون السبب في رأيه لأنه نشأ في قرية بعيدة من المدن المزدحمة، لكنه حينما استقر بعد الزواج في حي بمنطقة الجيزة، وجد أن المساحات المجانية وشبه المجانية مزدحمة ولا تقدم الخدمة كما ينبغي.

يحكي بسيوني تجربته باختصار، "في رحلة البحث عن ناد للاشتراك به دخلنا دوامة كبيرة، إذ إن الأسعار سواء أكانت نقداً أو تقسيطاً ضخمة للغاية مقارنة بدخلي وزوجتي، وفي النهاية اخترنا عضوية ناد تكلفة اشتراكه 200 ألف جنيه نسددها دفعات، وهو يقدم خدمة جيدة جداً، لكن فروعه قليلة للغاية، إلا أنه حقق الغرض، بوجود متنفس للأبناء يلتقون فيه ببعض المعارف ويلهون بالكرة من دون خوف عليهم، كما أن التعامل معهم هناك يكون تحت السيطرة، بعكس إذا تركناهم في الشارع مثلاً أو تنازلنا عن مستوى النادي، فلا نضمن سلوكيات الغير معهم، كذلك يمكن لوالدتهم أن تتركهم هناك لبعض الوقت يلعبون بحرية وتتمشى حولهم، فالفائدة هنا مزدوجة".

هذه الخدمات البديهية للغاية التي يجدها كثيرون ليست بحاجة إلى كل هذه الأموال، بالبحث يتبين أنها بالفعل نادرة الوجود، في الأحياء السكنية العادية، ولهذا تضطر العائلات للدفع مقابلها، لكن الأمر يأخذ منحى آخر حينما يتعلق بالتجمعات السكنية المغلقة (الكومباوندات)، فالتجمع السكني نفسه مغلق بأسوار، ونواديه مغلقة أيضاً، ولها اشتراك مختلف، إضافة إلى أن بعض الكومباوندات الفارهة، تمتلك نوادي حصرية بصورة أكبر، وغير المسموح إلا لفئة محددة للغاية بدخولها، بهدف تحقيق الخصوصية.

وهو أمر يشبه ما كان يحدث في القرن التاسع عشر في العالم، إذ كان صفوة الصفوة هم من كانوا لديهم الحق في دخول نوادٍ معينة، تضم النخبة، وهو أمر اشتهر في إنجلترا على سبيل المثال، وفي نهايات القرن التاسع عشر انتقل إلى مصر، بعدما افتتحت تباعاً عدة نوادٍ انطبقت عليها الصفات نفسها، على يد الاحتلال الإنجليزي، حتى إن أحدها كان يرأسه اللورد كرومر، لكن بشكل تدريجي تغيّرت هذه الفكرة، وعلى ما يبدو أنها تعود من جديد بفعل التغيرات الاجتماعية، والديمغرافية في ظل الزحام السكاني، مع تقلص المساحات الخضراء والمتنزهات المحيطة بالأحياء السكنية العادية في السنوات الأخيرة.

استشاري الصحة النفسية عبدالله غازي، الحاصل على الدكتوراه في الإرشاد النفسي والعلاج التطبيقي، يرى أنه من المفترض أن الحدائق والمتنزهات والمساحات المخصصة للعب الصغار والتمشية وقضاء الوقت في فضاء مفتوح، يُخطط لها عند إنشاء وهندسة الأحياء السكنية، فهي تندرج تحت بند التخطيط الاجتماعي، لأن الترفيه والتنفيس ليس ترفاً، بالتالي المفروض أن تكون كل منطقة لها مكان ملائم بلا مقابل أو بمقابل رمزي، يؤدي هذا الغرض. ضارباً المثل بما يحدث في دول أخرى كثيرة.

وتابع غازي، "الأمر أصبح واضحاً أخيراً ويسبب ضغطاً، وذلك بسبب ازدحام الشوارع بالناس، وأيضاً نظراً إلى ضيق مساحات الشقق نفسها، مما يسبب ضيقاً نفسياً للصغار والكبار، إذ إن لهذا تأثيرات سلبية، لا سيما على النشء وتخرج عادة في صورة عدوانية، ونشاطات تخريبية، لأن طاقته لم تُفرغ بصورة طبيعية، كذلك فإن عدم التنزه في الأماكن المفتوحة يؤثر سلباً في نمو عضلات ومفاصل الأطفال، فهناك بعض العضلات إذا لم تُستعمل بشكل سليم سيعاني منها الطفل في الكبر".

وفي ما يتعلق بالتحول الذي جعل أموراً بسيطة مثل هذه تصبح معياراً للطبقية، يفضل استشاري الصحة النفسية الدكتور عبدالله غازي، أن يحلل الأمر على طريقته. موضحاً أنه لا شك أن السواد الأعظم من الناس غير قادرين على دفع الاشتراكات الضخمة للفوز بعضوية ناد اجتماعي، مضيفاً أنه ينبغي أن تكون هذه الأشياء في المتناول، ومشدداً على أن المتنفس من هذا النوع أحد المكملات الرئيسة للحياة الطبيعية، منوهاً إلى أنه ليس شرطاً أن يكون المكان فارهاً، بل كل مكان وأسرة بحسب إمكاناتها، تبحث عن وسيلة لإخراج الطاقة والتظلُّل تحت الشجر.

الالتقاء في النادي لطالما كان علامة على الثراء والتميز الطبقي وفق ما قدمته السينما المصرية، التي استعرضت لقاءات الصفوة في النوادي لممارسة رياضات مثل التنس والسباحة، في مكان مغلق ووسط مستوى معين من الأعضاء، وهو أمر تسلل خارج الشاشة، لكنه مع ذلك ظل غير مؤثر بشكل كبير، نظراً لأن بدائله كانت متاحة وكان ينظر لدفع أموال مقابل التمشي والتنزه على أنه رفاهية غير ضرورية، لكنه تدريجاً أصبح خياراً اضطرارياً لدى العائلات المتوسطة وحتى تحت المتوسطة، لمحاولة توفير مناخ صحي ومساحة حرة لهم ولأبنائهم في ظل عدم استيعاب الأماكن المفتوحة من دون مقابل لكافة الأعداد؟

وتتراوح أسعار اشتراكات النوادي الاجتماعية الرياضية في مصر ما بين 50 ألف جنيه (ألف دولار) إلى ما يزيد على مليوني جنيه (40 ألف دولار)، وما بينهما هناك خط بياني يتصاعد، حيث دخلت نوادٍ كثيرة المنافسة بعدما كانت تُصنف على أنها متوسطة الحال، وأصبحت اشتراكاتها تصل إلى 400 ألف جنيه (8 آلاف دولار).

اللافت أن الأندية الكبرى التي تنافس في كرة القدم وعلى رغم شعبية اللعبة، فإن ليس جميع الأندية هنا تقع على قائمة التصنيف في تكلفة اشتراكاتها للعضوية كنواد اجتماعية، بل إن بعض الأندية التي تأتي في ذيل الترتيب بالنسبة للألعاب الرياضية الشهيرة، هي الأكثر إقبالاً، وأغلى ثمناً، إذ إن العائلات تبحث بالأساس عن اهتمام بالأنشطة الأسرية والطفولية والاجتماعية التي تؤمن لهم بيئة مريحة.

يتحدث عبدالله غازي، استشاري الصحة النفسية، عن ضرورة أن توجد مثل تلك الأماكن في الروتين الطبيعي للحياة. مشيراً إلى أن المساحات المفتوحة الآمنة هي جزء أساسي من عملية التربية الصحية، فهي تؤثر إيجاباً في سلوكيات الأطفال والمراهقين، وتأتي في إطار مرحلة مهمة من مراحل النمو النفسي، وتسهم في تنمية المهارات الحركية العفوية، لأن هذه الأماكن من المفترض أنها مجهزة لاستقبالهم من دون أن يتعرضوا لأي أذى، لافتاً إلى أن الأماكن المفتوحة تمنح الكبار والصغار هواءً نقياً ضرورياً لعملية الانتعاش النفسي، كذلك فإنها تُربي لدى الأطفال مبكراً النظرة الجمالية، والثراء المعرفي المهم لتكوينهم.

واختتم استشاري الإرشاد النفسي حديثه بتأكيد أهمية وجود الصغار باستمرار في بيئة مثل هذه، لأنها تنمي لديهم موهبة صنع شبكة علاقات اجتماعية طبيعية، وتساعدهم في معرفة طرق التواصل النفسي والجسدي، إذ فيما بعد يتمكنون من تكوين شبكة داعمة تظل معهم سنوات طويلة.

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار مصر على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com