اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٠ تموز ٢٠٢٥
تشهد السياسة الخارجية الصينية نقاشًا متزايدًا حول إمكانية تراجع بكين عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، خاصة في علاقاتها مع إيران، وفقًا لتحليل نشرته يورآسيا ريفيو.
هذا المبدأ، الذي يُعتبر حجر الزاوية في الدبلوماسية الصينية منذ عقود، يهدف إلى تعزيز احترام السيادة الوطنية والحفاظ على الاستقرار الدولي. ومع ذلك، فإن التطورات الجيوسياسية المتسارعة، بما في ذلك تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، العلاقات الاقتصادية المتينة مع إيران، والضغوط الدولية المتزايدة، تثير تساؤلات حول مدى قدرة الصين على الالتزام بهذا المبدأ في مواجهة المصالح الاستراتيجية المعقدة.
السياق التاريخي لسياسة عدم التدخل
تأسست سياسة عدم التدخل الصينية على مبادئ 'السيادة المطلقة' التي أُعلنت في إطار 'المبادئ الخمسة للتعايش السلمي' في خمسينيات القرن الماضي. هذه المبادئ، التي تشمل احترام السيادة والسلامة الإقليمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، شكلت أساس نهج الصين في العلاقات الدولية، خاصة مع الدول النامية. بالنسبة لإيران، كانت هذه السياسة جذابة بشكل خاص، حيث وفرت لطهران شريكًا دوليًا قويًا يمكنه دعمها اقتصاديًا وسياسيًا دون فرض شروط على سياساتها الداخلية أو الإقليمية.
ومع ذلك، فإن التحولات الجيوسياسية الأخيرة، بما في ذلك التوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل والضغوط الغربية، تضع هذا النهج تحت الاختبار.
العلاقات الاقتصادية الصينية-الإيرانية
تُعد إيران شريكًا اقتصاديًا حيويًا للصين، خاصة في سياق مبادرة الحزام والطريق، التي تهدف إلى تعزيز الربط التجاري والاقتصادي عبر آسيا وأوروبا وأفريقيا. الصين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني، حتى في ظل العقوبات الغربية، حيث واصلت شراء كميات كبيرة من النفط الإيراني عبر قنوات غير مباشرة.
في عام 2021، وقّعت الدولتان اتفاقية تعاون استراتيجي شاملة مدتها 25 عامًا، تشمل استثمارات صينية في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والنقل في إيران. هذه العلاقة الاقتصادية العميقة تجعل من الصعب على الصين الحفاظ على حيادها التام، خاصة عندما تتعلق الأمور بالصراعات الإقليمية التي تشمل إيران.
التحديات الجيوسياسية والضغوط الدولية
وتواجه الصين ضغوطًا متزايدة من الولايات المتحدة وحلفائها للعب دور أكثر نشاطًا في معالجة التوترات في الشرق الأوسط، بما في ذلك الصراعات التي تشمل إيران. على سبيل المثال، تسعى واشنطن إلى دفع الصين لدعم جهود إحياء الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)، أو على الأقل، الحد من دعمها الاقتصادي لإيران للضغط على طهران للامتثال للعقوبات الدولية. في الوقت نفسه، تسعى الصين إلى الحفاظ على علاقاتها مع القوى الإقليمية الأخرى، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي لها مصالح متعارضة مع إيران. اتفاقية عام 2023 التي توسطت فيها الصين لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران أظهرت إمكانية بكين للعب دور الوسيط، مما يشير إلى تحول محتمل نحو دور دبلوماسي أكثر نشاطًا دون التخلي الكامل عن مبدأ عدم التدخل.
وتزايدت التوترات بين إيران وإسرائيل في السنوات الأخيرة، مع تقارير عن هجمات متبادلة، بما في ذلك ضربات إسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا ولبنان، واتهامات لإيران بدعم وكلاء إقليميين مثل حزب الله. هذه التوترات تضع الصين في موقف حساس، حيث تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل، وهي شريك تكنولوجي مهم، بينما تدعم إيران اقتصاديًا وسياسيًا. وفقًا لتقارير بلومبرج، حاولت الصين في السنوات الأخيرة تعزيز وجودها الدبلوماسي في المنطقة من خلال استضافة محادثات وتقديم نفسها كوسيط محايد، لكن هذا الدور قد يتطلب منها الانحراف عن مبدأ عدم التدخل التقليدي. على سبيل المثال، مشاركة الصين في مناقشات حول الاستقرار الإقليمي قد تدفعها إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا في الصراعات الإقليمية.
التوقعات المستقبلية والسيناريوهات المحتملة
من غير المرجح أن تتخلى الصين بشكل كامل عن سياسة عدم التدخل، حيث تظل هذه السياسة ركيزة أساسية لتبرير نهجها الخارجي أمام الدول النامية وتعزيز صورتها كبديل للنفوذ الغربي. ومع ذلك، قد تتبنى بكين نهجًا أكثر مرونة، يتضمن مشاركة دبلوماسية أكبر في قضايا مثل الاتفاق النووي الإيراني، أو التوسط في الصراعات الإقليمية، كما فعلت في الوساطة بين السعودية وإيران. هذا التحول قد يعكس رغبة الصين في تعزيز نفوذها العالمي كقوة عظمى، مع الحفاظ على خطابها التقليدي حول احترام السيادة. على سبيل المثال، قد تلعب الصين دورًا أكبر في دعم الحوارات متعددة الأطراف لتخفيف التوترات في الشرق الأوسط، مع التركيز على المصالح الاقتصادية المشتركة.
التوازن بين المصالح والمبادئ
في النهاية، يعتمد قرار الصين على مدى قدرتها على تحقيق توازن بين مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في إيران وبين ضغوط المجتمع الدولي للعب دور أكثر نشاطًا في الاستقرار الإقليمي. إذا اختارت الصين الانخراط بشكل أكبر في الدبلوماسية الإقليمية، فقد يكون ذلك بمثابة تحول تدريجي نحو سياسة خارجية أكثر براغماتية، دون التخلي الرسمي عن مبدأ عدم التدخل. على سبيل المثال، قد تستمر الصين في دعم إيران اقتصاديًا بينما تعمل على تعزيز حوارات إقليمية لتخفيف التوترات، مما يعزز مكانتها كلاعب عالمي دون المساس بمبادئها الأساسية. كما أن تعزيز التعاون مع إيران في مجالات مثل الأمن السيبراني والتكنولوجيا قد يصبح عنصرًا إضافيًا في العلاقة، مما يزيد من تعقيد التوازن بين الحياد والمشاركة النشطة.
وأشار موقع يورآسيا ريفيو إلى أن سياسة عدم التدخل الصينية تواجه تحديات غير مسبوقة في سياق علاقاتها مع إيران، حيث تجبرها الديناميكيات الجيوسياسية والاقتصادية على إعادة تقييم نهجها. بينما تظل الصين ملتزمة بمبدأ السيادة، فإن الضغوط الدولية، العلاقات الاقتصادية المتزايدة مع إيران، والطموحات لتعزيز النفوذ العالمي قد تدفعها نحو دبلوماسية أكثر نشاطًا. هذا التحول، إن حدث، سيكون تدريجيًا ومدروسًا، مع الحفاظ على الخطاب التقليدي لعدم التدخل كعنصر مركزي في هوية الصين الدبلوماسية. في النهاية، ستظل الصين تسعى إلى تعزيز مصالحها الاستراتيجية مع الحفاظ على مرونتها في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.