اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في عالم تقاس فيه قوة الأمم بقدرتها على الرؤية قبل الآخرين، بدأت المفوضية الأوروبية في إنشاء وحدة استخبارات جديدة تحت إشراف رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، في محاولة لإعادة رسم ملامح الأمن القاري من جهة، وتعزيز قدرات الاتحاد في مواجهة التهديدات العالمية المتصاعدة من جهة أخرى.
الوحدة الجديدة، التي وصفت بأنها العين الموحدة لأوروبا، ستكلف بجمع وتحليل المعلومات الأمنية والعسكرية والسيبرانية من جميع الدول الأعضاء، مع إنشاء مركز عمليات متقدم في بروكسل ينسق بين أجهزة الأمن الوطنية والدفاعية، كما ستعمل على تعزيز تبادل المعلومات بين دول الاتحاد، ووضع استراتيجيات استباقية لمكافحة الإرهاب، والهجمات الإلكترونية، والتدخلات الأجنبية في الشؤون الأوروبية.
الخطوة التي وُصفت بأنها الأكثر جرأة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، تأتي في لحظة حرجة، تتكثف فيها التهديدات من كل اتجاه في أوروبا، حرب تشتعل على حدود القارة الشرقية، وهجمات سيبرانية تضرب عمق البنية التحتية الأوروبية، وتنام لنفوذ القوى الكبرى، وفي ظل هذه التحديات المتشابكة، تسعى رئيسة المفوضية الأوروبية إلى انتزاع زمام المبادرة، وتوحيد القدرات الاستخباراتية المبعثرة داخل الاتحاد عبر الوحدة الجديدة.
ولكن، يبدو أن إنشاء هذه الوحدة لن تكون بالخطوة السهلة، إذ قالت مصادر أوروبية مطلعة، أنه من المتوقع أن تقاوم عواصم الاتحاد الأوروبي تحركات المفوضية، في ظل مخاوف بشأن فعالية مركز الاستخبارات الداخلية، لا سيما مع استجابة أوروبا للحرب الهجينة الروسية.
ولطالما كان تبادل المعلومات الاستخباراتية موضوعاً حساسا للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خاصة بين الدول الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا اللتان تتمتعان بقدرات تجسس واسعة، وأن مشاركة المعلومات في ظل وجود حكومات موالية لروسيا داخل دول الاتحاد مثل المجر، ربما سيشكل خطرا على أمن دول الاتحاد.
وفسر بعض المحللين بأن الخطوة الأوروبية تأتي في سعي دول التكتل إلى التحرر من التبعية الاستخباراتية للولايات المتحدة وبناء منظومة أمنية ذات طابع سيادي مستقل، عبر تحسين استخدام المعلومات التي تجمعها وكالات التجسس الوطنية بالتكتل عبر الجهاز الذي سيشكل داخل الأمانة العامة للمفوضية.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل تحولًا جذريًا في الفكر الأمني الأوروبي، إذ تضع المفوضية في موقع القيادة المباشرة للأمن والاستخبارات، بعد عقود كانت فيها هذه الملفات حكرا على الدول الأعضاء، بينما يعتبر آخرون أن تركيز السلطة بيد فون دير لاين قد يثير جدلًا واسعا داخل الاتحاد، ويعيد النقاش حول حدود الصلاحيات بين بروكسل والعواصم الأوروبية.
بهذا القرار الجريء، تفتح أورسولا فون دير لاين فصلا جديدا في تاريخ الاتحاد الأوروبي، تسعى من خلاله بأن تكون أوروبا مُراقبة لا مراقَبة، وصانعة للمعلومات لا متلقية لها .. عقل استخباراتي جديد.. ربما يغير من المعادلة الدولية.


































