اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
على مدى سنوات طويلة، حافظت إسرائيل على ميزة عسكرية نوعية لا منافس لها في الشرق الأوسط: امتلاكها الحصري للمقاتلات الشبحية الأمريكية من الجيل الخامس F-35، أو النسخة الإسرائيلية المطوّرة Adir. هذه الطائرات منحت تل أبيب التفوق الجوي والتقني، وأتاحت لها هامشًا واسعًا من العمليات الدقيقة في سوريا ولبنان، بالإضافة إلى القدرة على الردع أمام خصومها الإقليميين. لكن هذا الاحتكار الذي اعتُبر سلاح إسرائيل الاستراتيجي الأبرز على وشك الانتهاء مع إعلان واشنطن عن صفقة تاريخية لتزويد السعودية بنفس الطائرات، خطوة ستعيد رسم خريطة القوة الجوية في المنطقة، وفقًا لتقرير حديث نشرته مجلة فوربس الأمريكية.
هذا التغيير ليس مجرد نقل قدرات عسكرية، بل فتح فصل جديد في المنافسة الاستراتيجية بين القوى الإقليمية، ما يجعل الموازين التقليدية تحت المراجعة ويطرح تحديات جديدة لإسرائيل في الحفاظ على تفوقها النوعي.
هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل التفوق الإسرائيلي، وكيفية تفاعل واشنطن مع متطلبات الحلفاء الإقليميين. فالصفقة السعودية–الأمريكية لا تقتصر على الطائرات وحدها، بل تتضمن استثمارات واسعة وعلاقات استراتيجية معمّقة، بما يعكس إعادة ترتيب الأولويات الأمريكية في الشرق الأوسط، خصوصًا مع تصاعد التوترات مع إيران. من هنا، تبدو هذه الخطوة أكثر من مجرد نقل معدات عسكرية؛ إنها إشارة واضحة إلى تحولات سياسية وأمنية قد تستمر لعقد كامل، وفق تحليل فوربس للصفقات الدفاعية الأمريكية.
صفقة سعودية–أمريكية تغيّر قواعد اللعبة
الصفقة المرتقبة تمنح الرياض القدرة على امتلاك ثاني قوة جوية شبحية في المنطقة، بعد إسرائيل، وهو ما يخلق توازنًا جديدًا في ميزان القوى الإقليمي. هذه الخطوة تعكس رغبة واشنطن في تعزيز قدرات حلفائها لمواجهة التهديد الإيراني، مع الحفاظ على التفوق النسبي لتل أبيب. كما تأتي في سياق استثمارات ضخمة للسعودية داخل الولايات المتحدة، ما يجعل الصفقة أداة مزدوجة: دفاعية وسياسية واقتصادية في آن واحد، وفق تقييم فوربس لأهمية التحالفات الجوية في الشرق الأوسط.
ويعني امتلاك السعودية لهذه الطائرات أن البلاد ستتمتع بقوة جوية حديثة جدًا، قادرة على تنفيذ عمليات دقيقة ومراقبة المجال الجوي بشكل لم يكن متاحًا سابقًا. وهو ما يغيّر قواعد اللعبة في المنطقة ويضع نهاية لاحتكار إسرائيل الذي كان مصدرًا للطمأنينة الاستراتيجية لعقود.
تل أبيب في موقف القلق… والطمأنة الأمريكية لا تكفي
إسرائيل عبّرت عن قلقها من الصفقة، معتبرة أن أي دولة أخرى تمتلك F-35 قد تهدد تفوقها النوعي، وهو التفوق الذي شكل حجر الأساس في استراتيجيتها الدفاعية.
ورغم تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو التي حاول فيها طمأنة الرأي العام والإشارة إلى ضمانات أمريكية بالحفاظ على ميزة إسرائيل، فإن الواقع يشير إلى أن التوازن قد يتغير تدريجيًا، خصوصًا إذا ترافق تزويد السعودية بالطائرات مع تحديثات متقدمة في أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ، بحسب تحليل فوربس للقدرات الجوية الإقليمية.
تشير التجربة الإسرائيلية السابقة في تطوير الطائرات الأمريكية، مثل تعديل صواريخ AIM-9M Sidewinder، إلى أن إسرائيل ستسعى دومًا للحفاظ على تفوقها النوعي عبر ابتكاراتها الداخلية. لكن مع دخول السعودية والقدرة على تحديث أنظمتها، يصبح التفوق الأحادي لإسرائيل أقل وضوحًا، ما يضعها أمام تحديات جديدة في إدارة تفوقها الجوي.
انعكاسات إقليمية واسعة… وسباق تسلح يلوح في الأفق
لكن امتلاك السعودية لـF-35 لا يقتصر أثره على تل أبيب، بل يمتد إلى جميع اللاعبين الإقليميين. فمن جهة، ترسل الرياض رسالة واضحة لطهران عن صعود قوة جوية جديدة مدعومة أمريكيًا، ما قد يدفع إيران لتعزيز تعاونها العسكري مع روسيا والصين.
ومن جهة أخرى، قد تحفّز الصفقة الإمارات وقطر على تطوير برامج جوية متقدمة، بما في ذلك التعاون مع كوريا على مقاتلات KF-21 Boramae، ما يزيد من سباق التسلح في الخليج، وفق تقرير فوربس حول مستقبل القوة الجوية الإقليمية.
أما الولايات المتحدة، فهي تدير هذه المعادلة بدقة: الحفاظ على التفوق النسبي لإسرائيل مع تزويد السعودية بطائرات قوية بما يضمن مصالحها الاستراتيجية، ويعيد ترتيب تحالفاتها دون إشعال صراع مباشر بين الحليفين.
هل تقترب السعودية وإسرائيل من مسار أمني مشترك؟
الصفقة قد تفتح المجال أمام تعاون أمني محدود بين الرياض وتل أبيب، خصوصًا في مواجهة التهديدات الإيرانية. فوجود قاعدة مشتركة من الطائرات الشبحية، حتى وإن كانت متباينة في القدرات، قد يسهل تنسيقًا استخباراتيًا أو عملياتيًا تحت إشراف أمريكي. لكن في الوقت ذاته، يظل التوتر صامتًا، إذ تخشى إسرائيل فقدان تفوقها التاريخي، بينما ترى السعودية أن دورها في إعادة توازن القوى أصبح ضروريًا.
إنهاء احتكار إسرائيل لطائرات F-35 يمثل تحولًا استراتيجيًا كبيرًا في الشرق الأوسط. فبينما تحاول واشنطن طمأنة تل أبيب بالحفاظ على تفوقها النوعي، فإن دخول السعودية على خط المقاتلات الشبحية يعيد رسم موازين القوى، ويطلق ديناميات جديدة في سباق التسلح الإقليمي. هذه المرحلة ستشهد تقاطعات مصالح معقدة بين الحلفاء والمنافسين، في وقت تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على السيطرة عبر أدوات متعددة، من ضمانات تقنية إلى قيود محتملة على استخدام الطائرات السعودية، ما يجعل السنوات المقبلة حاسمة في إعادة رسم خريطة القوة الجوية في المنطقة.
