الإدمان الرقمي يسجل معدلات مقلقة في مدارس الجزائر
klyoum.com
أخر اخبار الجزائر:
خيول الجزائر المنسية تستعيد المكانة والصهيلهذا الانغماس المفرط يجعل الشباب عرضة للتأثيرات السلبية للمحتوى الخطر ويستدعي تدخل الأسرة والمجتمع
بات الإدمان الرقمي في مدارس الجزائر ظاهرة تؤرق الجهات الوصية والأولياء على حد سواء. وجاءت الأرقام الأخيرة التي كشف عنها استبيان للمديرية العامة للوقاية وترقية الصحة، الخاص بتحليل أنماط الاستخدام الرقمي داخل الوسط المدرسي، ليرفع الغطاء عن واقع "أسود" يهدد مستقبل الأجيال والعائلة والصحة العامة.
وكشف 352 ألف تلميذ من بين 1.1 مليون تلميذ في الطور المتوسط، شملهم المسح الذي قامت به مديرية الوقاية وترقية الصحة بالجزائر، أي ما يعادل 32 في المئة، أنهم يقضون أكثر من ثلاث ساعات يومياً أمام شاشات الأجهزة الرقمية، ويحصل 40 في المئة منهم على أول جهاز ذكي بين سن 11 و13 سنة، كما يستخدم 56 في المئة الهواتف داخل غرف النوم، و34 في المئة لا يستطيعون الاستغناء عن الشاشات ليوم واحد، بينما يتعرض 40 في المئة منهم لمحتويات صادمة أو عنيفة، ويعاني 52 في المئة ضعف الوعي بالأمان الرقمي.
وعلى رغم أن الاستبيان يهدف إلى فهم أنماط الاستخدام الرقمي داخل الوسط المدرسي وتحديد الأخطار الصحية والنفسية والاجتماعية، فإن القائمين على المسح رأوا أن الأرقام مثيرة للقلق، مما يستدعي استجابة قطاعات عدة بما فيها الأسرة، لحماية التلاميذ وضمان بيئة رقمية آمنة ومتوازنة، وخلصوا إلى أن الاستعمال اليومي للأجهزة الرقمية بين الأطفال والمراهقين أصبح قضية صحة عمومية. هذه النتائج تنسجم أيضاً مع الاتجاهات العالمية التي تشير إلى تزايد الارتباط بالهواتف الذكية وارتفاع مؤشرات السلوكيات الرقمية غير الصحية لدى المراهقين.
وسبق أن أظهرت دراسة صادرة عن المركز الوطني للبحث في الإعلام الاجتماعي، أن أكثر من 80 في المئة من الشباب الجزائري الذين تراوح أعمارهم ما بين 18 و30 سنة يمتلكون هواتف ذكية، ويقضون في المعدل ما بين خمس إلى سبع ساعات يومياً في استخدامها، متصفحين تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تيك توك"، موضحة أن هذا الاستخدام "المفرط" لا يمر من دون آثار. فقد لاحظ الباحثون ارتفاعاً في نسب القلق والأرق وقلة التركيز لدى الطلبة الجامعيين، إلى جانب تدن واضح في الأداء الأكاديمي وضعف في المهارات الاجتماعية والتواصل الواقعي.
وأمام وضوح المؤشرات، لا تزال الجزائر تفتقر إلى استراتيجية وطنية واضحة لمواجهة هذه الظاهرة، فالمؤسسات التربوية لا تقدم برامج توعوية كافية والمناهج التعليمية لا تتضمن التربية الرقمية، كذلك الأسر غالباً ما تفتقر إلى الأدوات التربوية التي تمكنها من مرافقة أبنائها في العالم الرقمي. وفي ظل هذا الغياب، تبقى الهواتف الذكية تسيطر على عقول الشباب وسلوكهم من دون حسيب أو رقيب.
ويرى الباحث في علم الاجتماع أحمد ضياف أن الإدمان الرقمي الذي يتسلل إلى حياة الأفراد من دون ضجيج، يخفي في طياته آثاراً نفسية واجتماعية وسلوكية عميقة. وفي الجزائر، أسوة بباقي دول العالم، بدأ هذا الإدمان يتحول إلى مشكلة حقيقية تمس صحة الشباب وتوازنهم النفسي والاجتماعي، في ظل غياب التوعية الكافية وغياب سياسات تربوية وصحية فعالة. وبخصوص الأرقام المقدمة، طمأن بأن المجتمع الجزائري ليس استثناء في هذا الخطر، بل هو في قلب العاصفة الرقمية، إذ "نعيش جميعاً ضمن قرية رقمية واحدة، وموجة الإدمان الإلكتروني لا تعرف سناً ولا جنساً ولا مهنة".
وتابع ضياف، أن التدخل من أجل محاصرة الظاهرة يبدأ من الأسرة بوضع قواعد وحدود واضحتين، مثل تقنين الوقت ومنع الأجهزة في غرف النوم أو قبل النوم مباشرة، مع ضرورة تعزيز الالتزام بالواجبات الدينية والدراسية، مبرزاً أنه إذا تطورت الأعراض إلى اضطرابات في النوم أو الأكل أو السلوك، فلا بد من تدخل المتخصصين بالعلاج المعرفي السلوكي، محذراً من أن الخطورة تزداد عند الفئات الهشة نفسياً، بخاصة المراهقون وتلاميذ المتوسط والثانوي.
وكشفت الأمينة العامة لإحدى المنصات الإلكترونية للتواصل وتبادل الخبرات بين الفاعلين في مجال الطفولة حميدة خيرات، أن بعض الحالات التي ترفض العودة إلى المدرسة، تتعلق بالإدمان على العالم الافتراضي ومنصات التواصل الاجتماعي. ففي زمن أصبحت فيه الهواتف الذكية جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للأطفال والمراهقين، باتت تلعب هذه الأجهزة دوراً مزدوجاً، فهي أداة للتعلم أحياناً، لكنها كثيراً ما تتحول إلى مصدر إدمان وانعزال اجتماعي لا سيما خلال العطلة الصيفية. وتطرقت إلى طلاب انجذبوا لساعات طويلة نحو العالم الافتراضي لما يوفره لهم من محتوى ترفيهي سريع ومكثف جعل العودة إلى نمط الحياة في المدرسة أي "الواقع"، صعباً، إذ إن منصات مثل "يوتيوب" و"فيسبوك" و"تيك توك"، تجعل وجودهم على مقاعد الدراسة أمراً مملاً.
وأشارت خيرات إلى أن فقدان التوازن بسبب التعود على النوم المتأخر والاستيقاظ في وقت متأخر بعد الاستخدام المفرط للهاتف، يؤدي إلى اضطرابات في نمط حياة التلاميذ وضعف في الاستعداد الذهني للدراسة، ويتسبب لهم في الانعزال الاجتماعي الواقعي على رغم التواصل الافتراضي. وقالت إن بعض حالات التلاميذ الذين رفضوا العودة للدراسة يعيشون تطلعات غير واقعية جراء تعرض هؤلاء لمحتوى يظهر حياة مثالية أو رفاهية زائفة، جعلتهم يشعرون بالإحباط من واقعهم المدرسي، وهو ما قلل من حماسهم للعودة، مؤكدة أن على الأسرة أن تضع حدوداً واضحة لاستخدام الهاتف قبل بداية العام الدراسي بأيام.
من جانبه، يشير أستاذ علم النفس كريم بن سعدو إلى أن المنصات الرقمية أصبحت ساحة للتحديات الخطرة وأحياناً القاتلة، حيث يعيش فيها الشباب الجزائري واقعاً افتراضياً يصل بالبعض إلى حد الإدمان الرقمي، في وقت تسعى فيه دول كثيرة إلى فرض قيود صارمة في ظل الانغماس المستمر في هذا العالم الرقمي، بعد ظهور علامات واضحة على تراجع الصحة النفسية والإرهاق النفسي والشعور بالعزلة، إضافة إلى الانجرار وراء المقارنات المستمرة مع الآخرين والتنافس غير الواعي بحثاً عن الشهرة أو المكاسب المالية من دون حساب للعواقب. وقال إن هذا الانغماس المفرط يجعل الشباب عرضة للتأثيرات السلبية للمحتوى الخطر، ويستدعي تدخل الأسرة والمجتمع لإعادة التوازن بين الواقعي والافتراضي وحماية الشباب من أخطار قد تتحول في لحظة إلى كوارث حقيقية.
ويحذر بن سعدو من تداعيات ظاهرة إدمان التلاميذ والأطفال على الشاشات بسبب أثرها في الصحة ومستويات التعلم، موضحاً أن هناك سلوكيات غريبة يتعلمها الطفل مثل الغضب والعدوانية، وربما يصبح مع مرور الوقت فاقداً لقدراته العقلية والذهنية، مع الإصابة بخلل في النظر وأمراض العيون وتأخر الفهم والاستيعاب. وقال، إن موضوع الإدمان الرقمي للأطفال بات يقلق الجهات الحكومية التي سارعت إلى اعتماد سياسات من أجل محاصرة الظاهرة، مثل إطلاق حملات تحسيسية تستهدف العائلات، للتوعية بأخطار إدمان الأطفال على الهواتف والإنترنت، إلى جانب عقد لقاءات ومؤتمرات علمية.
إلى ذلك أعلنت وزارة التربية في الجزائر حملة بالمدارس والمؤسسات التعليمية، لرفع مستوى الوعي بالأخطار المرتبطة بالإدمان على الهاتف والشاشات، والأخطار المتعلقة باستعمال الوسائط الاجتماعية، بعد تسجيل تفاقم ظاهرة الإدمان على الهواتف والشاشات والألعاب، وتزايد شكاوى العائلات من إدمان أطفالهم عليها وتأثيرها السلبي على التحصيل الدراسي للتلاميذ.
وشملت العملية إقامة ورشات توعوية حول علامات الإدمان على الشاشات والمشكلات الصحية والعقلية والبدنية المرتبطة به في المدارس والمؤسسات التعليمية، لا سيما مؤسسات التعليم المتوسط، إلى جانب إقامة معارض حول الموضوع تحت شعار "الإنترنت بحر واسع، فلنساعد أبناءنا على الإبحار فيه بأمان".
وفي السياق نفسه، اقترح منذ أيام، البرلماني يوسف عجيسة، مبادرة تشريعية تدعو إلى الحظر الشامل للمواقع الإباحية في الجزائر، في سياق "الحفاظ على القيم وحماية السيادة الرقمية"، مستنداً على ضرورة حماية الفئات الهشة كالنساء والأطفال والمراهقين من محتويات "مسيئة" تشكل تهديداً مباشراً للقيم الاجتماعية.
وأشار النائب إلى أن "حماية الأخلاق العامة والمحافظة على الهوية الثقافية للبلاد تمثل أولوية تشريعية في ظل التحديات المتنامية التي فرضتها الثورة الرقمية"، مبرزاً أن دراسات ثابتة تربط بين التعرض المبكر للمحتويات الإباحية وإدمان الإنترنت والعزلة الاجتماعية وضعف التحصيل الدراسي وتدهور العلاقات الأسرية"، وعدّ أن السماح بانتشار هذه المنصات يضعف قدرة الدولة على حماية أمنها السيبراني، خصوصاً في ظل التقدم المتسارع للتقنيات، من بينها الذكاء الاصطناعي، مشدداً على أن "بعض المواقع الإباحية قد تستخدم كغطاء لجرائم خطرة مثل استغلال الأطفال والاتجار بالبشر، أو الابتزاز الجنسي، مما يجعل الحظر ضرورة أمنية أيضاً".
وشهدت البلاد جدلاً واسعاً في شأن مشروع قانون يهدف إلى تأطير الفضاء الرقمي وتنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي، ووضع ضوابط للمحتوى الذي ينشره الجزائريون على هذه المنصات، حيث يتضمن فرض قيود جديدة على كبرى منصات مثل "يوتيوب" و"إنستغرام" و"تيك توك".
ولا يستبعد أيضاً إمكانية حجب أي منصة تخالف الضوابط، أو تتقاعس عن التعاون مع السلطات، وينص على إلزام الشركات المالكة لهذه المنصات بفتح مكاتب لها في الجزائر، والتجاوب سريعاً مع البلاغات المقدمة ضد أي محتوى مخالف.