اخبار الجزائر

اندبندنت عربية

سياسة

الشعر الشعبي في الجزائر بين الحفاظ على الذاكرة وتحدي الاندثار

الشعر الشعبي في الجزائر بين الحفاظ على الذاكرة وتحدي الاندثار

klyoum.com

موروث ثقافي ازدهر قبل الوجود العثماني ليتراجع بعد الاستقلال فأصبح الاهتمام أكثر بالعربية الفصحى

يحتل الشعر الشعبي مكانة خاصة في الجزائر على رغم أن عرشه اهتز خلال الأعوام الأخيرة لاعتبارات عدة أهمها العولمة، وبقدر ما أسهم في الحفاظ على الهوية والقيم الأخلاقية وغرس الروح الوطنية بين أفراد المجتمع، بات يعيش العزلة في ظل اهتمام الشباب بالتقنيات والتكنولوجيات الحديثة التي غيرت الأولويات والأساليب، مما جعل الحفاظ على الموروثات الثقافية يواجه تحديات عدة.

ولم تعد جلسات ونقاشات واحتفاليات الشعر تجلب انتباه واهتمام الجزائريين مثلما كانت عليه سابقاً، مما يشكل تهديداً لاستمرارية هذا الموروث الثقافي والفكري الذي قاوم كل محاولات طمسه ومحوه واستغلاله، ولا سيما خلال الاحتلال الفرنسي للبلاد عام 1830، على اعتبار أن قصائد الشعر الملحون خلال الفترة الاستعمارية كانت وطنية تحث على المقاومة والثورة، وأيضاً دينية تمدح نبي الإسلام محمد وتدعو إلى نصرة الإسلام ووحدة المجتمع.

وقام الشعر الشعبي بدور كبير في مجالات عدة على شاكلة التبليغ في ظل ظروف انعدمت فيها وسائل التبليغ مثل إيصال أخبار الثورة التحريرية بين عامي 1954 - 1962 إلى المواطنين، على رغم الصعوبات التي كانوا يواجهونها خلال بعث رسائلهم، وكذلك استطاع الشعر الشعبي تصوير فترة الاحتلال الفرنسي تصويراً صادقاً، كما قام بمواكبة تطور المقاومة الجزائرية بين عامي 1830 - 1954، وحافظ على استمرار اللغة والثقافة العربية، إضافة إلى اضطلاعه بدور دعائي إعلامي لا يستهان به في صد وطرد الغزاة خلال مختلف المراحل قبل القرن الـ 16، والدعوة إلى إثبات الذات الجزائرية بمقوماتها العربية والإسلامية والأمازيغية والحفاظ على الهوية الوطنية على رغم صعوبة الواقع.

 

وتشير كتب التاريخ إلى أن الجزائر عرفت ازدهاراً كبيراً للشعر الشعبي قبل الوجود العثماني، وكان هؤلاء الشعراء من رجال النخبة المثقفة، وأن المجتمع عرف ممارسة الأقوال الشعبية منذ قرون، وأصبحت جزءاً من تاريخه الثقافي، ومن أبرز مظاهرها الاحتراف فيها وتنظيم أدائها في مناسبات محددة مع مراعاة الزمان والمكان من قبل أشخاص لهم مواصفات محددة، كما تشير إلى أن هناك ثلاث فئات من محترفي الرواية الشعبية، وهم المداحون أو رواة الحلقات العامة في تجمعات الأسواق والمناسبات العامة، والقوالون وهم الشعراء ورواة الشعر وراويات البيوت وهنّ من النساء اللواتي يتخصصن في رواية الحكايات الموجهة خصوصاً للأطفال التي يطغى عليها الطابع الخرافي.

وتوضح الكتب نفسها أن فئة المداحين هم من مؤدي المأثورات الشعبية في الأماكن العامة والمقاهي والمناسبات الدورية مثل الأسواق الأسبوعية والأعياد الدينية والأفراح، وأما القوالون وهم مؤدو الشعر الشعبي، فينقسمون إلى الشعراء المبدعين الذين يلقون قصائدهم، والرواة الذين يحفظون شعر غيرهم من الشعراء ويروون لهم، وهناك راويات البيوت فكانت العجائز من النساء مسؤولات عنها في التاريخ القديم، وترتكز على رواية الحكايات الخرافية للأطفال، ولا سيما في ليالي الشتاء الطويلة.

ويرى أستاذ الأدب جلول دواجي عبدالقادر أن الحديث عن الأدب الشعبي حاجة ملحة فرضتها إشكالية البحث في القيم الثقافية والاجتماعية والفكرية الأصيلة للشخصية الوطنية، فالأدب الشعبي يعد أهم الركائز الثقافية الوطنية والبحث في مجاله بحث أصيل مرتبط بالكيان الثقافي لأية أمة من الأمم البشرية لأن من لا تراث له لا حاضر ولا مستقبل ولا بقاء له، مضيفاً أن التراث الشعبي يعد وعاء ثقافياً وفكرياً يحوي اللغة والدين والمعتقدات وكل ما له آصرة بالفولكلور، فهو ينهل من كل هذه العلوم، ولكنه لا يتبع منهجاً علمياً محدداً يتقاطع مع كل هذه المعارف ليصل إلى صورة معبرة عن أحاسيس الشعب ومشاعره الناتجة من بيئته وواقعه الاجتماعي.

وأضاف أن الشعر الشعبي الذي هو فرع من الأدب الشعبي، نقل حاجات الفرد والجماعات، حتى إنه يعتبر الغذاء الرئيس المتوافق مع أفكارهم، مما جعلهم يتفاعلون مع نصوصه، ومن ثم نقله وتناقله وحفظه عبر الأجيال، وهو  متوارث جيلاً بعد جيل بالمشافهة والحفظ في الصدور قبل أن ينتقل اليوم إلى السطور، مشيراً إلى بعض من ميزاته مثل مجهول المؤلف وعامي اللغة، والصدق في أنه يصدر من النفس من دون مراوغة، وهو يضم الحرارة في العاطفة لأنه مصدر القلب، وهو معبّر عن حياة الشعب بما فيها من بساطة وتعقيد لأنه نابع من أعماقها لا من سطحياتها، كما أنه يشمل مختلف شرائح المجتمع.

من جانبه يعتبر الباحث في التاريخ الثقافي والتراث الفني بوعلام صالحي أن الشعر الشعبي الجزائري كان وسيظل يعبر عن آلام وآمال الطبقات الشعبية بكل درجاتها ومراتبها وعن أمانيها وهمومها وعن أفراحها وأحزانها وعن رقيها وانحطاطها، على رغم أنه في الوقت الحالي يعاني بعض التهميش، مبرزاً أن الجهود لا تزال متواصلة من طرف الباحثين والمنظرين والكتاب والشعراء والقراء والمبدعين على اختلاف مناهجهم ومناهلهم، إلا أن دخول العولمة على الخط، ثم ارتفاع نسبة الشباب في المجتمع الجزائري، جعلا هذا النوع من الأدب يواجه تحديات من أجل الاستمرار، فهو يقاوم التكنولوجيا والتقنية.

ويواصل صالحي أن الشعر الشعبي كان منتشراً بصورة لافتة، لغاية أعوام التسعينيات، إذ إن أغاني "الراي" و"الشعبي" و"البدوي" مستوحاة من قصائد شعراء الشعر الملحون والشعبي، مما جعلها تطرق باب العالمية مع أغاني الشاب خالد ومامي وعمر الزاهي والحاج العنقى ودحمان الحراشي وخليفي أحمد وعيسى الجرموني وغيرهم، لكن تراجع الاهتمام مع بروز فنانين يراهنون على التكنولوجيا، إضافة إلى توجه الشباب نحو الأجهزة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وما خلّفه ذلك من مظاهر سلبية داخل المجتمع مثل العزلة وغياب التواصل الأسري وانهيار التقاليد والقيم وغيرها، موضحاً أن الشعر لم يعد له مكان لدى الشباب، بل لا تزال فئات ضيقة تتمسك به وغالبيتها من جيل الثورة التحريرية وبعض الأكاديميين من اختصاصات الأدب واللغات والثقافة والتراث.

ويبرز صالحي أن الجزائر تمتلك تراثاً شعرياً ضخماً لا يزال معظمه مدسوساً في الخزائن والحقائب وفي الرفوف والأدراج وفي المخطوطات، وربما ضاع كثير منه بسبب الإهمال واللامبالاة، "ما وصلنا من قليل الشعر هو من المحفوظ في ألباب الذاكرة الشعبية ولدى بعض المهتمين"، مشيراً إلى أهمية وضرورة الإسراع في رقمنة هذا التراث قبل أن يقضي عليه الغبار والنسيان والتهميش والطبيعة.

ولا تزال الجزائر تضغط من أجل أن يستمر هذا النوع من الأدب الشعبي، وتعود له الروح التي كانت ضاربة في أعماق المجتمع ويحظى باهتمام مختلف الفئات والمستويات، وآخرها تنظيم الطبعة الأولى التأسيسية للمهرجان الوطني لعكاظية الشعر الشعبي، إذ أكد المشاركون أن الشعر الشعبي كان يمثل لسان حال الجزائريين وورقة تاريخية تسرد ماضيهم المجيد.

كما أوضحوا أن هذا الموروث الثقافي الأصيل كان له وقعه خلال الثورة التحريرية، مضيفين أن الدراسات الأكاديمية تشير إلى إحصاء زهاء 400 شاعر كتبوا عن الثورة التحريرية المجيدة من نقطة التماس ولم يكتبوا من خارج المعركة، يضاف إليهم أيضاً مجاهدون أشاوس كتبوا في الشعر ولم يذكروا أسماءهم حينها تخفياً من المستعمر، وقالوا "نرافع بقوة عن الشعر الشعبي الجزائري كمكون ثقافي أصيل يجب أن يأخذ أحقيته في البحث العلمي، فهو قابل على أن تطبق عليه كل المناهج النقدية والعلمية، وما على الدارسين الجزائريين إلا الاشتغال عليه، فالمطبوعات البحثية لم تفِه حقه"، وأشار المهتمون من المشاركين في التظاهرة إلى أن الشعر الشعبي كان له صيته في الثورة، ليتراجع بعد الاستقلال إذ أصبح الاهتمام أكثر باللغة العربية الفصحى، مما يدفع اليوم إلى نفض الغبار عن إرث ثقافي أصيل ومتجذر لأنه يمثل نبض المجتمع، فهو لسان حال الناس كما أن رسالته لغتها بسيطة، ويعتبر وثيقة تاريخية ومصدراً للمؤرخين في كتابتهم، داعين إلى ضرورة الاهتمام بهذا اللون الثقافي الذي يحتاج إلى تأطير.

*المصدر: اندبندنت عربية | independentarabia.com
اخبار الجزائر على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com