ارتفاع نسب زواج نساء الجزائر بالأجانب يثير القلق
klyoum.com
أخر اخبار الجزائر:
بعد انتقاله إلى مانشستر سيتي.. أول تعليق من آيت نوري (فيديو)تعلو أصوات المطالبين بتنظيمه وتقنينه وكان إلى وقت قريب من "المحرمات"
ينتشر كالنار في الهشيم وسط المجتمع خلال الأعوام الأخيرة، وتختلف الآراء حول أسبابه، وترتفع أصوات المطالبين بتنظيمه وتقنينه، إنه زواج الجزائريات بالأجانب الذي أصبح حديث العام والخاص، الرسمي والشعبي، الأمر الذي استعجل النظر فيه عبر وضعه على طاولة الحكومة.
زواج "دخيل" أصبح واقعاً
وبعد أن كان إلى وقت قريب من "المحرمات" أو "الخروج عن التقاليد"، ارتفع معدل الزواج المختلط بنسبة كبيرة في الجزائر لأسباب عدة، أهمها الانفتاح على استثمارات الشركات الأجنبية، وكذلك إيواء الآلاف من المهاجرين الفارين من الحروب في بلدانهم، أو القادمين للدراسة أو العمل، وازدهار السياحة في البلاد، إلى جانب سطوة وسائل التواصل الاجتماعي.
وحسب دراسة قدمها مركز الإعلام والتوثيق حول حقوق المرأة والطفل "سيداف"، فإن نصف عدد المواطنين البالغين الذين شملتهم الدراسة لا يرضون بزواج الجزائرية من أجنبي، إلا إذا اقترن بشروط ذات طبيعة دينية، كأن يكون المتقدم للزواج مسلماً عربياً. وبعد أن استحوذ فيها الفلسطينيون والسوريون والمصريون بدرجة أقل على حصة الأسد من نسبة الجنسيات التي تلقى قبولاً من طرف الزيجات الجزائريات، انتقلت الظاهرة إلى الأتراك والصينيين وبعض الأفارقة.
في خضم هذا الواقع وجدت جزائريات أنفسهن أمام جدار القوانين التي منعت استكمال عقود الزواج وحرمتهن من تسوية وضعياتهن الإدارية، على رغم أنهن مرتبطات بعقود دينية وزواجهن بذلك شرعي، وبعضهن رزقن بأطفال لكن من دون وثائق مدنية، مما يحرمهن من أهم حقوقهن على رأسها التعليم والصحة، مما أفرز كتلة ثلج ما فتئت تكبر إلى أن أحدثت مشكلة داخل المجتمع حلها أصبح ضرورياً وعاجلاً.
وزارة العدل تتدخل
أمام الوضع الجديد الذي يعيشه المجتمع، وفي سياق إيجاد حل للمعضلة التي باتت تقلق السلطات، أكد وزير العدل لطفي بوجمعة أن إثبات الزواج بين جزائريات وأجانب أمام القضاء لا يكون إلا بعد التحقق من استيفاء الأركان القانونية كافة، "وعلى رأسها الرخصة الإدارية التي تفرضها القوانين والتنظيمات المعمول بها"، مؤكداً أن كل أجنبي يرغب في الزواج من جزائرية مطالب قانوناً بالحصول على هذه الرخصة، وأن قضاة شؤون الأسرة ملزمون التقيد بها عند الفصل في هذا النوع من القضايا، مع تمتعهم بهامش من السلطة التقديرية، وشدد على أن الزواج يثبت بمستخرج من سجل الحالة المدنية، وفي حال عدم تسجيله يثبت بحكم قضائي.
وأشار وزير العدل إلى أن قضاة شؤون الأسرة مطالبون، عند الفصل في قضايا إثبات الزواج العرفي الذي يكون أحد أطرافه أجنبياً، بالبحث عن مدى توفر أركان وشروط عقد الزواج المقررة قانوناً، بما في ذلك الرخصة الإدارية المطلوبة بالنسبة إلى الأجانب، موضحاً أنه على كل أجنبي يرغب في الزواج من جزائرية التزام أحكام قوانين الجمهورية والسعي إلى الحصول على الرخصة المطلوبة، مع التأكيد أن السلطة التقديرية تبقى للقضاة عند الفصل في مثل هذا النوع من القضايا.
ظاهرة متداخلة
في السياق، اعتبر الحقوقي آدم المقراني أن زواج الجزائريات من الأجانب يثير قلقاً متزايداً في المجتمع الجزائري، "إذ تتداخل فيه الأبعاد القانونية والدينية والاجتماعية والثقافية، مما يجعله موضوعاً حساساً ومعقداً"، وقال إنه من الناحية القانونية، "ينص قانون الأسرة الجزائري على أن زواج المرأة الجزائرية من رجل غير مسلم غير معترف به إلا إذا قدم الزوج شهادة اعتناق الإسلام، مما يعكس تأثير الشريعة الإسلامية على التشريعات المدنية في الجزائر"، مضيفاً أن هذا الشرط يفرض قيوداً على حرية المرأة في اختيار شريك حياتها، ويعكس التوتر بين الالتزام الديني وحقوق الفرد.
اجتماعياً، ينظر إلى زواج المرأة الجزائرية من أجنبي، بخاصة إذا كان غير مسلم، على أنه خروج عن الأعراف والتقاليد، مما قد يؤدي إلى رفض الأسرة والمجتمع هذا الزواج، وأشار المقراني إلى أن هذا الرفض ينبع من مخاوف تتعلق بالحفاظ على الهوية الثقافية والدينية، وكذلك من القلق في شأن نوايا الزوج الأجنبي، لا سيما في ظل حالات استغلال الزواج للحصول على الإقامة أو الجنسية. وتابع المقراني أن هذه التحديات تظهر الحاجة إلى مراجعة شاملة للتشريعات والسياسات المتعلقة بزواج الجزائريات من الأجانب، بهدف تحقيق توازن بين احترام التقاليد الدينية والثقافية وضمان حقوق المرأة وحريتها في اختيار شريك حياتها، وختم أن الأمر يتطلب تعزيز الوعي المجتمعي وتوفير الدعم القانوني والاجتماعي للنساء في مثل هذه الحالات، لضمان حمايتهن من التمييز والانتهاكات المحتملة.
حالات "سلبية"
وتناول الإعلام المحلي، في مرات عدة، حالات "سلبية" لزواج جزائريات من أجانب انتهى وضع بعضهن مطلقات ومتشردات في دول أجنبية، من دون وثائق إقامة ولا مصدر رزق، بينما تعرضت أخريات للاستغلال، ووجدن أنفسهن أمام مفترق طرق، الأمر الذي أشار إليه الباحث في علم الاجتماع أحمد ضياف الذي قال إنه بعدما كان الزواج مقدساً، له شروط وعادات لا يمكن تجاوزها، تغيّر الأمر مع التطور الرقمي، الذي أثر سلباً في تقاليد المجتمعات المحافظة، إذ انتشر الزواج الرقمي أو الإلكتروني، كذلك أسهم انفتاح السوق الجزائرية على الشركات الأجنبية ودخول جنسيات مختلفة على الزواج المختلط المبني على المظاهر والفترات العابرة.
وواصل ضياف أن الظاهرة باتت خطرة جداً، "إذ لم يعد ارتباط الجزائريات مقتصراً على الأجانب المقيمين في الجزائر، بل تعداه إلى حمل الفتاة حقيبتها وانتقالها إلى بلد عريسها المجهول، الذي تعرفت إليه في دردشة إلكترونية"، وانتقد المؤثرات اللواتي يروجن لهذا الزواج ويبالغن في إظهار مظاهر الرفاهية عند الزواج بأجنبي، وحذر من أن الزواج المختلط له أخطار على تماسك المجتمع، علاوة على الأبعاد الخطرة على الهوية.
تنظيم وتشديد
وسبق أن طلبت وزارة العدل في الجزائر توجيه القضاة إلى تكييف الدعاوى المتعلقة بتسجيل عقود الزواج المبرمة في السفارات الأجنبية بالجزائر، على أنها دعاوى إثبات زواج عرفي، كذلك أمرتهم بالتأكد من مدى توفر أركان وشروط الزواج وفقاً للقانون الجزائري، وأكدت ضرورة تسجيل أحكام إثبات الزواج المبرم بالسفارات الأجنبية بسجلات الحالة المدنية للبلدية المختصة وليس بمصالح الحالة المدنية بوزارة الشؤون الخارجية.
وجاء في التعليمة ذاتها أنه "قد بلغ إلى علمنا صدور أحكام قضائية قضت بإمهار عقود الزواج المبرمة بين جزائريات ورعايا أجانب بالسفارات الأجنبية بالجزائر بالصيغة التنفيذية، وأمر ضابط الحالة المدنية، في البلدية، بتسجيلها بسجلات الحالة المدنية، كما صدرت أحكام أخرى قضت بتسجيل هذه العقود بسجلات الحالة المدنية بوزارة الشؤون الخارجية"، وعليه، فقد أكدت وزارة العدل أن عقود الزواج المبرمة على مستوى السفارات الأجنبية بالجزائر ليست سندات تنفيذية أجنبية بمفهوم القانون الجزائري، ومن ثم فهي غير قابلة للإمهار بالصيغة التنفيذية.
كذلك فإنها أبرمت بما يخالف أحكام القانون الجزائري الذي يلزم إبرام عقود الزواج أمام ضابط الحالة المدنية أو الموثق، وعليه فإنها تعتبر عقود غير صحيحة وفقاً للقانون الجزائري، ولا يمكن الحكم بتسجيلها في سجلات الحالة المدنية بالبلدية، كذلك فإن وزارة الشؤون الخارجية ليست مختصة بتسجيل مثل هذه العقود، لأنه لا يوجد بها ضابط حالة مدنية يتولى مهمة تسجيل عقود الحالة المدنية، إذ إنها مختصة، فقط، بتلقي النسخ الثانية من سجلات الحالة المدنية القنصلية بالخارج وتسليم عقود الحالة المسجلة فيها.
الزواج العرفي ليس جريمة
ولا يعتبر القانون الجزائري الزواج العرفي جريمة، بل يسمح للمتزوجين، عرفياً، بتثبيت زواجهم لاحقاً أمام الجهات الرسمية والحصول على الدفتر العائلي، إذ تنص المادة 22 من قانون الأسرة على أن "يثبت الزواج بنسخة من سجل الحالة المدنية، وإذا لم يسجل يثبت بحكم قضائي بسعي من النيابة العامة"، وعليه يتضح من خلال هذه المادة أنه يمكن تدارك عدم تسجيل الزواج أمام ضابط الحالة المدنية باللجوء لاحقاً إلى المحكمة. ويُثبت بواسطة عريضة مشتركة بين الزوج والزوجة تودع أمام المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها مسكن الزوجية، أو أمام المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه في حال وجود نزاع بين الزوج والزوجة حول مسألة إثبات الزواج طبقاً للمادة 426 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ويجب على القاضي قبل أن يصدر حكماً يقضي بتثبيت الزواج العرفي التأكد من وجود الأركان الشرعية له، والمتمثلة في رضا الزوجين وولي الزوجة والشاهدين والصداق، كذلك يجب التأكد من خلوّ هذا الزواج من الموانع كالمحرمات بالقرابة والرضاعة وغيرها.
تتعدد الأسباب
"تتعدد أسباب الزواج السري" يقول أستاذ الحقوق عبدالكريم بنزيدون موضحاً أنه في بعض الأحيان "يُتخذ حيلة من طرف الأجانب للارتباط بجزائريات، على اعتبار أن زواج الأجانب في الجزائر يخضع لشروط من بينها وجود الأجنبي في الجزائر بطريقة قانونية، وكذلك الحصول على ترخيص من الوالي المختص إقليمياً، ومن ثم في حال إذا كان الأجنبي في وضعية غير قانونية، كأن يكون مهاجراً غير شرعي أو في رفض الوالي المختص منح الترخيص، فإنه يتم اللجوء للزواج العرفي"، وأضاف بنزيدون "أن البدو الرحل وسكان المناطق النائية يلجأون إلى هذا النوع من الزواج بسبب العزلة والبعد من المقرات الرسمية، كذلك يعتمده المطلوبون لدى العدالة باعتبار أن هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جرائم، ومن ثم فهم يخشون من توقيفهم لو تقدموا أمام الجهات الرسمية لإبرام عقد الزواج".
أخطار... والأطفال أول الضحايا
إلى ذلك، يعدد المحامي سمير شافعي الإشكالات المترتبة على الزواج العرفي والسري، قائلاً إن "مماطلة الزوجين في تثبيت هذا الزواج، مدة طويلة، قد يخلق صعوبات كثيرة، قد يتوفى أحد الزوجين أو قد يتوفى الشهود أو ولي المرأة، ففي هذه الحالات يكون تثبيت الزواج صعباً جداً وقد يستحيل ذلك نظراً إلى اختفاء أركانه، كذلك قد يستهدف رفض أحد الطرفين تثبيت الزواج الإضرار بالطرف الآخر، وعادة يكون الطرف صاحب النية السيئة هو الزوج، بحيث يرفض الاعتراف بوجود زواج من أجل حرمان زوجته من النفقة أو ربما الميراث وغيرها من الحقوق"، يضيف شافعي، "أنه في حال أثمر الزواج العرفي عن أطفال، ففي هذه الحال وإلى جانب إثبات الزواج العرفي لا بد من إثبات نسب الأطفال أيضاً، مما قد يخلق صعوبات، بالأخص إذا أنكر الرجل وجود الزواج أو أنكر نسب الأطفال"، مشيراً إلى أن الزواج العرفي قد يتبعه طلاق عرفي، وما يترتب عليه من صعوبات لإثباته، وختم أن الزواج العرفي، في بعض الأحيان، يُلجأ إليه من أجل منح النسب لطفل ناتج من علاقة غير شرعية.