الحياة البرية في الجزائر تحتضر تحت سكين الصيد الجائر
klyoum.com
أخر اخبار الجزائر:
زلزال بقوة 3.3 درجة يضرب مدينة وهران الجزائريةصيادون ينتهكون القوانين والأخلاقيات بأنشطة ليلية تلحق أضراراً كبيرة بالثروة الحيوانية وتهدد نظماً بيئية كاملة
على رغم أن الجزائر من الدول التي تزخر بتنوع بيولوجي غني يشمل الكثير من الكائنات البرية النادرة والمهددة بالانقراض، مثل الفهد الصحراوي والمها وغزال الأطلس، غير أن هذا التنوع الطبيعي بات يواجه تهديداً متزايداً نتيجة انتشار ظاهرة الصيد الجائر، بطرق غير قانونية، مدفوعة بالطمع أو بغياب الوعي البيئي، ما يطرح تحديات بيئية وأخلاقية تستدعي الوقوف عند أسباب هذه الظاهرة وسبل الحد منها.
انقراض محلي
بات الصيد العشوائي يشكل تهديداً حقيقياً للتوازن البيئي والحياة البرية في الجزائر، ويستهدف أنواعاً نادرة من الحيوانات المهددة بالانقراض مثل الأرانب البرية والغزلان كالأيل البربري المعروف محلياً بـ"بقر الوحش" ويوجد على وجه الخصوص في شمال أفريقيا، والثعلب الأشقر، وقرد الماغو والقنفذ والقط الوحشي والنيص أو ما يعرف بـ"الضربان" والضبع المخطط وكلب الماء (القضاعة) وابن عرس والنمس والوشق وبعض الطيور، منها الجوارح والطيور المائية والطيور البحرية.
ولا يهدد الصيد العشوائي فقط بقاء الطرائد، بل يؤدي إلى خلل في النظام البيئي ككل بسبب عدم احترام قوانين الصيد، بخاصة خلال فترات التكاثر والرضاعة، لتوفير بيئة آمنة للحياة البرية ولضمان استدامة الثروات الطبيعية، فالأرانب البرية مثلاً، قد تلد في أي وقت من السنة، وتصبح أكثر عرضة للخطر خلال أشهر التكاثر والرضاعة، التي تمتد من يناير (كانون الثاني) إلى يونيو (حزيران).
وبحسب تقرير رسمي للمديرية العامة للغابات في الجزائر صدر مطلع 2025، تم خلال عام 2024 فقط ضبط 3542 حيواناً برياً محمياً من ضحايا الصيد العشوائي وغير القانوني، من بينها 236 حيواناً نفقوا أو أصيبوا بجروح خطيرة، بينما أعيد أكثر من 3200 منها إلى بيئتها الطبيعية.
واستناداً إلى المديرية فإن ما لا يقل عن 24 نوعاً من الطيور و20 نوعاً من الثدييات محمية بالجزائر ويمنع صيدها، بينما يوجد 23 نوعاً من الحيوانات والطيور المهددة بالانقراض من البر الجزائري مترامي الأطراف.
ويهدد الصيد الجائر نظماً بيئية كاملة، وقد يؤدي إلى انقراض محلي لبعض الأنواع مثل الفهد الصحراوي وقطة الرمال خلال 30 عاماً، وفق دراسات جامعية في الجزائر.
وظل نشاط الصيد البري بالجزائر محظوراً منذ عام 1995 بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد أو ما تعرف بفترة "العشرية السوداء" قبل أن يستأنف من جديد في سبتمبر (أيلول) 2020 بقرار من السلطات، وسط إجراءات تنظيمية للمحافظة على البيئة والحياة البرية.
واستغلت عصابات الصيد العشوائي عودة النشاط رسمياً، لإلحاق الأذى بالحياة البرية، فلا تتوانى في انتهاك القوانين وأخلاقيات الصيد من خلال الأنشطة الليلية التي تلحق أضراراً كبيرة بالثروة الحيوانية، إذ تستعمل معدات الصيد الليلي من مركبات ومصابيح كاشفة وفخاخ، وشراك وبنادق صيد، ولا يقتصر نشاطها على الحجل والأرنب البري والسمان والزرزور، بل يتعداه إلى طيور وحيوانات أخرى كالثعالب والذئاب والخنزير والضربان والنسور والغربان والصقور والبوم، بدافع التسلية وإشباع الرغبة في إبادة الثروة الحيوانية التي تمثل عصب التنوع البيولوجي والتوازن الإيكولوجي.
قوانين تنظيمية
ومع بداية كل موسم للصيد، تشدد وزارة الداخلية الجزائرية على "ضرورة التقيد بالأحكام التشريعية والتنظيمية سارية المفعول في ما يخص استئناف نشاط الصيد لا سيما القانون رقم 04-07 لعام 2004 المتعلق بالصيد، ضماناً للتوازن البيئي وحفاظاً على الثروة الصيدية والأصناف المحمية".
وتؤكد الوزارة "أهمية استيفاء مختلف الإجراءات التنظيمية المنصوص عليها في المرسومين التنفيذيين رقم 06-386 ورقم 06-387 المؤرخين في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2006، اللذين يحددان شروط وكيفيات الحصول على رخصة الصيد وتسليمها، وإعداد إجازة الصيد وتسليمها".
وتشير الوزارة أيضاً إلى أحكام المرسوم التنفيذي رقم 06-442 المؤرخ في 2 ديسمبر (كانون الأول) 2006 المحدد لـ"شروط ممارسة الصيد الذي يتضمن أصناف الطرائد المرخص بصيدها، وتواريخ مواسم الصيد الخاصة بكل نوع منها".
ووفقاً لأرقام المديرية العامة للغابات، فقد تم إحصاء نحو 27 ألف صياد متخصص في الصيد البري، حتى عام 2023، منظمين في إطار 857 جمعية وموزعين عبر 44 فيدرالية ولائية، منهم 22196 خضعوا للتكوين قبل الحصول على شهادة تأهيل لحيازة رخصة الصيد.
في هذا الإطار، تم منح "21586 رخصة صيد على المستوى الوطني وتوزيع 18922 إجازة صيد على مستوى المحافظات، كما تم تحديد المناطق المخصصة للصيد وضبط حدودها على مستوى 36 ولاية و392 قطعة أرض قابلة للإيجار تغطي مساحة إجمالية تبلغ 577.511 هكتار".
وتبنت الجزائر استراتيجية وطنية للتنوع البيولوجي تماشياً مع التزاماتها الدولية، وبخاصة اتفاقية التنوع البيولوجي، وأهداف التنمية المستدامة، والإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد 2020.
اختلال السلاسل الغذائية
يقول نائب رئيس الجمعية الجزائرية لتوثيق الحياة البرية، جمال حاج عيسى إن الجزائر بلد غني بالتنوع البيولوجي والمناطق الطبيعية سواء الساحلية أو الصحراوية، إلا أن الصيد الجائر يعد من أبرز التهديدات لهذا التنوع، وهو سبب مباشر في اختلال السلاسل الغذائية.
وأوضح حاج عيسى لـ"اندبندنت عربية" أن الصيد العشوائي يؤدي إلى انقراض أنواع حيوانية مهمة، ويؤثر في المواطن الطبيعية للحيوانات البرية (مثل الغابات والصحراء)، كما يفقد النظم البيئية قدرتها على التجدد.
وأضاف أن الصيد الجائر يؤثر بشكل كبير في استقرار النظام البيئي على المدى الطويل، ويهدد في الوقت نفسه التوازن بين المفترسات والفرائس، كما يفقد البيئة مرونتها في مواجهة التغيرات المناخية والبيئية.
وأشار المتحدث إلى أن عديداً من الأنواع الحيوانية في الجزائر مهددة بالانقراض أو متضررة من الصيد الجائر، بما في ذلك: كبش الأروي، وغزال الصحراء، وغزال دوركاس، والحبارى، وثعلب الفنك، وفهد الصحراء، والضبع المخطط، وقط الرمال.
جرائم متواصلة
من جهته، يرى رئيس جمعية "الأزرق" لحماية البيئة بمحافظة البليدة، مراد سالي، أن الصيد الجائر في الجزائر يعد من بين الجرائم التي تحدث خلال السنوات الأخيرة، وهي الظاهرة التي رصد لها المشرع مجموعة من القوانين غير أنها بقيت متفاقمة لاعتبارات اجتماعية ثقافية وتربوية وغيرها.
وفي حديثه لـ"اندبندنت عربية"، يقول سالي إن "أثر الصيد الجائر على التوازن البيئي والبيولوجي في الجزائر كبير، لأن كثيراً من الطرائد الموجودة في الغابات في طريق الانقراض، بسبب الصيد بكميات كبيرة وخلال مواسم التكاثر، كذلك فإن عدم مراعاة فترات الراحة البيولوجية لهذه الحيوانات يؤثر بشكل ملحوظ في أعدادها في الطبيعة".
وأوضح مراد سالي وهو أستاذ جامعي وناشط جمعوي، أن "التوازن الإيكولوجي يرتبط بتوافر أعداد كافية من الكائنات الحية من حيوانات ونباتات، بالتالي فإن الصيد الجائر يقضي على عناصر حيوية في الطبيعة، وهذه العناصر مهمتها الحفاظ على التوازن البيئي في الطبيعة لأن انقراض الحيوانات أو نفوقها، يؤدي إلى خلل كبير في الطبيعة فتظهر الأمراض والأوبئة أو تنتشر الحشرات الضارة التي كانت في الأساس غذاء للكائنات المنقرضة، ما يشكل خطراً على الإنسان والبيئة".
وأضاف أن الحديث عن الصيد الجائر يعني قتل الحيوانات بطريقة عشوائية عبر الصيد غير المنظم، باستعمال وسائل أخرى كالفخاخ والحفر وأي شكل من أشكال الصيد التي تشكل خطراً على الحيوانات البرية، علماً بأن كل نوع من الطرائد لديه وقت محدد للاصطياد، وقتلها يؤثر في التوازن البيولوجي.
وتابع أن "هناك تنسيقاً بين جمعيات الصيادين والجمعيات المهتمة بالبيئة للتقليل من الجرائم الواقعة على الصيد البري، وتتم دعوة السلطات المتخصصة لتشديد المراقبة والقيام بدورات تفتيش وتوعية وردع المخالفين، ومتابعتهم قضائياً حتى لا يعاودوا الكرة، لأن الحملات التحسيسية الجمعوية لا يستجيب لها أشباه الصيادين في كثير من الأحيان، ويبقى الردع أنجع حل لوقف الاعتداءات المتكررة على الثروة الحيوانية البرية".
اعتداء على البرية
يقول رضوان طاهري، وهو باحث جزائري في التنوع الحيواني والنباتي ومنتج أفلام وثائقية، إن تأثير الصيد الجائر في التوازن البيولوجي في الجزائر يتمثل في زيادة عدد السكان على حساب أراضي الحيوانات التي بها التنوع الحيواني والنباتي.
ويضيف طاهري أن من أبرز التهديدات التي تواجه التنوع البيئي، هو استحواذ البشر على مصادر المياه في البرية، عن طريق الرعي والسكن قرب مناطق عيش الحيوانات، أو تلويثها بالصرف الصحي ما يؤدي إلى كسر السلسلة الغذائية للحيوانات وانقراض عديد منها.
ويؤكد المتحدث أن الصيد الجائر يقضي على التنوع البيئي والحيوانات البرية، بخاصة في الصحراء مثل الثدييات الكبيرة كالغزلان وبعض أنواع النحل التي انقرضت بسبب استعمال مبيدات في مكافحة الجراد، كما حدث في عام 1994، والسنوات الأخيرة ضمن محاربة الجراد باستعمال المبيدات الكيماوية التي أدت إلى موت أنواع من النحل الصحراوي وظهور كائنات دخيلة على المنطقة الصحراوية.
ويقول إنه في السنوات الأخيرة، وبفضل التطور التكنولوجي الكبير والسيارات رباعية الدفع والدراجات النارية لمطاردة الغزلان حتى في الرمال، تسارعت وتيرة انقراض الحيوانات البرية الصحراوية بشكل أكبر، وأصبح من النادر رؤية قطعان الغزلان في الصحراء.
ويضيف أنه "أخيراً أصبح نشاط الصيد رمزاً للتباهي وانتشرت هذه الظاهرة سريعاً، مثل اصطياد حيوان الضب الصحراوي الذي هو في طريق الانقراض وأكله، بعد رواج بعض الخرافات بأنه يعالج أمراضاً مستعصية من دون وجود أبحاث علمية موثقة، كذلك استهداف سمك الرمال (المعروف باسم الشرشمان محلياً) على رغم أنه يعد غذاء للفنك الصحراوي المهدد أو القط البري لأن هناك سلسلة غذائية كاملة تعيش على هذا الحيوان الصحراوي.
وأكد أهمية تدخل السلطات لإنقاذ بعض الكائنات بعد وقوع كوارث طبيعية كالحرائق والفيضانات مثل التي وقعت أخيراً في منطقة إيليزي وتوقف هجرة بعض الأسماك منها سمكة القط أو البلطي بسبب وضع سدود في طريقها إلى مواقع تكاثرها.